لماذا وإلى أين ؟

عصيد يكتب عن التطبيع وتهديد الاستقرار

القرار الأمريكي بشأن الصحراء وقرار المغرب إعادة علاقاته العلنية مع إسرائيل فتح الباب أمام سيل من المواقف المعارضة التي ربطت جميعها هذه الخطوة بضرب استقرار المنطقة والدخول في دوامة عنف وتهديد السلم الاجتماعي إلخ.. كان البادئ بهذه “النبوءة” الصحفي الفلسطيني عبد الباري عطوان الذي أشار في مقال بصحيفة “رأي اليوم” ـ نقلته جريدة “لكم” الإلكترونية المغربية ـ إلى أن “الاتّفاق المغربي الإسرائيلي قد يكون مشروع فِتنَة، وربّما حُروب وعدم استِقرار في دول الاتّحاد المغاربي التي ظلّت مُحصّنةً في وجه الاضّطرابات والحُروب التي سادت المشرق العربي”. وعلى نفس النهج سارت “الهيئة المغربية لنصرة قضايا الأمة”، إذ بعد استنكارها بالشجب والإدانة لإعادة العلاقات مع إسرائيل اعتبرتها خطوة ”ستكلف المغرب غاليا من تاريخه و استقراره ومستقبله و علاقاته الإقليمية”.

أما “حركة التوحيد والإصلاح” الذراع الدعوية لحزب “العدالة والتنمية” ـ الذي يجتاز إحدى أسوأ فتراته في الحكومة ـ فقد اعتبرت في بيان استنكاري لها بأن “خطوة العلاقات مع إسرائيل تفتح الباب أمام اختراقِه للمجتمع والدولة وتهديده لتماسك النسيج المجتمعي واستقرار الوطن ووحدته”.

وفي نفس السياق أكد رئيس وزراء الجارة الجزائر عبد العزيز جراد بدوره متحدثا عما أقدم عليه المغرب بأن “الجزائر مستهدفة وهناك قضايا خطيرة في محيطنا الجهوي تريد ضرب استقرار المنطقة، وها هي الدلائل اليوم عندما نرى في كل الفضاء المغاربي والإفريقي الدائر حول الجزائر هناك مخاطر وعدم استقرار وحروب”.

في المقابل، بعد أن أكدت روسيا بدورها رفضها للإعلان الأمريكي المتعلق بالصحراء، قالت الخارجية الروسية أن الموقف الأمريكي “من شأنه أن يسبب أحداث عنف جديدة في المنطقة”، حسبما أفادت قناة (أرتي) الروسية الناطقة بالعربية.

غير أن هذه المزاعم مجتمعة يُواجهها سيل من الأسئلة القلقة: إذا كان التطبيع مع إسرائيل هو الذي يجلب الحروب والفتن، فكيف نفسر أن دول المواجهة و”الممانعة” ضدّ إسرائيل والغرب عموما والتي ساندها عبد الباري عطوان وساندها الإسلاميون والقوميون العرب هي التي عرفت أعظم الفتن،بل انتهت إلى التفكك والخراب الشامل ؟ ألم يجلب عراق صدام على نفسه الخراب باقتحام جارته الكويت ؟ ألم يتم تخريب سوريا بتحالف بين قطر وتركيا، وتم تشريد شعبها بمباركة من “اتحاد علماء المسلمين” الذي أعلن “النفير” ودعا إلى الحرب وحرّض على القتال والمقاتلة ضدّ نظام بشار المعارض لإسرائيل ؟ وكيف عرفت ليبيا القذافي خرابا عجزت حتى الآن عن الخروج منه وبناء دولة حديثة لكل مواطنيها ؟ أليست مليئة بالمليشيات الدينية المختلفة التي يجمعها “الله أكبر” والرايات السوداء وصور السيوف المعقوفة ؟ ومن الذي نقل 17 ألف من إرهابيي “جبهة النصرة” من سوريا إلى ليبيا هل هي إسرائيل أم تركيا الإخوانية بمباركة من قطر ؟ وكيف أعلنت السعودية الحرب على اليمن ؟ هل كان ذلك بسبب تطبيعها العلاقات مع إسرائيل ؟ وهل الحوثيون تحركهم إسرائيل ؟

أما بالنسبة لأخينا الوزير الجزائري فسيكون عليه أن يجيبنا كيف اندلعت فتنة عظيمة ومذابح شنيعة بالجزائر على مدى عشر سنوات بين متطرفي الإسلام السياسي والطغمة العسكرية التي ألغت المسلسل الانتخابي وألقت بمعارضيها في المعتقلات، هل كان ذلك كله بسبب تطبيع الجزائر أو جيرانها مع إسرائيل ؟ وماذا عن حراك الشارع الذي ألقى النظام العسكري بقيادييه في غيابات السجون ؟ وماذا عن تمرير دستور لا شرعية له بنسبة 23 في المائة من الأصوات ؟ هل كلّ هذا من وحي إسرائيل ؟

