لماذا وإلى أين ؟

زين الدين: هكذا سيستفيد المغرب من المصالحة الخليجية (حوار)

تنفست دول الخليج الصعداء بعد انفراج ملف وحدتها التعاونية، بعودة علاقات السعودية وقطر إلى سابق عهدها، بعد انقطاع دام حوالي ثلاث سنوات عجاف على الدبلوماسية والاقتصاد والإعلام الخليجي، وهو ما يثير تساؤلات حول أسباب تسريع هذه المصالحة بعد “التعنت الكبير” الذي أبداه الجانب السعودي، في غير ما مرة، رغم وجود وساطات عربية وخليجية لإعادة المياه إلى مجاريها.

السياق الذي قٌطِفت فيه ثمرة “المصالحة الخليجية الخليجية”، والتي رعتها أمريكا بوساطة كويتية، لا يمكن فصلها عن الأحداث الدولية والإقليمية التي تلف هذه المصالحة، خاصة مع التحركات المعلنة والسرية للرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب، في سعي حثيث منه إلى توسيع دائرة المطبعين مع إسرائيل. وهو ما يثير تساؤلا أيضا حول علاقة هذا المصالحة بإمكانية التحاق دول الخليج المتبقية بقافلة التطبيع العربي الإسرائيلي؟.

ولكشف تداعيات هذه المصالحة الخليجية على المغرب، ومعرفة خلفياتها تستضيف “آشكاين” المحلل السياسي  وأستاذ العلوم السياسية بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، وخبير العلاقات الدولية محمد زين الدين، لتوضيح مآلات هذه المصالحة وأهدافها، وما إن كانت تمهد لتطبيع جديد لكل من السعودية وقطر بعدما رعَت أمريكا وفاقهما الخليجي؟.

وفي ما يلي نص الحوار

كيف تقرؤون عودة العلاقات بين دول الخليج لسابق عهدها بعد تصالح السعودية وقطر؟

أعتقد أن طبيعة المرحلة التي يجتازها العالم العربي، وبالخصوص دول الخليج تحتم ضرورة تحقيق المصالحة بين الأشقاء الخليجيين خصوصا مع التحديات الأمنية التي تواجهها المنطقة والتحركات القوية لإيران.

فإيران اليوم تتحرك على أكثر من مستوى وعلى أكثر من منطقة، ليس فقط بالنسبة للخليج بل حتى في شمال إفريقيا، وهذه التهديدات تهم الجميع، تهم الدول العربية مجتمعة، سواء تلك المناوئة لإيران أو تلك التي تدعي أنها قريبة من إيران.

طبيعة التهديدات، خصوصا في الآونة الأخيرة يفيد على إمكانية ضرب مواقع حساسة للمصالح الأمريكية، وهي لا تريد أن تخسر شيئا من مصالحها، لأن القواعد الأمريكية موجودة بجميع الدول العربية، فهي موجود في الكويت، السعودية، الإمارات، وكذلك في قطر وفي البحرين.

بالتالي هناك إدراك عميق لدى الأمريكيين بضرورة المصالحة، وهذا يتزامن مع رحيل ترامب، لأن الأزمة عمرت منذ بداية ولايته؛ أي منذ ثلاث سنوات تقريبا، هذا من الجانب الأول.

والجانب الثاني، فهناك إدراك لدى القادة الخليجيين بأن هناك استنزاف  متبادل فيما بينهم، لا سواء على المستوى الدبلوماسي ولا على المستوى العسكري، أو حتى على المستوى الإعلامي الذي بدا من خلال التراشق الإعلامي عبر قنواتهما معا، الجزيرة والعربية، وهو ما يضعفهما معا، أي أنه يضعف قطر، ويضعف المحور الآخر الذي به كل من السعودية والإمارات.

وكان هناك منطق حكيم لدى الكويت من أجل عقد هذه المصالحة لما فيها من مصلحة مشتركة لدى دول الخليج، لأن هذه الدول غير قادرة اليوم إطلاقا، على تداعيات كورونا خاصة على الاقتصادات الخليجية التي ترتكز بالأساس على النفط، رغم أنها تسعى اليوم إلى الانتقال من الارتكاز على الاقتصاد النفطي بتنويع العرض الاقتصادي الخليجي ولكن ذلك يبقى محدودا. فتراجع مبيعات النفط في ظل الأزمة التي خلفتها الجائحة يفرض على أن تسير هذه الدول في اتجاه المصالحة. إضافة إلى الخطر الإيراني الذي أصبح يطل على دول الخليج مجتمعة ويهددها.

فبعد كل هذا، لم يكن هناك من خيار أمام قادة الخليج سوى الرجوع إلى جادة الصواب وعقد هذه المصالحة والبحث عن المصالح المشتركة وتركك الخلافات الشخصية جانبا.

لأننا اليوم في زمن التوحد وزمن الاندماج الاقتصادي، زمن الائتلافات الإقليمية القوية جدا، وهذا ما نراه لدى الدول الآسيوية، وهو أيضا ما نراه في منطقة التجارة الحرة لأمريكا الشمالية “نافتا”.

اليوم في زمن العولمة وزمن ما بعد كورونا لن يكون هناك وجود لدولة قومية واحدة يمكنها القيام بكل شيء، فلا بد للدول أن تدخل في تحالفات وتكتلات وتفعيل هذه الإطارات الإقليمية، لأنها هي السبيل الأوحد لاستمرارية هذه الدول.

