لماذا وإلى أين ؟

المكون اليهودي في الهُوية المغربية..تاريخ تجدد بعد تغييب

يشهد المغرب في الآونة الأخيرة تسريع استئناف العلاقات مع إسرائيل، الشيء الذي سلط الضوء بشكل أكبر على الجالية المغربية داخل إسرائيل، والطائفة اليهودية في المغرب، ومدى حضور الثقافة اليهودية في الهُوية المغربية، ومميزاتها، خاصة عقب الحديث عن المبادرات المتتالية لإحياء تراث وثقافة اليهود في مناهج التعليم، بعد تدشين “بيت الذاكرة” اليهودية بمدينة الصويرة، الذي تم إقامته عبر ترميم معبد يهودي قديم.

وفي هذا السياق، يقول نور الدين بلح الداد، أستاذ تاريخ المغرب المعاصر بجامعة محمد الخامس بالرباط، إن “الحضور اليهودي في المشهد الثقافي بالمملكة المغربية له تأصيل تاريخي على عدة قرون، فهو لا يتجرأ من المشهد الثقافي العام للدولة المغربية منذ عدة قرون”، مشيرا “لا نتحدث عن القرن العشرين أو الواحد والعشرين بالضبط، ولكن نتحدث عن السادس عشر والرابع عشر والثالث عشر للمغرب، وخاصة في الأقاليم الجنوبية حيث كان هناك حضور قوي بحكم الحرف المهنية، والاحتكاك بالقوافل التجارية التي لعب فيها المكون اليهودي المغربي دور الوساطة في نقل البضائع”.

اليهود الأمازيغ بالمغرب.. 'التاريخ المُغيب' | Maghrebvoices

وأردف أستاذ تاريخ المغرب المعاصر، في حديثه مع “آشكاين” مؤكدا أن “المجتمع المغربي كان عبارة عن فسيفساء أو خليط من الثقافات كالزنجية والعربية والإفريقية والأندلسية والبربرية والإسلامية، بالإضافة إلى الجاليات الأجنبية التي استقرت بالمغرب على عدة قرون”.

الحمولة الثقافية للمكون اليهودي في المغرب

وأضاف نور الدين، أنه “انطلاقا من الدور التجاري كانت هناك الحمولة الثقافية التي تأثرت وأثرت في المجتمع المغربي، فكانت هناك عدة محطات ثقافية لعبت فيها العديد من الأسر اليهودية أدوار ثقافية، بل اندمجوا في الثقافة العربية الإسلامية من خلال العديد من المحطات، وبرزت في هذا السياق أسماء وازنة أصلها من الجالية اليهودية المغربية”.

في سابقة من نوعها...المغرب سيشرع في تدريس الثقافة اليهودية المغربية في المدارس

“الآن ما زال هذا الحضور يعبر عنه الجيل الثالث والرابع من الجالية المغربية اليهودية في العديد من دول العالم”، يزيد المتحدث نفسه، مشيرا “رغم ذلك البعد الجغرافي إلا أنه لازال العديد من أبناء هذه الجالية  يحملون في دواخلهم روافد ذلك التمازج العربي الإسلامي المغربي، انطلاقا من هويتهم المغربية، ومن تواجدهم في الأرض المغربية من قبيل الصويرة وسوس ووزان وشمال وجنوب المغرب”، مضيفا “كذلك في الأقاليم الصحراوية كنا نلاحظ وجود عدد من الأسر اليهودية المغربية التي لعبت أدوار طلائعية في نقل الثقافة العربية الإسلامية، ونقل الثقافة اليهودية المغربية إلى العديد من الدول الإفريقية في القرن السابع عشر والثامن عشر والتاسع عشر”.

تعايش وسلم

وأكد الأستاذ ذاته، أن “الجالية اليهودية المغربية في القديم، في الأصل تعايشت مع قيم السلم والمسالمة، وتعايشت مع الثقافة الإسلامية في الجوار، ومع المعاملات التجارية، حيث إن العديد من السلاطين المغاربة اتخذوهم وكلاء تجاريين لأمانتهم وصدقهم، فهذا المكون الثقافي اليهودي ظل راسخا بين الآباء والأجداد”، راميا أنه “يجب التذكير الآن أن أكثر من ثلث وزارة ناتنياهو من أصل مغربي، إذا لا شك في أن هذا المكون المغربي سوف يكون له تأثير قوي، ورسالة قوية في نقل قيم التسامح والتعايش ونبذ العنف والأحقاد”.

وعن مميزات الثقافة اليهودية، يقول أستاذ التاريخ المغربي المعاصر “هذه الثقافة اليهودية لها ارتباط بالحياة المعاشة، حيث أنهم في هذه الثقافة يحملون العديد من الرواسب من كل المناطق التي زاروها من كل بقاع الكرة الأرضية، قبل أن يستقر بهم المطاف في المغرب، حاملين معهم فكر الروافد سواء القديمة التي كانت لديهم انطلاقا من إفريقيا أو الشرق الأوسط أو أروبا، لكنهم كانوا يحملون معهم هذه الجالية اليهودية المغربية”.

تعزيز ثقافة الجالية المغربية اليهودية

أما بخصوص التسريع في استئناف العلاقات بين المغرب وإسرائيل، يؤكد نور الدين “حاليا سوف يعمل المغرب بشكل كبير على تعزيز ثقافة الجالية المغربية اليهودية، لسبب بسيط ولكنه جوهري، هو أنه داخل إسرائيل نتوفر على أكثر من مليون مواطن اسرائيلي من أصل مغربي، هذا له دور كبير في التأثير داخل المجتمع الاسرائيلي، ثم كذلك سوف يكونوا لسان حال المغاربة في نقل قيم التسامح، والتعايش والسلم، مثل ما عاش آبائهم وأسلافهم في كنف الدولة العلوية”.

الحفاظ على الثقافة المغربية والخبرة اليهوديّة | MEO

ويردف “نلاحظ أن هذه الجالية لازالت تحتفظ في منظورها الثقافي والاجتماعي والاقتصادي والديني، بالعديد من البطولات التي أبان عليها عدد من سلاطين المغرب، ويكفي الذكر هنا بما قام به السلطان سيدي محمد بن عبد الله، حين خصص لهم مكانا خاصة وحماهم في مدينة الصويرة، وجعلهم من الفضلاء ومن المقربين من السلطة، ووكلاء تجاريين للمخزن المغربي الشريف، كذلك الحال مع السلطان مولاي الحسن الأول الذي اعتنى بهذه الطائفة وخصص لها مكانة تليق بصورتها، وحاول البحث عن السبل المضاعفة للتعايش مع المجتمع المغربي، كذلك المواقف الشجاعة التي أبان عليها كل من الملكين الراحلين محمد الخامس والحسن الثاني في التعامل مع الطائفة اليهودية بالمغرب، والعطف والحنو الذي يخصص به الآن الملك محمد السادس لليهود المغاربة في ارتباطهم مع المغرب”.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x