لماذا وإلى أين ؟

الشيّات يكشف آثار الربط القاري بين أوروبا والمغرب على ملف سبتة ومليلية (حورا)

تتزايد مخاوف الجارة الإسبانية من الوزن الدبلوماسي الدولي الذي أصبح يشكله المغرب خاصة بعد توجه أنظار كبريات القوى العالمية إلى التفاوض الاقتصادي معه، وهو ما يهدد المصالح الاقتصادية والسياسية والإستراتيجية للجارة الشمالية مع المغرب، وسط ارتفاع مخاوف الداخل الإسباني من تكسر قشة أمل إنجاز مشروع الربط القاري من خلال المغرب، على صخرة المشروع البريطاني عبر مضيق جبل طارق.

ولاستجلاء الخلفيات المعقدة لهذا الموضوع، تستضيف “آشكاين” المحلل السياسي والخبير في العلاقات الدولية خالد الشيّات، للحديث عن أسباب إثارة هذه المواضيع في هذه الظرفية بالضبط، والتي شهد فيها العالم مجموعة من الأحداث الكبرى، أهمها البريكست الذي خرجت بموجبه بريطانيا رسميا من الاتحاد الأوروبي، والاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء.

وفي ما يلي نص الحوار:

بداية..كيف تقرؤون إعادة إحياء مشروع الربط القاري بين إسبانيا والمغرب؟

عموما الربط القاري بين المغرب وإسبانيا كان مطروحا منذ زمن قديم، وهو من المشاريع المتعددة بينمها، ولكن لم يصل الأمر إلى مستوى التنفيذ والتطبيق الفعلي، ربما لوجود صعوبات ذات طبيعة تقنية، وربما لتكلفته العالية، أو حتى لوجود تخوفات من الناحية الأمنية أو الإستراتيجية من الجانب الإسباني وأوربا عموما بأن تمُد هذا الجسر إلى القارة الإفريقية.

فإذا كان الحديث عن مدى جدية هذا الأمر، يبدو أنه يدخل في نسق يرتبط فيه بالظرفية أكثر من ارتباطه بالواقع، لأنه بالعودة إلى ما تم بين المغرب وإسبانيا لم يتم إنجاز هذا الربط لا على مستوى الجسر ولا على مستوى إقامة نفق كما هو الحال بين فرنسا وبريطانيا في القارة الأوربية.

والظرفية الآن مع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي، ومع التشنج الذي أبدته إسبانيا من موقف الولايات المتحدة الأمريكية من الصحراء المغربية، وهذا يعطي نوعا من التباعد أكثر والجفاء بين الدولتين.

وتحول المغرب نحو بريطانيا عبر جبل طارق، قد يكون له أهداف آنية، بمعنى أنه في حالة أغلقت إسبانيا هذا الباب، فيمكن القول أن هناك أبوابا أخرى سيطرقها المغرب فيما يتعلق بهذه المسألة، وهو ما سيحول الكثير من الأمور الاقتصادية والإستراتيجية والتأثير حتى على المستوى الثقافي.

بمعنى أنه لو تحول المغرب إلى بريطانيا، فهذا يعني أنه يضع يده في يد بريطانيا التي تعتبرها إسبانيا مستعمرة لهذه المنطقة ويجب تحريرها، وهذا أمر سيؤثر على العلاقات المغربية أكثر مع إسبانيا.

ثم إن هذا سيحول مجموعة من المزايا الاقتصادية التي تمر عن طريق الخط البحري مع إسبانيا، وهذا سيكون لصالح بريطانيا، وسيعطي نفسا جديدا لها في استمرارها في التواجد على هذه الجزيرة، وبما أن المعطيات تشير إلى وجود أزمة اقتصادية.

وأعتقد أن المغرب ليس له ما يخسر، سواء أن يقيم جسرا مع إسبانيا أو بريطانيا، فهذا أمر يحتاج فقط إلى دراسة كل التحولات والتبعات الإستراتيجية والقانونية والسياسية وما إلى ذالك، لأن هذا نوع من الاعتراف، فهذه منطقة بريطانية، ولن يكون ذلك في صالح المغرب، ربما من ناحية مطالبته بسبتة ومليلية.

