لماذا وإلى أين ؟

الفاتحي: تبرئة “رموز الفساد” بالجزائر هدفها بعث النظام القديم من رماده (حوار)

تؤشر الأحداث السياسية الأخيرة التي تعرفها الجزائر، على مقاومة شرسة يبديها النظام القديم، بعدما تمت تبرئة سعيد بوتفليقة شقيق الرئيس المخلوع عبد العزيز بوتفليقة، من تهمة التآمر على الجيش والدولة، وما رافقه من عفو عن كبار قادة النظام العسكري القديم، بإسقاط تهم ثقيلة عن قائدي المخابرات السابقين الجنرالين توفيق وبشير طرطاق.

وتأتي هذه الأحداث بالموازاة مع عودة الجنرال المعروف بدمويته خالد نزار، والذي أسقطت في حقه أيضا مذكرات بحث دولية بعد عودته للجزائر، وهو ما يوحي على أن العسكر الجزائري يحاول بعث نظام بوتفليقة من جديد.

ولمعرفة خلفيات هذه الأحداث  المتوالية، والرسائل الخفية التي تحملها للداخل الجزائري وخارجه، تستضيف “آشكاين” الخبير والمحلل السياسي، ومدير مركز الصحراء وإفريقيا للدراسات الاستراتيجية، عبد الفتاح الفاتحي، في حوار لتوضيح دلالات  “صكوك البراءة” التي توزع على قادة النظام القديم، وما يشكله ذلك من محاولة لعودة قوية لهذا النظام، مع اعتباره وجود الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون “نسخة طبق الأصل” للمخلوع عبد العزيز بوتفليقة، ملوحا بـعودة قوية للحراك الجزائري الذي جمده الحجر الصحي.

بداية ..ما قراءتكم  لإسقاط تهمة “التآمر على الجيش والدولة” وتبرئة سعيد بوتفليقة شقيق الرئيس الجزائري المخلوع؟

بنية نظام العسكر متماسكة وتتبع تطورات الأحداث، وكان لا بد لها أن تقد ضحايا خاصة مع حراك الجزائر في محاولة لكبحه، وأعتقد أنه كان لا بد للنظام العسكري أن يقوم بانحناءة ما أمام عاصفة الحراك، إلى أن تنضج الأمور وتهدأ ويتم ترتيب الأوراق من جديد، ولن يكون سوى مشروع استبدادي، سيما أن الحراك مجمد لاعتبارات تتعلق بالحجر الصحي.

لذلك أعتقد أن المحاكمة، وما يسمى الإقامة الجبرية لعبد العزيز بوتفليقية الفاقد لأي قوة، والمحاكمات الصورية التي تمت، والتي هي عبارة عن مسرحية، هي انحناءة أمام الحراك الجزائري حتى تهدأ الأمور. وعودة عبد المجيد تبون من ألمانيا، والذي لا يخرج من دائرة النظام العسكري، هي بمثابة دعوة للجميع لمساعدة هذا الرجل المريض. لذلك فالجزائر في ظل الإكراهات التي تعيشها، في حاجة إلى يد من حديد، وبالتالي ستكون الشدة والبأس التي تتميز بها الجزائر كوسيلة من وسائل الإخضاع. وبهذا يمكننا أن نرى فصولا من الصراع في المستقبل.

ونحن نقرأ مؤشرات اليوم، فإن هذه العودة لتبون، وهذه المحاكمات، بدأت مع أخبار تداولت البارحة، تقول إن جنديا جزائريا سقط في عملية لمكافحة الإرهاب؛ فإخراج العسكر الجزائري لورقة الإرهاب من جديد ومحاربته للإرهاب، فهي إبراز للقوة العسكرية وللقوة الرادعة، وهي رسالة موجهة للداخل الجزائري بالأساس.

وما تحدث عنه صبري بوقادم على أن القوة العسكرية الجزائرية جاهزة، وأنها كانت قد واجهت المستعمر الإسباني والفرنسي، وهي أقوى من أن تمنع أي أحد بأن يتحدث بسوء عن الجزائر، وهذا الخطاب الغاية منه توجيه رسالة إلى الداخل الجزائري أكثر منه للخارج.