هذا الأمر لا ينحصر فقط على دول الخليج فقط، وإنما كذلك نحن في المغرب العربي. فإن كان هناك من درس ينبغي استخلاصه من المصالحة الخليجية، هو أن ينتبه الإخوة الجزائريون إلى هذه المسألة وأن يبادروا بدورهم إلى تفعيل اتحاد المغرب العربي وترك المناوشات الثنائية جانبا.

وفي هذا السياق يمكننا القول على أن المصالحة هي ضرورة حتمية لجميع الأطراف، لقطر والسعودية وحتى للإمارات.

ما هي آثار هذا التوافق الخليجي على المغرب؟

على المستوى الدبلوماسي لاحظنا أن بيان “قمة العلا”، كان داعما للوحدة الترابية المغربية، وهذا راجع إلى منطق الحياد الإيجابي للمغرب مع مختلف الأطراف الخليجية.

إضافة إلى أن الدعم الخليجي هو دعم قوي للمغرب على مستوى الاستثمارات، والمغرب مقبل على ورش تنموي قوي جدا بالنسبة لمجموعة من الإصلاحات، خصوصا في مناطق الجنوب، وهو بحاجة ماسة إلى الاستثمارات الخليجية التي سيكون لها حضور أكبر على هذا المستوى.

كذلك على مستوى الإصلاحات الهيكلية التي يقوم بها المغرب، والتي تشكل فيها دول الخليج دعامة قوية جدا، وهذا عامل مهم.

ولا ننسى أن المغرب في حاجة إلى الدعم الخليجي في أروقة الأمم المتحدة بالنسبة لقضاياه العادلة، ونحن نتحدث عن دول لها وزن كبير على مستوى الأمم المتحدة، وبالتالي فتذويب الخلافات بين الأشقاء الخليجيين سوف يخدم القضايا المغربية، وعلى رأسها قضية الصحراء المغربية.

فمن غير الاستثمارات والمواقف الدبلوماسية الخليجية الداعمة للمغرب، هناك أوجه أخرى تهم توظيف اليد العاملة وتفعيل العديد من الاتفاقيات الثنائية أو المتعددة التي عقدها المغرب مع الدول الخليجية في مجالات متعددة، كالسياحة، التعليم، القضاء.

دون أن ننسى أن للمغرب جالية متواجدة في هذه الدول الخليجية، فهذه المصالحة ستخدم تفعيل العديد من الاتفاقيات، سواء تلك التي عقدها مع قطر أو مع السعودية أو الإمارات بما يخدم مصلحة الطرفين معا.

وفي نفس الوقت فالمغرب يشكل رقما أساسيا في المعادلة الخليجية، فقد لاحظنا كيف كان المغرب حاضرا في الدفاع عن أمن دول الخليج، والذي يعتبر مسألة إستراتيجية بالنسبة له، وأثبت الواقع، أن الداعم الأساسي لأمن الخليج هو المغرب وليس بلدا آخر.

فبالنظر إلى ما تقوم به إيران في اتجاهها نحو تطوير الأسلحة النووية، وما يشكله من خطر على دول الخليج، كان لابد للأخيرة أن توفر حماية عسكرية قوية جدا، والمغرب من بين الدول العربية الذي يقدر على توفيرها، أولا بتجربته، ثانية بالعتاد العسكري المتطور الذي يتوفر عليه، إضافة إلى الدور الدبلوماسي القوي الذي يشكله المغرب في المنتظم الدولي.

فالمغرب إذن، يشكل رقما أساسي في معادلة الأمن الخليجي، وهناك إدراك عميق من دول الخليج بهذه المسألة، وأثبتها المغرب بأنه شريك وفي لضمان أمن واستقرار الدول الخليجية، فالمصلحة مشتركة بينهما.

هل يمكن أن تلتحق السعودية وقطر بقافلة التطبيع؟ خاصة أن المصالحة الخليجية كانت برعاية أمريكية.

أكيد أن تسهيل المصالحة الخليجية يصب في اتجاه تحقيق التطبيع مع إسرائيل، لأننا نشاهد دولا قوية مثل الإمارات، والبحرين سرّعت من استئناف العلاقات وبالتالي لن يكون أمام الدول الأخرى سوى السير في نفس الاتجاه.

فهناك دول تطبع مع إسرائيل لكنها تخفي ذلك، وهي على علاقة دبلوماسية وتجارية مع إسرائيل.

لكن الصعوبات الحاصلة اليوم، هي الارتباطات التي فعلتها قطر خلال هذه الثلاث سنوات الماضية، إذ ستجد صعوبة في كيفية تذويب هذه الارتباطات بما يَمَكّن قطر بأن تعود بشكل طبيعي لمجلس التعاون الخليجي.

بالنسبة لدول أخرى ليس لديها أي مشكل، كالكويت وعمان وغيرها، إلا أن قطر ستجد صعوبة في الانسلاخ أو بالأحرى الابتعاد عن هذا التيار الذي عاشت فيه طيلة ثلاث سنوات هو ما يطرح هذه الصعوبة.

لكن أعتقد أن هذه العودة مفروضة على الجميع، وكذلك التطبيع مفروض على الجميع، لأنه ليس هناك من خيار، لأن موازين القوى تسير في اتجاه تدعيم العلاقات الثنائية بين دول الخليج وإسرائيل.

 

 

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x