لماذا وإلى أين ؟

السعيد: هذا أصعب ما يمكن أن تؤثر فيه عملية الترحال السياسي (حوار)

إن هجرة مجموعة من أعضاء حزب سياسي معين إلى حزب آخر، يعتبرها البعض “استقطاب سياسي”، والبعض الآخر لازال مصرا على تسميتها بـ”الترحال السياسي”، رغم أن المشرع المغربي قال كلمته الأخيرة في كل من الدستور والقانون التنظيمي للأحزاب السياسية، والقانون التنظيمي للجماعات الترابية،  وكل من القانونين التنظيمين لمجلس النواب ومجلس المستشارين، وبات بذلك يعتبر هذه العملية فعلا مجرما، إذا ما عُرف أن مرشح ما مع حزب سياسي معين تركه وترشح مع حزب آخر، إلا أن العملية لا زالت متواجدة وتتزايد بالخصوص مع اقتراب الانتخابات التشريعية، وفي هذا الصدد يجيبنا عتيق السعيد أستاذ العلوم السياسية بجامعة الحسن الثاني، عن الإشكال المترتب عن الهجرات الحزبية.

بداية، ما هو تعليقكم على الهجرات الجماعية التي تشهدها الأحزاب السياسية في الآونة الأخيرة؛ مثل هجرة أعضاء من حزب العدالة والتنمية وحزب التقدم والاشتراكية نحو حزب التجمع الوطني للأحرار؟

بداية وقبل الحديث عن واقع حال الهجرات السياسية الموسمية، لابد من الإشارة إلى أن “الترحال السياسي” من الإشكالات المعقدة والمتشعبة التي تتقاطع فيها أسباب سياسية واجتماعية مرتبطة بسلوك الفرد داخل نسق مليء بعدة متغيرات، مما يؤثر في صورة المشهد الحزبي والسياسي ببلادنا، كما أن الأمر يصبح السمة البارزة عند اقتراب مواسم الانتخابات، لكن قبل هذا وذاك، لتفكيك هذا السلوك السياسي الانتخابي يجب أولا تحديد أسبابه ونتائجه.

إن إرادة عضو سواء كان ممثل عن حزب، أو على الأقل منخرط فيه إداريا ومؤسساتيا، تكون صريحة، بحيث يعبر عن قرار المغادرة طوعية من حزب لآخر،  بغض النظر عن فلسفته وايديولوجيته ومساره أو برامجه، وبالتالي يكون بمثابة محطة جديدة حاضنة له، خاصة في عملية الاستحقاقات، وهذا السلوك انتخابي/سياسي قد يضرب مسألة الولاء الإيديولوجي بعرض الحائط، وكذا ما يصاحبه أحيانا من تناقضات في السلوك السياسي للفرد و قناعاته ومواقفه في الكثير من القضايا الآنية.

وبالتالي السعي نحو تجويد الأداء الحزبي وخدمة الصالح العام يعتبر الأصل في العمل الحزبي، وبالتالي هذا التوجه المرتبط بالترحال السياسي لا يستقيم إذا ما اعتبرت هاته الممارسة السياسية تعبيرا عن سلوك ينم بشكل ممنهج على تغليب أهداف ومصالح شخصية على حساب المصلحة العامة، بشكل خاص والفعل السياسي بشكل عام، وبالتالي السقوط في الإخلال بالمبادئ السياسية التي تدفع بعدم تجويد الأداء السياسي وأيضا ببرامج وأهداف الحزب وضوابطه التنظيمية.

 ما مدى قانونية هذه العملية؟ ومدى تأثيرها على البنية الداخلية للأحزاب؟

بالرجوع لمقتضيات النص الدستوري لعام 2011 نجد أن المشرع وضع حدا لظاهرة الترحال السیاسي، التي لطالما كانت محط انتقاد عدد من الباحثين في حقل علم السياسية والقانون الدستوري وكذا الفاعلين السیاسیین، كونھا ظاهرة تضرب في العمق أخلاقيات الانتخابات والعمل التشریعي، و منه نجد الفصل 61 من الدستور ینص على التجرید من صفة عضو في المجلس، كل من تخلى عن انتمائه السیاسي، الذي ترشح باسمه بالانتخابات، أو الفريق أو المجموعة البرلمانية التي ينتمي إليها، كما تصرح المحكمة الدستورية بشغور المقعد، بناء على إحالة من رئيس المجلس الذي يعنيه الأمر، وذلك وفق أحكام القانون التنظيمي للمجلس المعني، الذي يحدد أيضا آجال ومسطرة الإحالة على المحكمة الدستورية.

قانون الأحزاب السياسية هو الآخر سار في هذا التوجه واعتبر أنه لا يمكن لعضو في أحد مجلسي البرلمان أو في مجالس الجماعات الترابية أو في الغرف المهنية التخلي عن الانتماء للحزب السياسي الذي ترشح باسمه للانتخابات تحت طائلة تجريده من عضويته في المجالس أو الغرف المذكورة، واعتبر أن كل عضو منتمي لحزب سياسي وفي أي وقت شاء، أن ينسحب منه، شريطة الالتزام بالإجراءات المنصوص عليها في النظام الأساسي للحزب في هذا الشأن، وبناء على ما تقدم يمكن القول أنه صار بحكم القانون  أن المشرع المغربي قطع الطريق بشكل واضح و صريح نحو استمرارية هاته الممارسة السياسية بأي دريعة أو غطاء، كونها أفرغت الأداء الحزبي من التركيز على خدمة قضايا المواطن، كما أن هذا الأخير أفقدته الثقة في التدبير الحزبي.

 طيب، إلى أي مدى يمكن لعملية التنقل من حزب لآخر، إن تمت، أن تؤثر على أيديولوجية الحزب نفسه؟

أصعب ما يمكن أن تؤثر فيه عملية الهجرة أو الترحال السياسي، هي تلك المرتبطة كما قلت سابقا في جعل المواطن يعيش حالة من التقلبات المزاجية للمرتحل(ة)، وبالتالي نصبح أمام عملية تشكك في الثقة بالمؤسسات الحزبية في حين أن العمل الحزبي يستلزم مقاربة واضحة ودقيقة، ترمي في الأساس إلى تكریس التمثیلیة الدیمقراطیة السليمة الخالية من أساليب الترحال السياسي المستمر، لأن المواطن هو الأصل في التدبير الحزبي وعموده الفقري، وبالتالي العملية السياسية ككل من المفروض فيها أن تساهم في تقوية ثقته في السیاسة وفي مدى جدوى الانتخابات، وهذا لا يستقيم دون العمل الجاد المستمر البعيد كل البعد عن الترحال المناسباتي.

 

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x