لماذا وإلى أين ؟

ضحايا “المسيرة الكحلة” : جريمة حرب أبادت نصف مليون مغربي (حوار)

ذاق المغاربة المرحلون قسرا من الجزائر ذرعا بويلات المعاناة التي تجرعوها منذ “تهجيرهم التعسفي من أراضيهم بالجزائر”، وما خلفه “غياب تقدم الترافع الرسمي للدبلوماسية المغربي” على ملفهم في المحافل الدولية، وهو ما فاقم معاناة الأسر المغربية مع توالي السنوات التي تعمق معاناتهم، جراء أعمال “الإبادة الإنسانية” في حقهم.

وكشف ميلود الشاوش، رئيس جمعية المغاربة لضحايا الطرد التعسفي من الجزائر، واحد المتضررين من التهجير القسري، عن المعاناة التي لقوها أوائل دجنبر سنة 1975 منذ بداية تهجيرهم، موضحا الأجواء التي مرت فيها، والتي “خالفت كل الأعراف، وتنافت مع القيم الإنسانية والإسلامية”، لتزامنها مع يوم عيد الأضحى، في مسيرة عرفت بـ”المسيرة الكحلة”، والتي شتت شمل نصف مليون مغربي.

وفي ما يلي نص الحوار:

بداية، كيف يمكن توصيف ما قامت به الجزائر من ترحيل للمغاربة في يوم يكتسي طابعا روحيا ورمزيا لدى المسلمين؟

أولا أشكر جريدتكم بهذا الملف، خصوصا وأن دجنبر من كل سنة يرجع بذاكرتنا للوراء، للحدث المأساة والعملية التي قام بها النظام الجزائري آنذاك في يوم مقدس لدى السلمية يكتسي كما قلتم طابعا روحانيا.

فنسي كل من الرئيس الجزائري آنذاك الوالي بومدين ولا وزير خارجيته عبد العزيز بوتفليقة، كل التضحيات لاتي قام بها المغاربة من أجل تحرير تلك الأرض التي نعموا بخيراتها بعد ذلك، فعملت الجزائر بتهجير قسري جماعي في يوم لا طقسا ولا دينيا يشكل صدمة للمغاربة.

التهجير القسري في 1975 الذي كنت من بين ضحاياه وكنت مازلت طفلا آنذاك، أتذكر انه كان يوما باردا، وكان هناك أطفال فقدوا عائلاتهم، حين عادوا من مدارسهم وجدوا بيوتهم قد هجرت دون سابق إنظار، ولحسن الحظ وجت عائلتي تنتظرني في سيارة الأمن الجزائري لتقم بترحيلنا.

إضافة إلى الاختفاءات القسرية التي وقعت حينها، بسبب الاعتقالات التعسفية والذهاب بهم إلى أماكن سرية، منهم من أطلق سراحه او أطلق سراحه، وذلك وفق شهادات وبيانات تووفر الجمعية عليها.

ما هي الجزاءات القانونية الممكن ترتبها دوليا على الجزائر في هذا الملف؟

الجمعية منذ تأسيسها سنة 2006، وهي تحاول تكييف الملف قانونيا، فبعد مجموعة من الندوات والمحاضرات مع مختصين من داخل المغرب وخارجه، واستشارت خبراء وطنيا ودوليا، وصلنا إلى أن هذا الحدث يرقى إلى مرتبة جريمة ضد الإنسانية، يرقى إلى جريمة حرب بمصادرة الممتلكات العينية والمادية، وهي جريمة إبادة إذ تم تفريق الأسر والعائلات والاجتثاث من أرض كنا نعتبرها أرضنا مع اختفاءات قسرية.

وما زلنا نطالب من الأمم المتحدة بمعرفة مصير هؤلاء وفتح تحقيق، وإرسال خبراء دوليين إلى أماكن محددة لتقصي الحقائق

ما الخطوات الترافعية التي قمتم بها لحدود الآن في هذا الملف؟

أولا، حاولت الجمعية بعد تأسيسها التواصل مع الضحايا، والذين تم تفريقهم منذ سنة 1975 على مجموع من المدن، نظرا لأن مدينتي وجدة والناظور غير مؤهلتين لاستقطاب العدد الهائل للمغاربة المهجرين قسرا، والذي يناهز 350 ألف شخص، وهذا إحصاء رسمي، والأكثر من ذلك أن الحكومة المغربية قالت في بعض المراسلات الأممية أنهم بلغوا 500 ألف شخص.