وهل بعد انتفاضة الشارع المصري بالملايين ضدّ مبارك ثم بأَضعاف ذلك ضدّ مُرسي و”الإخوان” وعودة العسكر للاستيلاء على السلطة وكل الفتنة التي تلت تلك الأحداث الهائلة كانت بسبب تطبيع النظام المصري مع إسرائيل ؟ ألم يوجه محمد مُرسي بعد نجاحه في الانتخابات رسالة أخوية إلى الرئيس الإسرائيلي يُطمئنه فيها على حسن العلاقات ويعبر عن “شديد الرغبة في أن أطور علاقات المحبة التي تربط لحسن الحظ بلدينا” (رسالة مؤرخة في 19 يونيو 2012 ) ؟

وهل مقتل شكري بلعيد والبراهمي وثورة القوى الحية بتونس وإسقاط حكومة “النهضة” كان بإيعاز من إسرائيل أم بسبب أخطاء “الإخوان” الذين عوض أن يعملوا على تدبير شؤون الوطن ظلّ شغلهم الشاغل الهيمنة على المؤسسات وتنفيذ أجندة لا تخدم سواهم ؟

ثم من قتل رفيق الحريري ؟ ألم تتم إدانة خمسة أعضاء من “حزب الله” الذي هو معارض لإسرائيل ؟ ومن الذي يقود مسلحوه اشتباكات في شوارع بيروت في كل مرة من أجل نقض قرارات حكومية والتمكين لنفسه في الدولة بمنطق القوة والتهديد، أليس حزب الله المعارض لإسرائيل ؟

وماذا عن السودان، هل إسرائيل هي التي سوّلت لحكومة الإخوان المسلمين التي تسلطت على رقاب الناس منذ 1989، إحراق 300 ألف مواطن في “دارفور” بالنار وتهجير مليونين، والتمييز ضدّ مسيحيي الجنوب بتطبيق الشريعة الإسلامية الشيء الذي أدى إلى انقسام البلد إلى دولتين ؟ هل إسرائيل هي التي أوحت لحكومة البشير العسكرية ـ الإخوانية بالزيادة في ثمن الخبز والمواد الأساسية وسنّ قرارات عُنصرية ولا شعبية أدّت إلى انفجار الشارع وسقوط حكم البشير وكل دوائر الشرّ المحيطة به ؟

أما بالنسبة لمواطنينا من الإخوان المسلمين المغاربة فنذكرهم بأن ما عانينا منه في المغرب فيما يخص “تهديد تماسك النسيج الاجتماعي”، لم يكن قط بسبب إسرائيل بل بسبب من جاء يقول بـ”المجتمع الجاهلي” وبـ”الفريضة الغائبة” و”الحاكمية لله” وبـ”الزحف” و”التمكين” و”القومة” و”الخلافة” و”الجهاد”، وأنه لم يوجد قط من أفسد عقول المغاربة وزرع بذور الفتنة فيما بينهم وأوصل التعليم المغربي إلى حافة الإفلاس وشرعنة الجهل والعنف مثلما فعل “الإخوان” و”السلفيون”، الذين عليهم قبل أن يتحدثوا لنا عن “اختراق إسرائيل” لمجتمعنا أن يعتذروا عن أخطائهم السابقة ويعملوا على تحسين سلوكهم المواطن في ظلّ الدولة المغربية التي تجمعنا.

ثم لماذا يسكت هؤلاء عن العلاقات الأخوية بين تركيا وإسرائيل وعن المبادلات اليومية بينهما ؟ كيف يرفضون التطبيع في حالة الحكومات التي يعارضونها بينما يسكتون عن تطبيع حلفائهم مع إسرائيل ؟

إننا لا نطرح هذه الأسئلة لنبرّر واقعا ما أو لنغير موقفنا من القضية الفلسطينية التي ستظلّ بالنسبة لنا قضية شعب يستحق الحرية، بل فقط لنعبّر لهؤلاء النوابغ بأننا لسنا مغفلين، وأن عليهم احترام عقولنا على الأقل بتقديم حُجج منطقية لإقناعنا. وأن يعلموا بأن من عاث في الأرض فسادا وأشاع الخراب والدّمار من حوله ليس في موقع إعطاء الدروس والعبر، وأنّ الإيديولوجيات المتقادمة أشبه بالبطاريات عندما تُستعمل بإفراط تُستنفذ حتما ولا تقبل التعبئة مجدّدا.

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين وإنما عن رأي صاحبها.

