لماذا وإلى أين ؟

المحاماة و سؤال الأمن المهني ؟

عزيز رويبح

أسئلة عديدة تطرح نفسها بحكم واقع مهنة المحاماة و ما تعرفه من خصاص تشريعي و مؤسساتي، ولعل أول الأسئلة و أكثرها إلحاحا و راهنية هو كيف نحقق أمننا المهني ؟

هل بالإستسلام لنزوعات الخضوع لواقع عنيد هو نتاج لتراكمات ذاتية و موضوعية ابتدلت من كثرة التشخيص و قلة الفعل و شح القطائع و البدائل ؟ أم بمواجهة النواقص و الاختلالات مواجهة ناضجة شجاعة تسمي الأشياء بمسمياتها و تضغط على مكامن الجرح حيث هو؟

الأكيد أنه لا تغيير و لا إصلاح و لا كرامة و لا انطلاق و لا عزة ما لم نترجم نحن معشر المحامين و المحاميات جوهر قيم رسالة المحاماة إلى ثقافة و سلوك و أسلوب و ممارسة و اختيار و انحياز إلى القيم الإنسانية المشتركة من عدالة و حرية و كرامة إنسانية ….

نحن شئنا أم اأينا جزء من وطن جميل يئن حاجة و عطشا لقوة القانون و قوة الاخلاق …يئن عطشا لنا نحن المحامون! خبرنا التاريخ و منعطفاته العتمة و المضيئة، جرَّبنا و كنا في الموعد من أجل الوطن، من أجل استقلال السلطة القضائية و انسنة القوانين و قوة المؤسسات و إعلاء شأن الحقوق و الواجبات نعم برهنّا اننا بروادنا و نقبائنا و قيدومينا وقضاتنا الشرفاء الوطنيين كوننا رقما نوعيا منتجا للقيم و المبادئ و الأحلام الموجهة لدولة الحق و القانون و المؤسسات.

أدبياتنا و ثراثنا و مواقفنا بصمات محفورة ناصعة في سجلات تاريخ بلدنا الرائع لن تزيدنا إلا ثقة في النفس وفي مُكنات استشراف غد أفضل بعيدا عن الصغائر و بعيدا عن تلابيب الانسياق وراء التهافت المضني المناقض لما ينبغي أن نكون عليه كنخبة مستنيرة فاعلة و قاطرة لعدالة هي ملاذنا و درعنا و مستقبلنا الآمن لنا و لأبنائنا …و أبناء وطننا….

نعم لا يمكن أن يكون المحامي ة قويا  اذا انكمش على ذاته و انطوى ضمن وثائق ملفاته، و أجبر على ابتلاع لسانه و طموحاته .

المحاماة كسب و عيش و أمل و بناء شخصي و أفق ارتقاء اجتماعي حر لكنها في نفس الآن ثقافة و فكر و اقتحام لفضاءات و مجالات عصية على الغير لكنها متاحة للمحامي  من المهد المهني إلى اللحد البيولوجي! لا مكان اليوم للنهل من ترتيبات اليأس و خطابات المهادنة الانتهازية المثقلة بالمسايرة و التبسيط و التسطيح حتى لا نسقط أرضا و نهوى ضعفا و هوانا تكون تكلفته باهضة تجرف بجوهر مهامنا و رسالتنا و أدوارنا المهنية و الحقوقية و الوطنية…

مهنتنا و جداولنا غنية مرصعة بالطاقات والكفاءات و المنارات و الرواد هي مصدر فخرنا و إيماننا بأن التغيير ممكن لتبقى المكتسبات المضيئة مرعية و محفوظة…

تعاقدنا” المقدس” و برنامجنا المتواصل غير العرضي و لا المناسبتي هو من أجل محاماة قوية موحدة متضامنة و من أجل عدالة عادلة و منصفة… هذه بعض مآلات أمننا المهني و مقاصده…

كيف ننطلق نحو تثمين البناء و استشراف المستقبل ؟

بداية أن تكون المؤسسات المهنية نتاج انتخابات حرة ، نزيهة ، شفافة و بعيدة ما أمكن عن أي جهة أخرى قضائية أو سياسية أو طائفية …
– أن تكون هذه المؤسسات ذرعا قويا غير مهادن في حماية المحامين و المحاميات من أي تعد أو غصب أو نيل أو تغول و أن تكون لها القدرة على تيسير عمل المحامي و على ضمان كرامته و رفعته و نجاعته عند الممارسة المهنية بمكتبه و في علاقاته بمصالح مختلف المؤسسات القضائية و الادارية ..

أن تساهم نفس المؤسسات في إيداع و بلورة أسباب مصالحة حقيقية و فعلية و دائمة مع المحيط المجتمعي للمهنة بغية إعلاء الاعتبار الرمزي للمحامي  و إعادة الثقة و شروط الاحترام المتبادل مع كل الشركاء .

– أن تكون المؤسسات المهنية حريصة على خلق جو مهني خال من الدوائر المغلقة ذات النعرات الانتخابوية الصرفة الخالية من كل نقاش مهني بناء و جدي ، جو صحي من مراميه أيضا تحقيق أسس و قواعد المنافسة المشروعة و الحد من الاحتكار غير المشروع و ذلك بالانفتاح على الشركاء الأساسيين لتكون المسؤولية جماعية و مشتركة بدل الارتكان إلى جلد الذات و التعاطي مع المحامي “كمتهم منفرد” و سط “عالم من الأبرياء و التقاة “….

من مسؤولية المؤسسات المهنية الأخلاقية الحفاظ على المكتسبات التي من شأنها خدمة القضايا الاجتماعية بمختلف تجلياتها عبر اجتهادات و إجراءات عادلة و منتجة لقيام تكافل فعلي عادل منصف و متوازن …

– العمل على رد الاعتبار للجزء المضيء من ماضينا المهني بنسائه و رجاله و استثمار قوة و حيوية و حماس الأجيال الجديدة الشابة مرتكزا للانطلاق الواعد نحو إصلاح” عميق و شامل ” بوعي و نضج و مسؤولية و ترافع مستمر و مستنير خدمة للمهنة ، خدمة للعدالة بأهداف و وسائل و غايات مبتداها و منتهاها المصلحة العليا للوطن و المواطنين …

نعم” العالم تمثلات” و المحاماة كذلك تمثلات و لكل منا تمثلاته وهموهه !

*محامي

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين وإنما عن رأي صاحبها.

 

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x