لماذا وإلى أين ؟

ماذا يعني إصدار المغرب سندات اقتراض في السوق المالية الدولية؟ .. الكتاني يجيب (حوار)

عمقت جائحة كورنا الجراح الاقتصادية لبلدان العالم ومعها الاقتصاد المغربي، الذي مازال يجر التداعيات السلبية التي خلفتها الجائحة نتيجة تضرر جميع القطاعات الحيوية من التدابير المتخذة للحفاظ على الصحة مقابل تكبد الخسائر المالية.

ولتجاوز بعض هذه التداعيات لجأ المغرب مؤخر إلى قروض السوق المالية الدولية، من خلال إصداره سندات اقتراض في السوق المالية الدولية بقيمة 3 مليارات دولار، وهو ما يُعادل 26 مليار درهم مغربي؛ وهو المقسم إلى ثلاثة أشطر بـ 750 مليون دولار، و1 مليار دولار، و1.25 مليار دولار. حسب بلاغ وزارة الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة.

وأوضح الخبير الاقتصادي عمر الكتاني، في حوار أجرته معه “آشكاين”، دلالات هذا القرض في هذه الظرفية بالذات، والشروط الواجب توافرها فيه ليتم الاستفادة منه، محذرا من “الريع الذي قد يشوب مثل هذه القروض والذي سيحول دون استفادة المجتمع من ثماره”.

وفي ما يلي نص الحوار:

المغرب يصدر سندات في السوق المالية الدولية بقيمة 3 مليارات دولار، ماذا يعني ذلك؟

هاذ كان متوقعا، وهذا القرض في السوق المالية الدولية، بمعنى ان كلفته المالية ستكون أعلى من كلفة الولوج إلى القروض ما بين الحكومات، وهي متوقعة في الواقع، لوجود عجز في المداخيل الضريبية وعجز في الإنتاج الوطني.

ما يؤسفني ليس هو اللجوء للقروض، بل اللجوء إليها مع المحافظة على نمط الاستهلاك العالي للموظفين الكبار في الدولة، بمعنى أن ذلك التضامن المفروض ان يكون من مختلف الفئات الاجتماعية غير وارد، والشعب هو من يقوم به، والدولة بغض النظر عما تقوم به من مجهودات جزئية من التضامن المتمثلة في بعض التخفيضات في مستوى اعيش الموظفين الكبار، بغزالة جزء من أجورهم.

من الناحية الموضوعية، كان متوقعا أن يلجأ المغرب إلى القروض. والآن لجأ إلى السوق المالية الدولية ذات التكلفة الأعلى، مقارنة مع للقروض التي لجأ إليها المغرب من صندوق النقد الدولي ذات التكلفة الأقل.

فالمؤسف أيضا هو سياسة التقشف التي يقوم بها جهاز الدولة، الذي لم يظهر تضامنه بشكل واضح، لأن المسؤولين الكبار في الدولة لم تكن لديهم الشجاعة ليقوموا بتخفيض 20 في المائة من أجورهم.

لأن المندوبية السامية للإحصاء، قالت بشكل صريح أن الأزمة خفضت من استهلاك المغرب إلى الثلث، ومن استهلاك الأسر المغربية إلى الثلث، وهو ما يسائل المسؤولين على الإصلاح الاقتصادي والاجتماعية، عن سبب عدم تخفيضهم لأجور الموظفين الكبار ولو بـ20 في المائة.

ما هي العقلية التي سنثق فيها لنعرف أنكم تنوون الإصلاح، وتنوون تغيير النموذج الاقتصادي بالمغرب، إذا لم تعطوا الدليل بتخفيض مداخيلكم الرسمية، وبتخفيض الامتيازات الممنوحة لكم.

لذلك أنا أعتقد اننا سنخرج بدون درس حقيق من هذه الأزمة، لأن العقلية إن لم تتغير في هذه الأزمة، فلن تتغير أبدا.

وما هي منافع هذا القرض على الاقتصاد المغربي؟

شرط واحد لتكون هناك منافع لهذا القروض.  وهو أن نزيل منها الريع الذي كان سابقا، وبمختلف أنواعه. بمعنى أن هذه الأموال الت أخذها المغرب، يجب ان توجه للمقاولات التي كانت محرومة من الامتيازات.

