لماذا وإلى أين ؟

الفاتحي: الاستقبال الباهت للوفد الإسرائيلي يعكس مراعاة مشاعر المغاربة المتعاطفين مع فلسطين(حوار)

أثار الاستقبال “الباهت” الذي لقيه الوفد الإسرائيلي الأمريكي عند حلوله بمطار سلا الرباط، لتوقيع اتفاقية ثلاثية بين المغرب وأمريكا وإسرائيل، تساؤلات عدة حول الدلالات الرمزية والسياسية والاعتبارية التي يمكن أن يستشفها الملاحظ العادي والقادة والمحللون السياسيون، من خلال هذا البروتوكول الذي خالف المتعارف عليه في استقبال المغرب للوفود “رفيعة المستوى”.

وأوضح مدير مركز الصحراء وإفريقيا للدراسات الاستراتيجية، المحلل السياسي عبد الفتاح الفاتحي، في حوار أجرته معه “آشكاين”، مجمل الدلالات التي يخفيها البروتوكول “المتدني المستوى” الذي تم به استقبال الوفد الأمريكي الإسرائيلي، معتبرا أن هذا الاستقبال بهذه الطريقة جاء ليعطي لهذه الاتفاقيات المبرمة حجمها الطبيعي، وأنها لا تتجاوز حدودها الإدارية بعودة استئناف العلاقات كسابق عهدها، وأنها لا تصل إلى تطبيع كامل في العلاقات المغربية الإسرائيلية.

وفي ما يلي نص الحوار:

ما هي دلالات بروتكول استقبال الوفد الأمريكي الإسرائيلي بمطار سلا الرباط؟ خاصة وأن من استقبلهم مسؤول أمني صغير ووالي الجهة ورئيسها.

المشكل بالنسبة للدولة، هو أنها تدخل في تجربة جديدة ترى فيها أنه وجب ابتداع طرق جديدة للتواصل مع عدو عربي هو إسرائيل، وأن هذا التعاطي هو بالنسبة للعقيدة السياسية للمملكة المغربية من شأنه أن يعزز علاقات التواصل، وييسر إمكانية الوصول إلى حل سياسي إلى النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، بحكم الدور الذي كان يقوم به الملوك العلويين في محاولة لحل قضية نزاع فلسطين.

لذلك فإن الإكراه أو الاعتبارات الواردة، هي دخول المغرب في علاقات دبلوماسية، وحتى اقتصادية وتجارية وتعزيز قنوات الاتصال، وكذلك خلق أجواء الثقة مع طرف إسرائيلي، لكل هذه الاعتبارات كان الاستقبال بتلك الطريقة وبذلك المستوى المنخفض، وهو ما لاحظنها في مدرج الطائرة.

دلالات هذا الأمر، هو أن هناك إشكال كذلك بالنسبة للدولة المغربية، وهو أن هناك احتقانا شعبي، يعود إلى قضايا تتعلق مثلا بالقومية، وبحالة غضب المغاربة من القمع والعنف الذي تقوم به القوات الإسرائيلية في حق الفلسطينيين المطالبين بتقرير مصيرهم، وفقا لقرارات الأمم المتحدة.

لذلك فهذا الاستقبال فيه محاول للدولة على إقامة التوازن، لذلك فهي لم تقم بتأثيث الاستقبال أو بإقامة احتفالات موازية لهذا الاستقبال، مراعاة لمشاعر القومية المغربية المتعاطفة مع القضية الفلسطينية، وخاصة مشاعرهم حيال القمع الذي تقوم به إسرائيل في حق الشعب الفلسطيني ومناضليه. وهو ما يفسر انخفاض مستوى الاستقبال والتقليل من مظاهر الاحتفالية في استقبال الوفد الإسرائيلي الأمريكي.