ولدينا بعض التصريحات الرسمية لمسؤول أممي الضحايا في الصليب الأحم، كان مكلفا باستقبال حوالي 7 آلاف شخص من الضحايا يوميا لمدة شهرين، من أطفال شباب شيوخ ونساء,

فالعدد كان هائلا، وكما نعلم أن العدد كان مؤثرا آنذاك، غذ ان اعدا السكان الجزائر حينها لم يكم يتجاوز 15 او 16 مليون نسمة، بالتالي فنصف مليون مغربي عدد هائل، دون ان ننسى عد المفقودين آنذاك.

فكان اول شيء هو إحصاء الضحايا وملئ استمارات، واحصاء الضحايا إنسانيا واجتماعيا، لا على الصعيد الدولي او الوطني كان لا بد أن نتوفر على قاعدة بيانات ومعطيات، وهذا كله في غياب أي دعم، وبمجهودات فردية جماعية حرة.

بداية من سنة 2010 وبعد وضع استراتيجية، فكان لا بد من تتبع عدة خطوات لرفع دعوى قضائية ضد الدولة الجزائرية، من بينها: رفع دعاوي شخصية للضحايا داخل المحاكم الجزائرية من أحل استرجاع الممتلكات، فكان مصيرها الرفض من قبل الجزائر، بل أكثر من ذلك، فقد تعرض أصحابها للتهديد والتعذيب.

ثانيا التجأنا إلى اللجان الأممية التي تعنى بشؤون المهاجرين، وأولها في سنة 2010، كانت اللجنة المعنية بحقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد عائلاتهم، غذ صدرت اول توصية ضد الجزائر.

وقبل هذه التوصيات كان هناك تساؤل طرح على الجزائر من قبل اللجنة، مفاده، ما هو السبب الذي كان وراء عملية التهجير القسري للمغاربة؟. واكيد أن الجزائر تفاجأت من هذا السؤال ولم تجب؛ بل صرحت رسميا بقيامها بعملية الطرد، ولدينا ما يؤكد ذلك.

آنذاك صدرت توصيات توصي من خلالها اللجنة بإرجاع الممتلكات او تعويض هؤلاء العمال المهاجرين تعويضا منصفا لتلك الممتلكات والمعاشات، وكل ما يرتبط بالعمال المهجرين، كما لفت انتباه اللجنة الأممية ان هناك لجنة مغربية جزائرية تأسست لهذا الغرض، ولكن المغرب رضف إكمال  مسار هذه اللجنة بسبب نزاع الصحراء.

كما طالبت اللجنة الأممية لم العائلات المشتتة، نظرا لان مجموعة من الأفراد بقوا في الجزائر ومجموعة من العائلات تشتت، وطالبنا آنذاك بفعل الحدود التقاء هذه العائلات ولمهم.

بطبيعة الحال كانت تلك التوصيات بالنسبة للجزائر قوية، غذ أن اللجنة راسلت الأمين العام للأمم المتحدة محتجة على أن رئيس اللجنة آنذاك، عبد الحميد الجمري، الذي تعاطف مع الملف، لكن اللجنة رفضت تلك الادعاءات لأنها لا تضم مغربيا فقط بل فيها جنسيات متعددة.

أكيد ان هذه التوصيات بقيت حبرا على ورق إلى غاية 2014 وكان مناسبة لنا للالتجاء للجنة، وقلنا أن تلك التوصيات بقيت حبرا على ورق، وذلك تزامنا مع تقرير المغرب لمناقشة وضعية العمال المهاجرين، وكما تعلمون أن المغرب انتهج سياسة جديدة في إطار الهجرة ابتداء من 2013.

بالمناسبة صدرت توصية أخرى على المغرب من اجل تبني  هذا الملف والترافع عليه أمميا ودوليا بدون التواصل مع الجزائر، لان اللجنة الثنائية بين المغرب والجزائر التي تأسست بداية التسعينات، توقفت سنة 200’، وبحكم العلاقات المتوترة بين البلدين فلا يمكن ان ننتظر شيئا من اللجنة.

على المغرب ان يرافع على الملف كما أوصت به اللجنة الأممية المذكورة، لان المغرب ملزم أخلاقيا في تقريره الأممي المقبل ان يعطي حصيلة الإجراءات وترافعه في هذا الملف.