كما أن الصفقات العمومية لا يجب ان تعطى فقط للشركات التقليدية من الخواص الذين يتحالفون مع الدولة، وتعطى فرص للجميع، لتكون هناك تنافسية.

يجب أن تأخذ المناطق الريفية حظها من المشاريع إعادة الانطلاق الاقتصادي المغربي، وأن يأخذ قطاعي الصحة والتعليم حظهما الأوفر من تلك الأموال، لأن الأزمة، فضحت على أن القطاع الاجتماعي بالأساس هو المتضرر، بما فيه قطاع الصناعة التقليدية، وقطاع الصحة والتعليم، السكن الاقتصادي وقطاع النقل وخصوصا في البادية. بالتالي هذه القطاعات الاجتماعي يجب أن تعطى لها الأولوية.

إذا لم يتحقق هذا، فمعناه أن الريع سيبقى في الصفقات العمومية، وهو ما يجب أن يزول منها، بمختلف أشكاله، سواء فيما يتعلق بالشركات المغربية، أو في الصفات العمومية لدى الشركات الأجنبية، التي لا يجب ان تأخذ حظها الأوفر من هذه الصفقات على حساب الشركات المغربية؛ بمعنى أن نزيل من الصفات العمومي الريع الداخلي والخارجي.

إضافة إلى الريع الذي يعطى للفقراء من خلال الدعم المقدم لهم، والذي اعتبره ريعا، لأنه بدل أن يعطى لهم هذا لدعم ليستغلوا وينتجوا، يعطى لهم ليستهلكوا. فهذه الأنواع من الريع التي ذكرنا، يجب أن تقلص لأقصى حد، وحتى لو أخذنا هذه القروض الربوية مع الأسف، حينها لن نأسف عليها.

يجب ان نراجع المردودية الاجتماعية لتلك الصفقات، ومراقبة المردودية الاقتصادية، لتكون هناك رقابة على تلك الصفقات، لأن الإنفاق الكبير للدولة وادعت ان ذلك الإنفاق سيكون في الاستثمار، وستبذل مجهودا، لأنها ستصرف تقريبا 20 في المائة من الدخل الوطني في الاستثمار.

ولكن مردودية ذلك الاستثمار ستبقى ضعيفة، إن استمر بالأنماط السابقة، المتمثلة في الاستثمار المليء باقتصاد الريع.

هل لهذا القرض الاخير أثار سلبية على مستوى العيش؟

الآثار السلبية على مستوى العيش، هي آثار على أبنائنا. لأننا عندما نتحدث عن قروض، فهي في الغالب قروض طويلة المدى، وبالتالي يمكن أن تكون عبئا على الجيل لقادم، الذي سيخلق وهو غارق في المديونية.

وهذه المسألة مطروحة، لان القروض التي تتخطى 5 او 6 سنوات، سيحال عبؤها على أبنائنا. فبأي حق؟، هل استشرناهم في هذا الأمر كي نغرقهم في المديونية؟ وهذا لا يعني أنه ليست هناك أولويات، بالعكس هناك أولويات في مصاريف الدولة.

هناك أولويات في مصاريف الدولة ممثلة في الأمن الخارجي، كقضية الصحراء مثلا، ومجهود شراء الأسلحة شبه منطقي، حتى وإن كان هناك ضغوط لنشتري الأسلحة من أسواق محددة، ونتجنب أخرى، وإن كان المغرب يظهر نوعا من استقلاليته، بشرائه بعض الأسلحة من الصين، رغم عدم تمكنه من القطار السريع منها.

ولكن على مستوى الأسلحة يأخذ حريته نوعا ما. اما على مستوى القطاع المدني، فقد اشترينا القطار فائق السرعة (TGV) بثمن باهض والترامواي كذلك بثمن مرتفع، أي ليس بثمن السوق، وهذا هو الريع.

فإن استمرينا فيه بهذا الشكل، أي بالخضوع إلى ضغوط فرنسا بالخصوص، والضغوط الامريكية كي لا نشتري من المعسكر الآخر ونقتصر عليهم.

