لماذا وإلى أين ؟

عايش: صفعة المسؤول الأمريكي للجزائر قضت على أوهام وأحلام قصر المرادية (حوار)

وجه مساعد كاتب الدولة الأمريكي المكلف بشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؛ ديفيد شينكر، أمس الخميس 07 يناير الجاري، صفعة لحكام الدولة الجزائرية الراعية لجبهة البوليساريو، حيث أكد أن المفاوضات حول قضية الصحراء يتعين أن تتم في إطار مخطط الحكم الذاتي الذي اقترحه المغرب.

تأكيد الولايات المتحدة الأمريكية لموقفها القاضي بالإعتراف بالسيادة المغربية على منطقة الصحراء من العاصمة الجزائرية، يطرح مجموعة من التساؤلات، خاصة فيما يتعلق بدلالات وخلفيات هذا الحدث وانعكاساته السياسية على العلاقات الثنائية بين المغرب والجزائر، والتي تشهد توترا كبيرا منذ سنوات.

في هذا الإطار، اعتبر المحلل السياسي ومدير مركز الرباط للدراسات السياسية والإستراتيجية؛ كريم عايش، أنه كان من الأفضل تسمية ما حدث بـ”الصفعة”، مشددا في حوار له مع “آشكاين” على أن زيارة المسؤول الأميركي للجزائر تأكيد لسياسة الولايات الأمريكية الجديدة والقضاء على أوهام وأحلام قصر المرادية في الرجوع بالزمن للوراء والتصعيد.

وفي ما يلي نص الحوار:

ماذا يعني إعلان أمريكا اعترافها بسيادة المغرب على الصحراء من قلب الجزائر الممول والداعم الرسمي للبوليساريو؟

الولايات المتحدة الأمريكية تنهج سياسية خارجية “براغماتية” مبنية على الوقائع والمصالح، وهي تدرك أن علاقتها مع أي دولة تكون علاقة رابحة. غير أن حالة الجزائر كدولة أفريقية تتبنى الفكر الإشتراكي كيافطة تاريخية لتحافظ على دفء المعطف الروسي، يجعل اهتمام الولايات المتحدة الأمريكية اهتماما ذو طابع خاص، ولكن ليس بالأهمية الإستراتيجية التي يعتقدها بعض المحللين الجزائريين.

الجزائر حاولت من خلال علاقتها بروسيا معاكسة المصالح المغربية والتشويش على جهود التسوية الأممية لملف الصحراء عبر الموقف الروسي بمجلس الأمن، والذي لا يتفق مع القرارات المصادق عليها لكونها محررة من طرف الأمريكان. وهنا يجدر بنا التذكير بصفقات السلاح الأخيرة؛ وصفقة الطائرات الحديثة “السوخوي” التي تدعي الجزائر قرب الحصول عليها، لذا لا يمكن للولايات المتحدة أن تغير من مواقفها بتغير الأماكن.

ما سبق ذكره، يبرز قوة القرار الرئاسي الأمريكي ومدى تفعيله ضمن دواليب الإدارة الأمريكية داخليا وخارجيا، حيث أن ما قاله السيد شينكر بالجزائر صراحة وواقع تؤمن به الولايات المتحدة كدولة؛ سواء أعجب الجزائر أم لم يعجبها. وبالتالي فهو ما عليها أن تقبل به في إطار علاقتها بالولايات المتحدة الأمريكية مستقبلا، دون الحاجة لتكرار الحديث في الموضوع أو اللعب على المفردات والمصطلحات.

طيب، وماذا بعد هذه “الصدمة” التي تلقتها الجزائر، هل ستلين موقفها؟

الصدمة كانت منذ إعلان الإعتراف، واستمرت بإعلان فتح القنصلية وهي امتداد لصدمات سابقة، أبان فيها المغرب عن حرفية وعلو كعب في تدبير الشأن العسكري بالأقاليم الجنوبية، خاصة بعد تطهير المنطقة من قطاع الطرق وعصابات البوليساريو والمأجورين؛ الذين فضح المغرب والإعلام الدولي أفعالهم المشينة وجبنهم عبر بث مشاهد لخيام وأزبال و “صناديلهم” المتناثرة هنا وهناك.