لم نقتصر على هذه اللجنة الأممية فقط، بل توجهنا إلى لجان أممية أخزى من بينها اللجنة الأممية للاختفاء القسري، وذلك لأن الجمعية تتوفر على بيانات لعدة أشخاص فقدوا منذ بداية 1975، وكانت هناك حوالي 4 لقاءات بين اللجنة والضحايا بشكل مباشر، ما أظهر تعاطفا للجنة مع الملف، بحيث راسلت الدولة الجزائرية لمعرفة مصير المختفين، وراسلت المغرب لإحاطة علمها بهذا الملف، كي تتابع، سواء عن بعد او عن قرب.

كما ترافعت الجمعية في مجلس حقوق الإنسان بجنيف بحضورها وترافعها المتواصل في اللجان المعنية بالحقوق السياسية والمدنية، والمعنية بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية.

التجانا للأمم المتحدة لاستصدار توصيات في انتظار رفع دعوى قضائية على الدولة الجزائرية، لأن فعل التهجير جاء رسميا من الجزائر.

وموازاة مع ذلك استشرنا مع مجموعة من المحامين الدوليين وهيأنا لجنة قانونية من أجل ان وضع الملف، ولكنه في غياب الدعم المالي للجمعية، لا سوي او شهري، بالتالي هي تشتغل بإمكانياتها الذاتية، وأحيانا حينما تتكفل بعض الجمعيات تذاكر السفر، وهذا غير كاف في هذا الملف الكبير الذي يعتبر رديف ملف القضية الوطنية المتعلقة بالصحراء.

في غياب دعم مالي واضح، ورؤية سياسية واضحة، أو أي دعم دبلوماسي مغربي يبقى هذا الملف يخطو خطى السلحفاة، وهذا في الجانب القانوني، دون أن نتحدث على الجانب الإنساني والاجتماعي الذي قامت به الجمعية مع الضحايا.

 لماذا لم يحزر المغرب أي تقدم في الترافع عن الجالية المرحلة من الجزائر بشكل رسمي رغم مرور 45 سنة على هذا “الترحيل القسري”؟

أظن ان هذا السؤال يجب ان يطرح على وزير الخارجية، ولكنه نفس السؤال نطرحه نحن المرحلون، لأننا مغاربة، ورفضنا أن نتخلى على الجنسية الغربية او ان نحصل على الجنسية الجزائرية، ورفضنا ان نقدم دعما للبوليساريو، وبقوا متشبثين بمغربيتهم، بل ضحوا بكل شيء من اجل المغرب.

في المقابل ما الذي قام به المغرب؟، لم يعطهم سكنا او وظائفا، سوى تلك الوظائف البسيطة لأسر تضم 9 او 10 أشخاص مقابل 450 جرما آنذاك، هل هي للكراء أم للأكل. ولدينا معاشات لأشخاص لديهم معاشات بـ50 درهما، لدرجة انها تبقى في البنك إلى ان تؤخذ مع مصاريفه، وهذا بإثباتات؛ هل هذا المعاش سيحقق عيشا لهؤلاء.

أنا أتساءل أين وضع هذا الملف لدى وزير الخارجية؟ نحن كذلك أرهقنا ماديا بسبب هذه السفريات، ولطن إلى متى سيستمر هذا؟ كما ان هذا الملف يسائل الأحزاب السياسية والجمعيات الحقوقية.

ألا ترون أن الائتلاف الحقوقي بالمغرب كان من المفروض أن يتبنى هذا الملف؟

أنا من المناضلين الحقوقيين بالمغرب، وقد وضعنا طلبا للحصول على عضويتنا داخل الائتلاف المغربي لحقوق الإنسان، لكنه قوبل بالرفض. فماذا سنقول بعد هذا الرفض؟

ثم ماهي الفائدة من تعدد الجمعيات التي تناضل من أجل الضحايا؟ ألم تكن البدايات أكثر فاعلية حين كانت الجهود موحدة؟

بالعكس، نحن بودنا ان تصل الجمعيات المدافعة على الملف إلى 100 جمعية او أكثر، لأن جمعية لوحدها غير كافية؛ وكل من أراد الدفاع عن هذا الملف فمرحبا به، ونحن نرحب بمثل هذه المبادرات، لأنهم سيساعدوننا.

لأنه عدما تتعدد الأصوات ليس كأن يكون ضوتا واحدا، فكلما تعالت الأصوات كلما سيعطي ذلك للملف قوة أكثر.

 

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x