إذن هناك أشياء كبيرة يجب أن تحسب في كل هذا النسق المتداخل جدا في هذا الموضوع، فهو ليس فقط موضوع ذو طبيعة تقية ينتهي بالربط هنا وهناك، ولكنه أمر ينفتح على مواضيع كثيرة جدا.

كيف يمكن أن يؤثر كل من  “البريكست” والاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء في تسريع هذا المشروع وإنجازه على أرض الواقع؟

خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يعفيها من أي تنسيق على كل المستويات، السياسية، الاقتصادية وغيرها. إذ أصبح الحديث الآن مع دولة واحدة، وليس مع مجموعة اقتصادية كما هو الحال بالنسبة لإسبانيا أو بالنسبة للاتحاد الأوربي. إذن فهذا الأمر يبسّط المسألة وسجعلها في هذا المستوى.

وأقول على أن بريطانيا إذا كانت تريد أن ترتبط بالمغرب من الناحية التجارية والاقتصادية، يجيب أن تفكر جديا في هذا الموضوع من باب التنافسية، إذ أصبح مجالات التنافس بين بريطانيا والاتحاد الأوربي كثيرة، منها العلاقة مع المغرب.

فإذا اختارت اسبانيا نوعا من العداء للمغرب، والمرتبط بالتشكيلة الحزبية الحكومية داخل إسبانيا لوجود حزب بوديموس الذي يكلف إسبانيا اليوم أكثر مما يساهم، خاصة على مستوى الاستراتيجي والخارجي.

وقد تستغل بريطانيا هذه المسألة، فتتقرب أكثر إلى المغرب، وتقيم معه علاقات اقتصادية على مستويات كثيرة، وأكثر من ذلك فقد تذهب في نفس الاتجاه الذي ذهبت فيه الولايات المتحدة الأمريكية في قضية الصحراء المغربية.

بمعنى أنها تكسب الكثير من الجولات مقابل إسبانيا التي هي واحدة من الشركاء الأساسيين للمغرب والتي خفضت كثيرا من مستوى التوتر عندما كانت هناك حكومة تتناوب بين الحزب الشعبي والحزب العمالي. لكن مع تواتر المصالح الاقتصادية بين البلدين لم يعد يظهر أي فرق بين الحزب العمالي والحزب الشعبي في إسبانيا، إلى أن تحولت هذه المنظومة الحزبية السياسية بدخول هذه الأطراف إما اليمينية الأكثر تطرفا، وإما اليسارية الأخرى، كما هو الحال لبوديموس الذي أصبح يصدر قرارات أكثر إيديولوجية ولا تراعي المصالح المشتركة.

وهذا أمر لا يمكن للمغرب أن يتحمله أكثر من اللازم إذ أنه سيبحث عن شركاء آخرين وعن أطراف أخرى، وعلى كل حال إسبانيا ليست بفاعل مؤثر في العلاقات الدولية بالقدر الذي تريد أن تفعله من أجل هذا، وهذا لا يعني أننا لسنا في علاقة إستراتيجية مع إسبانيا وفي مستوى من الهدوء أحسن من شراكة مع دول أخرى.

ولكن إذا كان الأمر لا بد من أن يكون هناك اختيار فالمغرب سيختار الشركاء الأكثر ضمانا، خاصة أن بريطانيا دولة دائمة العضوية في مجلس الأمن ولها تأثير أكبر في العلاقات الدولية المعاصرة وغير ذلك.

في ما يتعلق بدور الاعتراف الأمريكي في تسريع هذا المشروع، فالارتباط بين الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا أصبح واضحا جدا وعلى مستويات متعددة، على مستوى التنسيق، ضبط المعطيات، وتنزيل السياسات، فخرجت بريطانيا من جبة الاتحاد الأوروبي، ولكنها لم تدخل تماما في الجبة الأمريكية، ولكن بينهما تواصل كبيرا جدا، وبريطانيا لها مستوى متقدم من العلاقات مع أمريكا.

وهذا يعني أنه سيكون توافق على مستوى مجموعة من القضايا الدولية، فالاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء يمكن أن يتبعه اعتراف بريطاني، وهذا أمر قد يناسب بريطانيا أكثر، لأنها ستذهب في نفس نسق الولايات المتحدة الأمريكية، خاصة في تصورها الجديد لما بعد البريكسيت للمنظومة التجارية الدولية البريطانية وفي علاقتها مع دول إفريقية، ومع مجموعة من دول منبع الطاقات في إفريقيا، ومسارات التجارة الجديدة هناك عن طريق الخط الذي يريد المغرب أن يكون مستقبلا على طول المحيط الأطلسي برا وبحرا.