 

 

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

12 تعليقات
الأكثر تصويتا
أحدث أقدم
Inline Feedbacks
View all comments
رضا
المعلق(ة)
17 ديسمبر 2020 15:01

لم أجد من بين سيل الأسئلة سؤالا واحدا يطرح على إسرائيل بحسبانها عدوا وجوديا العرب وليس فقط للفلسطينيين.. لماذا غاب السؤال؟ هذا الغياب يفقد المقال كثيرا إن لم نقل كل توازنه.. من باب الحرص على ذكاء القارىء ..

قاسم
المعلق(ة)
الرد على  حمو
17 ديسمبر 2020 13:54

الحق يعلو و لا يعلى عليه، من يرى أن المصلحة تقتضي التطبيع مع إسرائيل فهو واهم و كأنه لا يعرف تاريخ هذا الكيان المجرم، إسرائيل كما هو معروف احتلت الأرض و قتلت شعبها الذي عاش على تلك البقعة قرونا و هجرت الناس و فرقتهم و هدمت المساجد و صادرت الاراضي و زرعت فيها المستوطنات اليهودية و طمست المعالم العربية حتى أن بعض القرى لم يعد لها أثر و اقتلعت الأشجار و أسرت ألاف الفلسطينيين و و بنت جدار العار الفاصل و حاصرت غزة و ٱستباحت المسجد الاقصى و قتلت في لبنان في صبرى و شاتيلا 100 ألف في يوم واحد كان يومها شارون هو القائد المشرف على العملية.. إلى آخره من الإبادة الجماعية، أقول لهدا الكاتب ألم تقرأ التاريخ أم أنك تتعامى أم ماذا

خليل محمد
المعلق(ة)
الرد على  بدر
17 ديسمبر 2020 10:50

.
أقول لعصيد أنا لا يهمني لا زيد ولا عمر أنا بكل بساطة استمع كلام الله عز و جل في التنزيل عن اليهود….و إن كان صاحب المقال غير مسلم مثله مثل اليهود و النصارى و المعادين للإسلام فهذا شأنه و لن يقنعني بعكس ما قاله عز و جل في كتابه و ما جاء في حديث رسوله صلى الله عليه وسلم.

.

محمد
المعلق(ة)
الرد على  حمو
17 ديسمبر 2020 08:42

نشكرك اخي المحترم احمد عصيد قليل من يفهم اولايريد ان يفهم اغلب المجتمع لا يفكر بعقله وانما بعواطفه العقاءدية والدينية نحترمك اخي ونقدرك كما نؤيدك في جميع خطواتك
وشكرا
محمد القج.

بدر
المعلق(ة)
16 ديسمبر 2020 22:54

عصيد كلب من كلاب إسرائيل وخاىن ومنافق أسأل الله أن يسود وجهه وأن ينتقم منه ومن أمثاله

محمد
المعلق(ة)
الرد على  مهاجر مغربي
16 ديسمبر 2020 20:17

في الصميم كلام لذوي الألباب

Brahim
المعلق(ة)
16 ديسمبر 2020 11:08

يا استاذ عصيد انتم أول من طبع مع إسراءيل ووقعتم اتفاق أسلو في غيابنا . انتم تتعاملون مع إسراءيل علنا وتساهمون في اقتصادها وتعترفون بمنظوماتهاوتتعاملون بعملتهم وتلجؤون الى مرافقهم . أخي الكريم لقد فوتم فرصا كثيرة .
نحن لم نمس بالمقداسات الفلسطينية ونؤمن بحق الشعب الفلسطيني في طنه.
أما عن شؤوننا الداخلية بالمغرب فهاذا يتجاوز حدود معرفتك.

كريم
المعلق(ة)
16 ديسمبر 2020 10:08

تركيا دولة قوية على المستوى الجيوسياسي والاقتصادي والتكنولوجي تدافع عن مصالحها بكل قوة.

براد مهند
المعلق(ة)
16 ديسمبر 2020 09:37

رائع
👍👍👍

محمد
المعلق(ة)
16 ديسمبر 2020 08:11

تحليل منطقي. هكدا الفناك استاد عصيد. نور العقول الغارقة في النوم.

مهاجر مغربي
المعلق(ة)
16 ديسمبر 2020 04:24

وأنا استمع لفيديو نشره الأخ عبد الباري عطوان هذا اليوم كنت اطرح تقريبًا نفس التساولات الذي يطرحها احمد عصيد ،الا ان هذا الاخير اجاب عنها باقتضاب ليعطي درسا لكل هؤلاء…
كما عودنا الاخ عصيد عندما يخرج للقنص فما عليك الا انتظار الطرائد. وبالمناسبة لا انصح بمحاولة قرائة مقالاته لاصحاب القلوب الرهيفة والعواطف الجياشة.

حمو
المعلق(ة)
15 ديسمبر 2020 23:37

شكرا استاذ عصيد على مقالكم القيم.
فعلا هناك من يريد إثارة الفتنة والابتزاز.
الشعب داها فهمومو ومشاغلو والبعض يتحدث باسمه

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

12
0
أضف تعليقكx
()
x