لأن الجزائر تتوقع، بعد لقاح كورونا ورفع الحجر الصحي، عودة قوية للحراك، ولكنه سيكون بنفس قبلي، كأمازيغ القبايل في عدد كبير من الولايات التي تتحدث عن نفس مستقل وعن الحكم الذاتي وتوجيه انتقادات كثيرة للسلطة المركزية، وهذا الأمر لا تستطيع الحكومة الجزائرية أو النظام العسكري مكافحته إلا بالقوة وبالضرب بيد من حديد.

هذا العفو عن شقيق بوتفليقة رافقه عفو آخر عن قائدَي المخابرات السابقين الجنرالين توفيق وبشير طرطاق، ما هي الرسائل المبطنة من خلال هذا الأحكام؟ خاصة أنها جاءت بعد عودة الجنرال الجزائري المعروف بدمويته خالد نزار وإسقاط مذكرات البحث الدولية في حقه.

هذا المنح لصك البراءة محاولة للتأكيد على نظافة هذا الجهاز، والتأكيد على إسقاط ما كان يُتَحدث عنه من تهم “عصابة الفساد”، وبالتالي عودة النظام العسكري نظيفا نقيا إلى الواجهة السياسية من جديد. فمسألة البراءة لا تخلو من تزكية للنظام العسكري، لإعادة مواصلة مهامه بالطريقة التي كانت من قبل.

ونحن نتحدث الآن عن تتويج لرموز الفساد الجزائري ليعودوا للواجهة بقوة وباعترافات وراءهم، وببياض يدهم على الشعب الجزائري، لذلك أعتقد أن نظام بوتفليقة سيستمر كما كان عليه الحال مع عبد العزيز بوتفليقة، وليس هناك تغييرات ولو نسبية في النظام الحاكم في الجزائر.

ويمكننا القول أن تبون سيكون نسخة طبق الأصل لعبد العزيز بوتفليقة، وأن سعيد بوتفليقة هو الحاكم الفعلي للجزائر، ويمكنه أن يلعب دورا سياسيا قويا في واجهة الحكم في المستقبل؛ إذ أنه مع عودته يتحدث عن وجوده مع أخيه المخلوع في الإقامة الجبرية، وأن القضاء أنصفهم، وأن هذا لا يعطي مبررا لوجودهم في الإقامة الجبرية، وأنه ينتظر أن تقام احتفالات تقديرا لعبد العزيز بوتفليقة

هل يمكن اعتبار هذه الأحداث بمثابة إعادة بعث لنظام بوتفليقة من تحت الرماد؟

بكل تأكيد، لأن هناك مؤشرات جديدة على أن النظام الجزائري الذي بقي ماسكا بالحكم، خاصة رجالات القايد صالح، لا زالوا يأتمرون بما سمي “رموز الفساد” أو عصابة الفساد، وأن الأمر كان يتعلق بانحناءة أمام العاصفة وأنه آن الأوان لعودتهم إلى الجزائر بل ومنحهم صك الاعتراف بمصداقيتهم وصدقيتهم وببراءتهم كما يحصل الآن.

والأمر يتعلق بكل الجنرالات بمن فيهم خالد نزار، وهذا يؤكد على أن النظام العسكري مازال متماسكا ومؤسسا بتراتبية هيكلية مستمرة، سواء في أداء الحكم أو في خارجه، وأنه اليوم سيُبعَثُ من جديد لمواصلة الحكم لما بعد عبد العزيز بوتفليقة على الاتجاه الذي تركه.

وأعتقد أن حتى الأحداث الإقليمية الموجودة وما يترتب عنها من خطابات سياسية في الآلة الإعلامية والدعائية للجزائر، كالحديث عن ما سمي بأمجاد الثورة الجزائرية، والحديث عن أحداث الجزائر التاريخية، وهو ما يعتقد جنرالات العسكر أنه من صنيعتهم، وأن كل ما هو عسكري هو الذي صنع أمجاد الثورة، وأن العسكريين يحافظون عليها، وبالتالي لا بد من استعادة هؤلاء الرموز لأنهم الأقدر على مواجهة النهج التقليدي القديم.

اليوم هناك صراع بين الحديث والقديم وأعتقد أن القديم لا زال قويا في الجزائر ويستعيد عمله، وسنشهد فصولا من الصراع فيما بين الحراك وما بين العسكر في المستقبل، لأنه بدا عدم وجود أي تغيير، وأن الحراك لا بد أن ينطلق من جديد.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x