لماذا وإلى أين ؟

الدعوة للتعايش ليست الحل!

أسمع من كل مكان دعوات للتعايش الديني وبشكل رئيسي من جميع الطوائف، ومع ذلك يظل هذا التعايش خجولًا ومستترًا. لماذا؟
من الواضح أنني أفهم وأرى بوضوح هدف الدعوة إلى التعايش الذي يتلخص في الحياة المجتمعية السلمية للعالم. فقط لتحقيق هذا الهدف، لن يكفي دعوة أتباع جميع الأديان إلى إدراك هذا الهدف النبيل فجأة أو بطريقة سحرية لأن التعايش “حالة” طبيعية عفوية لا تتطلب في الواقع أي تفكير أو أي مجهود. وبعبارة أخرى، ليس علينا حتى التفكير في الأمر لأن التعايش يجب أن يكون واقع معاش طبيعي، مثل التنفس أو الشرب، حيث يشعر كل فرد منا مسؤولا عن بقية أعضاء الأسرة البشرية.
بدلًا من دعوة أتباع الديانات للتعايش، علينا أن نكشف عن أسباب العداء والاختلاف بين التيارات الدينية المختلفة التي تعيق تطور الحالة الطبيعية للتعايش وحب الإنسان كما هو دون أي تحيز خاص والتي سأحاول أن أقتبسها لكم أدناه:
* يدعي كل دين أنه يحمل الحقيقة مع اعتبار الآخرين على خطأ
* يعتبر كل دين أن أتباعه هم فقط الأفضل عند الله
* يفترض كل دين أنه مكروه من قبل الأديان الأخرى وأن له أعداء
* كل دين جديد يُعتبر عدوًا للدّين الذي سبقه
* كل دين يدعي رسوله فوق كل رسل الديانات الأخرى
* ينقسم كل دين إلى عدة طوائف في حرب دائمة مع بعضها البعض وغير قادرة على الاتحاد والعيش بسلام
* لكل دين قادة دكتاتوريون غير قادرين على إرساء السلام والديمقراطية حتى داخل مجتمعهم الديني الخاص
* كل دين يعتبر الإيمان فوق البشر
لتحقيق هدف التعايش كحالة طبيعية وعفوية، من الضروري إجراء تعديلين، من جهة إعادة هيكلة النظام الديني، ومن جهة أخرى إنشاء تربية أخلاقية عالمية.
1- إعادة الهيكلة الدينية
الدّين كما هو منظم اليوم، بعيد جدا ومختلف في أصله. ولقد كان الدّين في أيام نشأته واضحًا وبسيطاً جدًا بدون وجود فقهاء أو علماء أو أئمة أو قسيسين ولكنه تطور مع الزمان إلى منظمة مماثلة لتلك الخاصة بحزب سياسي أو حكومة مع حكام ومسؤولين تنفيذيين.
لذلك أقترح التدابير التالية:
* يجب أن يعود كل دين إلى حالته الأصلية وأن يصبح شأناً خاصاً بشكل صارم بكل فرد مع حذف وظيفة القادة الدينيين لأن هؤلاء الأخيرون يدافعون عن مصالحهم الخاصة ويديرون الدّين بطريقة مسيّسة للغاية مما يجعل التعايش بين أتباع الديانات مستحيلًا
* لا يمكن للدّين أن يتشابك مع الحكم لأنه يتعارض مع الديمقراطية كما لا يمكن للدّين أن يكون ديمقراطياً إلا في علاقته الخاصة بالمؤمن
* يجب ألا تغزو القوانين الدينية أو تلهم المحاكم المدنية حيث لا يمكن تعميمها على مجتمع متنوع من الناس وبالتالي فهي تعيق إقامة التعايش (مثل قانون الميراث أو قانون الزواج والعلاقات الرضائية). إن الشرائع الدينية تخص المؤمن فقط وهو صاحب القرار الوحيد لشخصه.
* يجب أن تدار الشؤون الدينية للمجتمع من قبل مجلس منتخب بالاقتراع العام سنويا في كل حي وقرية، كما يجب ألا يستفيد الأعضاء المنتخبون من أي مزايا معينة لتجنب أي تضارب في المصالح. ويبقى الدافع الوحيد لهذا المجلس هو حب خدمة المواطنين بغض النظر عن عقيدتهم أو عرقهم أو جنسيتهم
* القضاء على المرشدين الروحيين الذين يحلون مكان الله ويفسرون ويقررون الشرائع والفتاوى، لأن هذا يؤدي إلى الانقسام ويعرقل عملية التعايش داخل نفس الدين. يجب أن يكون كل مؤمن مسؤولاً، ولو كان أميا، عن قراءته وتفسيراته الفردية ومن مسؤوليته جعلها ملكًا له فقط. كما أن المجلس المنتخب لا يحق له أن يفرض أمرا على المؤمن وإنما أن يلهمه فقط إن شاء ذلك.
2- التربية الأخلاقية العالمية
يجب على الآباء تعليم أطفالهم الاستقلالية الروحية من خلال مساعدتهم على دمج القيم الأخلاقية العالمية وتحويلها إلى سلوك في حياتهم:
* الإنسان فوق الدّين والإيمان
* جميع البشر متساوون ويستحقون الاحترام الكامل بغض النظر عن الدّين أو الجنسية أو لون البشرة
* الدّين مسألة شخصية بحتة وجميع الأديان متساوية
* الدّين ممارسة ملموسة تتشكل بالأفعال وليس بالأقوال
* كل الأديان سواء أكانت معروفة أم لا، هي حقيقة مطلقة بالنسبة للذي يؤمن بها
* المؤمنون لكل دين متساوون لأنهم فوق كل دين
* الدّين مِلك لكل شخص وله الحرية في أن يقيم معه العلاقة التي تناسبه شخصيا
* لا يُسمح لأي شخص بالتدخل في علاقة الفرد بقراءته الخاصة للدّين
* لا أحد يُجبر على تبني الدّين
* المؤمنون والملحدون ولادينيون متساوون لأنهم فوق كل دين
* الإيمان ليس مقياسًا لقيمة الفرد
* الأفعال فقط هي التي تحدد الإنسان وليس طبيعة انتمائه الديني
* سواء كان ممارسة الدّين أم لا، هذا ليس من شأن أحد
* تشجيع الفكر النقدي اتجاه الدّين وكل فرد يتكيف مع شرائع دينه كما يشاء
* لكل مؤمن الحرية في أن يؤسس قراءته للّدين وجميع القراءات متساوية
* تربية الأطفال على حب الإنسان كغاية
* تعليم الطفل مفهوم الاحترام غير المشروط للبشر
* تشجيع الطفل على تطوير حقيقته الفردية للدّين وأن كل الحقائق متساوية
إن دعوة مواطني العالم للتعايش دون الالتزام بإعادة الهيكلة الدينية والتربية الأخلاقية العالمية، أشبه بدعوة الحرفيين لبناء سقف منزل بلا أعمدة!