وبالتالي كان من الأفضل تسميتها بالصفعة، لأن جنرالات الجزائر ما انفكوا في تأجيج مشاعر العداء وضخوا كما هائلا جدا من الأكاذيب والأوهام والفبركات، حتى صار الإعلام الجزائري أضحوكة إعلامية بالعالم العربي وصار الباحثون الجزائريون أقرب إلى الروائيين ومؤلفي قصص الخيال العلمي، منهم إلى أكاديميين متمرسين ومتبصرين. لذا فزيارة مساعد وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى “ديفيد شينكر” الجزائر جاءت لتأكيد سياسة الولايات الأمريكية الجديدة والقضاء على أوهام وأحلام قصر المرادية في الرجوع بالزمن للوراء والتصعيد.

مقاطعا .. عند حديثك على قصر المرادية، هل فعلا دعم هذا الأخير لما تسميه “حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره” هو سبب كل هذا التصعيد والعداء ضد المغرب ومصالحه الإستراتيجية؟

المتتبع لسياسة الجزائر الخارجية أساسا، يكتشف تناقضات جوهرية في طبيعة توجهاتها، ليس بسبب العقائد التي أطرت كل الملفات الخارجية التي تضمنت مواقف الجزائر، ولكن لكونها سياسة متخبطة وعشوائية لا يحكمها عقل أو مسار فكري أو استراتيجي، إذ ترتبط بعقلية من يحكم ومن معه، إذ أنه قبيل الإستقلال كان رجلان سطرا سياستها الخارجية، فبعد الهواري بومدين وبن بلة؛ نجد انقساما بين حاكم علني وحاكم الظل.

وهنا يمكننا القول أن ما يسمونه بـ”الشعب الصحراوي” اختراع كان ضمن أجندة فتحوها أثناء مفاوضات الإستقلال اسمها “معاداة المملكة المغربية الشريفة”، ولست أقول “المغرب”؛ ولكن التسمية الكاملة لما لها من حمولة تاريخية وجذور ضاربة في أعماق التاريخ والأصالة. فلحدود الساعة ما تزال مسألة ترسيم الحدود الشرقية معلقة، وهي تضم أقاليم شاسعة في إطار اتفاقية مغنية، ولكون سياسة الجزائر تنبني على التناقض والتخبط.

تكفينا الإشارة هنا إلى أن رفض المغرب التفاوض على حدوده مع الجزائر مع فرنسا آنذاك لصالح تفاوض أخوي مع حكومة الجزائر الأولى، كان ضمن إيمان المغرب بإنهاء الإستعمار أولا؛ كواجب تضامني آخر ينضاف لما قدمه المغرب من تضحيات لصالحها. لكن ومع الأسف ما زالت الجزائر تتشبت بحدود الإستعمار وترفض الحديث عن جزء من ترابنا هناك، دون التذكير بالمواقف المعلنة العدائية ضد الجمهورية الفرنسية والإستعمار في حين أن كل قيادات الجيش الجزائري تتحدث باللغة الفرنسية.

أخيرا، هل يمكن اعتبار هذه “الصفعة” إشارة من أمريكا للجزائر لطي ملف الصحراء؟

بالنسبة لنا نحن كمغاربة، لم نعد نتحدث عن ملف الصحراء بقدر ما نتحدث عن أقاليمنا الجنوبية، وعليه فالمشكل هو في واقع الأمر مشكل جبهة البوليساريو التي لا شرعية لها، ولا تملك أي سند قانوني في احتجاز صحراويين بتندوف ولا يعترف القانون الدولي لها بتسمية شعب أو دولة، مهما اعترفت بها بعض الدول أو احتضنتها الجزائر، هذه الاخيرة التي صارت تحمل في أحشاءها وليدا لقيطا ربما صار صعبا عليها الآن التخلص منه.

كما صارت جماعة مسلحة في خدمة الجيش جنوب صحراء الجزائر، بما في ذلك من السيطرة على خطوط التهريب والإمدادات الإجرامية بعد ارتفاع حجم العمليات الإرهابية شمال مالي والنيجر وجنوب تشاد، وما يسبب ذلك من مجال خصب لنمو تهديدات إرهابية كبيرة قد تحول المنطقة الغنية بالنفط إلى بؤرة جديدة تهدد أمن العالم واستقرار الدول الأفريقية.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x