وهذا أمر قد يناسب تطوير العلاقات المغربية البريطانية مع الحضور الأمريكي، في مستويات متقدمة، ما سيجعل هذا الاعتراف البريطاني بمغربية الصحراء مسألة حتمية في مرحلة من المراحل إن لم يكن ذلك وشيكا.

ماذا يمكن أن يجني المغرب من وراء إنجاز هذا الجسر؟

تيسير الربط بين قارتين، فهذا لا بد أنه سيعطي انسيابا أكثر للسلع والأشخاص والأموال، وهو أمر مناسب وجيد على المستوى الاقتصادي، وسيكون لديه أيضا تبعات على المستوى الاقتصادي، وعلى مستوى الخط البحري الذي يربط المغرب وإسبانيا، فلهذين الربطين نفس الحجم ونفس المسؤولية، وسيحول مفهوم التنمية الإستراتيجية لمجموعة الجنوب الإسباني لصالح الشمال المغربي، ولمحورية الميناء المتوسطي وميناء الناظور، فهذا الأمر له فوائد اقتصادية كبيرو جدا.

فسيستفيد المغرب في علاقته مع بريطانيا ومع دول الاتحاد الأوربي الذي تربطه به اتفاقيات التبادل الحر والشراكة منذ 1994، فهذا الأمر مهم بالنسبة للمغرب وسيستفيد منه اقتصاديا، وحتى من ناحية تكلفة السفر، والتكلفة على مستوى الاجتماعي والربط الثقافي بين القارتين.

وسيكون هناك الكثير من المشاكل على مستوى الهجرة، ولكن هذا الأمر لم يكن له أثر كبير على هذا المستوى السلبي، بل سيكون له أثر إيجابي أكثر منه سلبي، فسيحول العلاقات بين المغرب وإسبانيا إلى نظيرتها بريطانيا، وهذا أمر ليس محسوما الآن.

فإذا كان الاتجاه هو إسبانيا فسيعزز ذلك العلاقة الإسبانية المغربية، وإذا كان اتجاه هذا الربط هو بريطانيا، فستتعزز العلاقات المغربية البريطانية، فالمسألة بسيطة جدا وبهذه السهولة.

أي مستقبل لسبتة في ظل هذا الجسر؟

كما قلت من قل، الربط المغربي مع جبل طارق، وهي المنطقة التي تعتبرها إسبانيا مستعمرة بريطانية، رغم أن هذا الوضع القانوني لجبل طارق يختلف اختلافا جذريا مع نظيرتها في سبة ومليلية وباقي المناطق المحتلة في شمال المغرب كالجزر الصغيرة.

فمن الناحية القانونية فبريطانيا موجودة على جبل طارق باتفاق مع إسبانيا، في حين أن المغرب لم يعطي ولم يصرح بشيء من هذا القبيل، بل هي حالة احتلال مستمرة على مستوى الزمان لأكثر من خمسة قورن، وهي وضعية قانونية لا تتغير بالنسبة للمغرب لا على المستوى الرسمي ولا على المستوى الشعبي الذي يعتبر بأن هذه المناطق هي مناطق محتلة.

تعزيز العلاقات مع إسبانيا وتوطيدها على المستويات الاقتصادية، سيعطي إمكانية تعزيز فرص مقترح الراحل الحسن الثاني لفتح الحوار حول مصير المدينتين، في حين أن مسار المغرب مع بريطانيا سيعزز النفور بين المغرب وإسبانيا واستمرار الموقف المتنطع لليمين الإسباني الذي يبدو أنه يصعد أكثر فأكثر  في الانتخابات، وسيزيد ذلك من جمود هذه القضية وثباتها بالشكل الذي هو عليه.

الجسر الرابط بين المغرب  وإسبانيا سيعزز مستويات الحوار للوصول إلى حل يمكن أن يرضي جميع الأطراف، واستمرار الوضع على ما هو عليه ووجود التوجهات اليسارية واليمينية الإسبانية المعادية للمغرب، يزيد من تنطع إسبانيا واحتسابها في هذا الوضع غير السوي للعلاقات الدولية والعلاقات بين المغرب وإسبانيا.

 

 

 

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x