لماذا وإلى أين ؟

أزمة الكركرات فتحت صفحة مصالح اقتصادية بين موريتانيا والمغرب ستتجاوز الاختلاف السياسي

يجمع المتخصصون على أن أزمة إغلاق معبر الكركرات ستشكل تحولا جذريا في علاقة المغرب وموريتانيا، وسيكون للمصالح الاقتصادية تأثير مستقبلي على الاختلافات السياسية التي خفّت حدتها في عهد الرئيس الجديد لبلاد شنقيط التي تضررت كثيرا من الإغلاق، إذ كبّدها مرتزقة البوليساريو خسائر فادحة نجم عنها توقف الإمدادات من البضائع والسلع وارتفعت الأسعار، وهو ما جعل الموريتانيين يتهمون الجبهة بتهديد أمنها الغذائي والاقتصادي.

ورغم محاولات الجزائر استغلال الأزمة، بإرسالها شاحنات محملة بالبضائع إلى موريتانيا، إلا أن عجلاتها غرقت في رمال الصحراء المغربية، واتضح لموريتانيا، أكثر من أي وقت مضى، بعد التدخل الأمني الناجح لتحرير المعبر، أن مصلحتها وأمنها الاقتصادي يأتيان من المغرب، خصوصا أنه لم يكتف بالتحرير بل شرع في تنمية منطقة الكركرات وأكمل تشييد الطريق الرئيسية إلى ما وراء المعبر في اتجاه موريتانيا.

ويرى الملاحظون أن أولى المؤشرات الدالة على تغير موقف موريتانيا، هو منحها تأشيرات أعمال متعددة للمقاولات المغربية للدخول إلى موريتانيا صالحة لمدة عامين، في وقت طرح الاتصال الهاتفي الذي أجراه الملك محمد السادس مع الرئيس الموريتاني ولد الغزواني إمكانية أن تكون هناك زيارة ملكية إلى موريتانيا عما قريب.

مصلحة موريتانيا صارت الآن على المحك

يشدد كريم عايش، الباحث في السياسات العمومي، على أن معبر الكركرات كان ولايزال يلعب الدور البالغ في ربط المغرب بافريقيا وتسهيل التجارة بين الجارين الشقيقين المغرب وموريتانيا، وأيضا ربط أوروبا عبر المغرب بريا بالعمق الافريقي انطلاقا من الجهة الغربية للقارة، مضيفا: “هنا برز الدور الكبير للمعبر بالنسبة للمجتمع الموريتاني، إذ شكلت بوابة تجارية تمكن من توفير متطلبات السوق الموريتانية من مواد غذائية وأساسية وبعض قطع الغيار والبضائع ذات الاستهلاك الكبير، وهو ما دفعهم لاستهجان أعمال قطع الطرق والعصابات التي ارتكبتها عناصر البوليساريو مسببة في موجة غلاء وندرة غير مسبوقة والاضرار بالعلاقة المغربية الموريتانية بسبب عدم رغبة القيادة الحالية في الدخول في احتكاك مباشر مع تلك الميليشيات وتأثير الضغط الجزائري والذي حاول جاهدا تنفيد عدة مخططات تآمرية على المغرب بصمت من موريتانيا”.

وقال عايش في تصريح لـ”آشكاين”: “اعتقد أن مصلحة موريتانيا صارت الآن على المحك خصوصا وأنها رهنت بعلاقة هجينة مع كيان وهمي لا يقدم إلا الدمار والتخريب والأعمال الإجرامية، في حين أن المغرب يسعى عن طريق دبلوماسيته السياسية والاقتصادية إلى نشر التنمية والتعاون وتقديم يد العون بالرغم من قلة الإمكانيات، ويسعى لبناء علاقات رابح-رابح في إطار تشاركي يروم النهوض بالاقتصاد والأوضاع الاجتماعية وتوفير المستلزمات الضرورية لإحداث طفر اقتصادية تمكن من تحقيق الاستقرار السياسي بالدول”.

وفي نظر المتحدث نفسه،” موريتانيا ستستفيد في إطار مراجعة أسس علاقتها بالكيان الوهمي من تعاون وثيق ومبادلات تجارية هامية، خاصة إذا وضعنا في عين الاعتبار الشراكات الاستراتيجية للمغرب وأثرها على توسيع قاعدة الاستثمار والتعاون الاقتصادي، ليصبح معبر الكركرات منصة اقتصادية متكاملة ومنطقة تمتلك كل الإمكانيات والبنيات التحتية لربط الاقتصاد الموريتاني باقتصاد الأقاليم الجنوبية ومعها المملكة ككل، في إطار ربما ضمها لمبادرة الطريق – حزام الصينية مستقبلا، وتمكينها من الحصول على إمكانية عبور ميناء الداخلة الدولي في اطار تخفيض تكلفة الصادرات او الربط عن طريق الطريق السيار وما يتيحه ذلك من مزايا وفوائد جمة”.

موريتانيا تبحث على المدى البعيد 

من جهته، يرى محمد حركات، أستاذ الاقتصاد والمالية في جامعة محمد الخامس بالرباط، أن البعد الاقتصادي عامل أساسي في علاقة البلدين، على اعتبار أن موريتانيا بلد جار وعضو في اتحاد المغرب العربي الذي يهدف إلى تقوية الأخوة والتبادل الاقتصادي المتكامل المتجانس، مضيفا إلى وجود بعد جغرافي وجيواستراتيجي لأن المغرب لديه عدة استثمارات وشركاء في إفريقيا، وموريتانيا شريك دائم ولا يمكن فصلها عن الاتحاد الإفريقي.

وقال في تصريحه لـ”آشكاين”ـ إنه لا يمكن للمغرب وموريتانيا أن يشتغلا خارج الاتحاد الإفريقي، لأنهما أعضاء، والاتحاد من أهدافه تحقيق الوحدة الإفريقية وبالتالي أي خطوة معاكسة فهي مرفوضة من جميع الدول، خاصة أن هناك منطقة للتبادل الحر قائمة على خمس مناطق من بينها المغرب العربي، الذي يعتبر من الاتحادات الضعيفة على مستوى الاندماج.

وأضاف: “لا يمكن أن يطالب أحد بإيقاف التبادل التجاري والتعاون بين الأطراف، خاصة أن الاتحاد الافريقي لديه حمولة ديمغرافية وهناك بلدان كثيرة تريد الاستثمار فيه، كالاتحاد الأوروبي والصين وتركيا وفرنسا وغيرها، لأن لديه مكانة جيواستراتيجية مهمة”.

وأبرز حركات أن المغرب قطب أساسي في الاتحاد بحكم استثماراته المهمة وثانيا هناك بعد اندماجي وحضور بنكي وثقافي، وناهيك عن مشاريع الربط القائمة بين اثيوبيا أوروبا عبر المغرب وموريتانيا، ومشاريع الطريق السيار والقطار، وختم قائلا إن “موريتانيا تبحث على المدى البعيد، وهو ما يحتم عليهما التعاون لأنهما البوابة الشمالية للاتحاد الإفريقي، وهذا يلزم تعاونا وشراكة بين البلدين وبين الاتحاد المغاربي والإفريقي”.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x