يجب علينا ان نقطع مع هذا التسلسل في التبعية، لأنه سيغرقنا في المديونية، والمصيبة الكبرى مستقبلا، هي أننا نفقد السياسة الاقتصادية، ونفقد طافة التفاوض، وهي اخطر من السياسة الاقتصادية.

لأن الإنسان عندما يذهب للتفاوض مع مؤسسة أجنبية وهو غرق في الدين، وهي تعلم ذلك، لذلك تفرض عليه شروطا أكثر ويضطر للخضوع لها. فكل غارق في الدّين ويتفاوض في صفقة اقتصادية، فهو خاسر فيها لا محالة.

في نظرك أين ستوظف إيرادات هذا القرض؟

حسب الخطاب الرسمي، فهي ستوظف في الدعم الاستهلاكي لبعض القطاعات الذي يعد أحيانا ضروري، وهناك دعم الإنتاج، وقيل إنهم سيتبنون نوعا من الاحتكام النزيه في توزيع ذلك الدعم لتأخذ المقاولات الصغير والمتوسطة الصغير جدا حقها من هذا الدعم.

وقيل أيضا، واحتمال أن يكون او لا يكون، بأن يوفر الدعم للقطاع غير المنظم، وهذا كلام عام، والتطبيق هو الذي سيجعلنا نحكم على النتائج الاقتصادية والاجتماعية.

وللأسف، هناك قطاعات رغم انها تعاني من الأزمة، كالقطاع السياحي، يعطى فيها الدعم للكبار فيه وليس للصغار. لان الأبناك تدعم الشركة الكبيرة للفندق، ولا تقوم بدعم العمال الصغار الذين يتم تسريحهم، ويكون دعمهم لمدة قصيرة ويتوقف. وهنا نتساءل من تدعم في هذه المقاولة؟ إذا كنت ستدعم المقاولة قم بتدعيم عمالها الصغار الذين هم عرضة للتسريح.

فعندما قالوا ان هناك 600 ألف منصب شغل فقد بسبب الجائحة، لم يذكروا ان هناك 300 ألف منصب شغل جديد طرح في سنة 2020 ولكن بسبب الأزمة لم يشتغل تقريبا، بمعنى اننا خسرنا 900 ألف منصب شغل؛ أي  خسرنا ما يقارب مليون منصب شغل.

هذا معناه أنه لو كانت فينا لو قليل من الغيرة الوطنية، كان على الموظفين الكبار، والمسؤولين على الشركات الكبرى، أن لا ينتظروا من الدولة أن توصيهم، بل أن يتفقوا على التبرع هذه السنة او المقبلة بربع أجرتهم، ولن يتغير  نمط عيشهم لأن اجورهم عالية جدا.

ولكن هذه الغيرة لا توجد لدينا للأسف، وهؤلاء الأشخاص هم الذين سيكونون مسؤولين على النموذج التنموي في المغرب، وهذه هي المصيبة والمشكل الكبير، أي هذه الازدواجية، ففاقد الشيء لا يعطيه، وهو ما يجعلنا نتكلم بهذا الخطاب السلبي للأسف، ونسمى أناسا عدميين، وبأننا لا نرى سوى الجانب التنافس في السياسة الاقتصادية، ولكن على العكس نحن نريد ان نذكر الجوانب الإيجابية ولكنهم لا يدعوا لنا مجالا.

بالتالي نحن نعيش في عالم افتراضي، بمعنى انه في الواقع المعيش مع الأسف، لا نرى زيارات المسؤولين الكبار لهذه القرى النائية لأن الجانب الأمني لهم لا يسمح لهم بذلك.

أرى أن هذه الجائحة كان من المفروض أن نأخذ منها درسا، مفاده ان القطعات الاجتماعية في المغرب منذ الاستقلال إلى الآن هي الجانب المظلم من القمر، لأنها اهملت وبانت عيوبها في هذه الازمة بشكل كبير.

والأجور التي يتقاضاها المسؤولون الكبار في الدولة هي التي تجعلهم لا يعطون أولوية للقطاعات الاجتماعية، نحن نعيش اذن في هذه الازدواجية الكارثية، لان الإصلاح الاجتماعي يلزمه تدابير اكبر  من التي اتخذت.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x