لماذا وإلى أين ؟

لعروسي: تصريحات العثماني حول سبتة ومليلية هدفها التأثير على موقف إسبانيا من قضية الصحراء (حوار)

أثارت التصريحات التي أدلى بها رئيس الحكومة؛ سعد الدين العثماني، بكون قضية سبتة ومليلية توجد في نفس مرتبة قضية الصحراء المغربية، وأن المغرب سيتفرغ لملف الثغرين بعد الإنتهاء من قضية أقاليمه الجنوبية، (أثارت) حفيظة الحكومة الاسبانية، التي سارعت إلى استدعاء سفيرة المغرب هناك، من أجل تقديم توضيحات حول ما تلفظ به العثماني.

تصريحات العثماني، تطرح أكثر من علامة استفهام، خاصة في هذه الظرفية التي تشهد زيارة وفد إسرائيلي أمريكي مشترك للمغرب، تفعيلا لقرار استئناف العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل. وبعد القرار الأمريكي الجديد من قضية الصحراء، الذي قابلته إسبانيا بالدعوة إلى الإستمرار في المفاوضات السياسية التي تشرف عليها منظمة الأمم المتحدة.

في هذا الإطار، اعتبر أستاذ العلاقات الدولية؛ الدكنور عصام لعروسي، في حوار له مع “آشكاين”، أن تصريحات رئيس الحكومة “قد تكون بايعاز من السلطة السياسية العليا في البلاد، التي أعطته الضوء الأخضر لاستخدام ورقة المدينتين المحتلتين سبتة ومليلية، قصد التأثير على الموقف الاسباني السلبي بخصوص قضية الصحراء المغربية، مشددا على أن “هدف تصريح العثماني، هو دفع إسبانيا لمراجعة موقفها من قضية الصحراء المغربية، عبر المطالبة بسبتة ومليلية”. وفق المتحدث.

وهذا نص الحوار:

كيف ترى تصريحات العثماني بخصوص سبتة مليلية خلال هذه الفترة؟

تصريحات رئيس الحكومة؛ سعد الدين العثماني، تحتمل أكثر من تأويل أو قراءة، فتجربة الرجل كوزير الخارجية سنة 2012، وعدم تدخله في العديد من الملفات الخارجية، وخاصة العلاقات مع الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة الامريكية، وفشله في بعض الملفات الخاصة بالمنطقة العربية، جعله أكثر حرصا بصفته الحالية كرئيس للحكومة، بعدم التدخل في المجال المحفوظ للمؤسسة الملكية؛ وهو مجال السياسة الخارجية.

هذه الخرجة الإعلامية بصفته الرسمية، وبما يتحمله من مسؤولية رئاسة الحكومة، قد تكون بايعاز من السلطة السياسية العليا في البلاد، التي أعطته الضوء الأخضر لاستخدام ورقة المدينتين المحتلتين سبتة ومليلية، قصد التأثير على الموقف الاسباني السلبي بخصوص قضية الصحراء المغربية، ومواجهة التصعيد الاسباني بمطالبة الأمم المتحدة والرئيس ترامب بالتراجع عن الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء، وبالتالي يكون الهدف من تصريح العثماني، دفع إسبانيا لمراجعة موقفها، ورفع سقف المطالب عاليا بالمطالبة باسترجاع المدينتين السليبتين.

أما إذا كان العثماني قد تصرف من منطلق كونه رئيسا لحزب سياسي، يقود الأغلبية فإن الامر هنا يتحول إلى موقف حزبي؛ وليس رسمي، وقد يدرج ضمن الأخطاء الدبلوماسية القاتلة، حيث أن منطق العلاقات الدبلوماسية يفترض الكثير من الرزانة والروية والتأني في التصريحات، التي تتحول سريعا إلى تصعيد ممنهج وتأزيم للعلاقات، وهذا ما يحصل حاليا مع اسبانيا.