وما هي قراءتكم لاستقبال الملك لهذا الوفد في مكتبه وليس في القاعة الشرفية للقصر؟

بصفة عامة، نتحدث على أن مظاهر الاستقبال أو الاحتفالية، سواء في استقبال الوفد الإسرائيلي الأمريكي عند وصوله للمطار، أو سواء في استقبالهم في مكتب جلالة الملك محمد السادس، ليكون التعامل تعاملا براغماتيا، وتعامل بمصالح اقتصادية وسياسية، ولا يتجاوز المظهر إلى الإيمان بأسلوب إسرائيل في التعاطي مع القضية الفلسطينية أو مع الشعب الفلسطيني بصفة عامة.

لأن هناك عدم إيلاء هذا الطرف صبغة سياسية متوازنة مع ما تعتقد به المملكة المغربية، من إيمان بقضايا حقوق الإنسان، وبقضايا احترام الشعوب الأخرى، خاصة الشعب الفلسطيني، لذلك فهذا المستوى المتدني للاستقبال يعكس مراعاة العمق المشاعري للشعب المغربي، الذي ينظر إلى إسرائيل بأنها دولة تقمع الحريات وتتجاوز القانون الدولي وتغتصب الأراضي الفلسطينية.

لذلك نرى انعكاس ما ذكرناه على مستوى الاستقبال، والذي كان مولائما لطبيعة العلاقات المنجزة مع إسرائيل، وأنها علاقات لا تتجاوز حدود المتفق عليه في إطار علاقة تعاون تراعي فقط المواطنين المغاربة الذين ينتمون إلى الطائفة اليهودية، وربما هذا الذي تحاول المملكة المغربية التركيز عليه أساسا، لأن البارز في طبيعة المشاريع وطبيعة علاقة التعاون مع إسائيل، هو تيسير تواصل الجالية المغربية بوطنهم الأم، حتى أن العلاقات الاقتصادية ستتركز بالأساس على ما يحمله المواطنون المغاربة اليهود إلى المغرب؛ في إطار حقهم المشروع كمواطنين مغاربة، كإقامة مشاريع استثمارية وثقافية وغيرها.

ما هي الرسائل الممكن استنباطها من خلال هذا البروتوكول؟

من جملة الرسائل، نجد التأكيد على أن ما تم يتعلق باستئناف علاقات دبلوماسية المحتم فيها هو أن هناك شراكة لا يمكن تجاوزها لجالية مغربية تصل إلى قرابة مليون ونصف، وباعتمادهم دستور 2011 الذي يضمن حقوق وكرامة المواطنين، والذي يعتبر أن المكون اليهودي مكون أساسي في إطار الثقافة المغربية، وأن هذه المشاريع أو هذه الاتفاقيات، لا تتعدى حدود الاستجابة لحاجيات المواطنين اليهود الذين يقيمون في إسرائيل، والذين يضمن لهم الدستور المغربي حقهم في العودة إلى الوطن متى شاؤوا، وهو ما يلزِم الدول الأم أن تيسر لهم التواصل مع وطنهم الأم اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا.

وكذلك التأكيد مرة أخرى،  على أن استئناف العلاقات الدبلوماسية هو تطبيع بالمعنى الكامل، أو أن هناك اعتراف بما تقوم به إسرائيل من ممارسات وسلوكات فيها قمع واغتصاب واحتلال للأرضي الفلسطينية، وأعتقد أن هذا هو مبعث الرسالة التي بعث بها جلالة الملك إلى الرئيس الفلسطيني، عقب اختتام لقائه مع هذا الوفد الإسرائيلي الأمريكي، والذي يطمئن من خلاها القادة الفلسطينيين  بأن مواقف المغرب ثابتة في ما يخص القضية الفلسطينية، وأن الأمر يكاد يكون إداريا يتعلق بعودة العلاقات الدبلوماسية أكثر من أن يكون علاقة تعاونية كدولة لدولة، طالما ان إسرائيل لا تحترم القرارات الأممية المتعلقة بمنح الشعب الفلسطيني في إقامة دولة مستقلة عاصمته القدس.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x