*طبيب نفساني، باحث وخبير في التحليل النفسي للمجتمع المغربي والعربي

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين وإنما عن رأي صاحبها.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

2 تعليقات
الأكثر تصويتا
أحدث أقدم
Inline Feedbacks
View all comments
مواطن
المعلق(ة)
الرد على  شهم
7 ديسمبر 2020 10:39

اتفق مع هذا التحليل واضيف اليه ضرورة الفصل بين الدين والبطن، اقصد انه كلما كان الدين يؤدي الى تحقيق منافع مادية ودنيوية فإنه ستستمر النتائج الماساوية عن توظيفه.
ومن السهولة ملاحظة ذلك في الدول التي يستعمل فيها الدين في الصراع السياسي والاقتصادي.
ولعل لبنان أكبر مثال ثم العراق وايران وتركيا كما أن الاحزاب الإخوانية في الدول العربية والإسلامية بدأت التأسيس لما يمكن تسميته بالطوائف الدينية.
اذن الحل بسيط وهو منع استغلال الدين لتحقيق مكاسب دنيوية.

شهم
المعلق(ة)
7 ديسمبر 2020 01:44

الدين كان محاولة بدائية للسيطرة على التجمعات البشرية الأولية، وكان نتاج خوف من الطبيعة و آلية لتمييز الآخر، بل حتى لتبرير القضاء عليه و الإستيلاء على ما يملكه ،لذلك يفضل الكل دينه على دين الآخر .لم يكن الدين يوما عامل توحيد لكل البشر بل مصدر معظم الصراعات لا يمكن أن أصدق أبدا دعوات التعايش من طرف ممثلي الأديان بل حتى في الغرب فرضت عليهم بقوة العلمانية والعلم أما في بلدنا فلا يمكن أن أصدق الشيوخ لاني اعرف جيدا في أية ثقافة دينية متعصبة ترعرعنا وكيف يمني المسلمون أنفسهم بالسيطرة على العالم و ذبح الكفار..كورونا مثال على فشل الدين ودليل أننا نحتاج العلم كقوة خير توحدنا.

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

2
0
أضف تعليقكx
()
x