فالعلاقات بين البلدين وصلت إلى المعادلة الصفرية، بعد تأجيل زيارة كانت مرتقبة لوفد اسباني برئاسة رئيس الحكومة الاسباني؛ بيدرو سانشيز. وقد سجلنا مؤخرا العديد من التصريحات لقيادات حزب العدالة والتنمية الرافضة للتطبيع مع إسرائيل، رغم مشاركة الحزب في الحكومة، كما أن الجناح الدعوي حركة التوحيد والإصلاح أصدر بيانا يشجب فيه التطبيع والتقارب مع الدولة العبرية، وكان الحزب يعبر عن ازدواجية انتهازية غير مبررة بالتزام الصمت من جهة، من قبل العناصر المشاركة في المؤسسات الدستورية، وتحريك عناصر الحزب والدراع الدعوي ضد التطبيع لضمان الشعبية والسمعة على بعد مدة بسيطة على الانتخابات.

طيب، وهل هناك خلفيات أخرى للتصعيد الإسباني؟

بطبيعة الحال تظل إسبانيا متوجسة من المغرب، بل حتى أن الاعلام الاسباني يردد العديد من المغالطات، من قبيل أن الصحراء المغربية أعطيت للمغرب كهبة أو أعطية، في حين أن اسبانيا كانت تحتل الصحراء باعتبارها قوة استعمارية. رغم تغير الواقع الدولي ما تزال الحكومات الاسبانية؛ وخاصة اليمينية منها، تفكر في المغرب بمنطق استعماري متخلف، وتكره أن ترى المغرب منصة الضفة الجنوبية قاطرة للتنمية والتقدم.

في الحقيقة تملك إسبانيا العديد من مفاتيح الحل للصحراء المغربية، غير أنها وقفت أكثر من مرة ضد المصالح المغربية في قضية الصحراء، وخاصة احتكارها للوائح وسجلات القبائل التي يجوز لها المشاركة في الاستفتاء، كما أنها تقع في تناقض حينما تمنع استقلال اقليم كاطالونيا؛ وتحرض البوليساريو ومن يدور في فلكها إلى تأسيس دويلة مجهرية، ليس لها وجود إلا في مخيلة الدول الواهمة واليائسة والعقلية الاستعمارية المريضة.

التصعيد الاسباني من خلال استدعاء السفيرة المغربية، واستفسارها عن تصريح العثماني؛ الذي يعارض حسب منطقها السيادة على المدينتين المحتلتين، منذ ما يقارب ستة قرون، هو تعبير عن مدى تأزم العلاقات بين البلدين، وعن رفض اسبانيا الاعتراف الامريكي بمغربية الصحراء.

مقاطعا .. يعني أن للموقف الامريكي الجديد من قضية الصحراء دور في هذا التصعيد؟

طبعا، يجب أن نرى الموضوع في سياقه الجيوسياسي والتحولات التي تشهدها المنطقة. فرجوع الولايات المتحدة الأمريكية إلى المنطقة؛ تسحب بذلك البساط من تحت أرجل إسبانيا باعتبارها المستعمر السابق للمنطقة، وفرنسا كذلك، وبالتالي فالقرار الأمريكي بخصوص الصحراء تسبب في استياء كبير وخيبة أمل لدى الجارة إسبانيا، لأن هناك خلط للحسابات. فمنطقة الصحراء تتجه اليوم نحو التنمية، بدل الجلوس في قاعة الانتظار، وهذا ما ترفضه إسبانيا.

البعض يعتبر أن تصريحات العثماني وسيلة للضغط على اسبانيا من أجل الحذو حذو امريكا، ما تعليقك؟

قد تكون تصريحات العثماني مناورة وتكتيك استراتيجي، أو أكثر من هذا؛ تعبير عن استياء المغرب من الموقف الاسباني المعادي للوحدة الترابية، لكن من الرومانسية السياسية والدبلوماسية التفكير أن الموقف الاسباني قد يتغير بين عشية وضحاها، وخاصة في زمن الحكومة الائتلافية الحالية المشكلة من أحزاب يمينية، لا تترد في التعبير عن تأييدها للبوليساريو كما نحتضن العديد من قياداتها في اسبانيا.

ما يمكن أن يراهن عليه المغرب، هو الاجماع الدولي على تقزيم الدولة الوهمية ومعها الجزائر، خاصة بعد الاعتراف الامريكي بمغربية الصحراء، مما يضعف من الموقف الدبلوماسي الاسباني الباهت والمتناقض بين أطروحتين، واحدة تؤمن ببناء المنطقة عبر ضمان الامن والسلم والتنمية الاقتصادية، وأطروحة قديمة ومتهالكة تدخل المنطقة في دوامة الفوضى والاضطراب وتبعثر الاوراق الجيوسياسية في المنطقة.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x