لماذا وإلى أين ؟

قيادي سابق بـ”البوليساريو” يكشف لـ”آشكاين” الخيارات المتبقية لـ”الميليشيات” في نزاع الصحراء (حوار)

شهد مسار الصراع على منطقة الصحراء بين المملكة المغربية وجبهة البوليساريو تطورا تاريخيا ومتسارعا بعد موقعة الكركرات، والتي حقق المغرب بعدها نجاحات ديبلوماسية، خاصة بعد الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على الصحراء، من خلال اعتبار اقتراح الحكم الذاتي “مقترحا جادا ووقعيا، وهو الأساس الوحيد لحل عادل ودائم لتحقيق السلام الدائم بالمنطقة” كما جاء في تغريدة ترامب.

ومن منطلق “ليس من رأى كمن سمع”، يواصل المواقع الإخباري “آشكاين” مواكبة مستجدات النزاع، خاصة بعد زيارة وفد أمريكي لمقر القنصلية الأمريكية المفترض بمدينة الداخلة, من خلال هذا الحوار، الذي نستضيف فيه مصطفى سلمة ولد سيدي مولود، المفتش العام السابق في شرطة جبهة البوليساريو، والمعتقل السابق لدى هذه الأخيرة، من أجل الحديث عن نزاع الصحراء بعد المستجدات الأخيرة التي شهدها، وكذا الأفق المستقبلية للصراع في ظل الإعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء.

وفيما يلي الجزء الأول من الحوار:

كثيرا ما نتابع شذرات من سيرتك الغنية بالأحداث السياسية، حبذا لو تقربنا أكثر من مصطفى سلمة ولد سيدي مولود؟

مصطفى ابن سلمة ابن سيدي مولود صحراوي ازداد نهاية الستينات ضواحي مدينة السمارة من عائلة بدوية، فتح عينيه على بداية نزاع ما زالت أمواجه تتقاذفه. شاءت الأقدار أن تكون مواكبتي لهذا النزاع استثنائية فعشت أسوأ ما فيه من فقد الأحبة والشتات الأسري واللجوء والتغرب ثم النفي و الفصل عن الأهل والأبناء.

فوجدتني أقاتل من أجل كل شيء. من أجل أن أجتمع بأبنائي ومن أجل حقي في التنقل وحقي في التعبير عن الرأي. لست بطلا، ولا رجلا من حديد، إنما إنسان عاش الفقد مرتين. مرة فقدت أختاي ووالدي لما كنت صبيا، ولما بلغت أشدي وأصبحت في الأربعين، عشت فقدا من نوع آخر لما أبعدت عن منزلي وأبنائي ووالدتي وإخوتي وعملي وكل ما بنيت فيما سلف من عمري.

طيب، سلسلة “اتركوني أتنفس” التي اطلقتها عبر “الفيسبوك”، ما هي دوافعها؟ وما هي رسائلك إجمالا من خلالها؟

النفي أو الإبعاد هو كأن تقتلع نبتة من تربتها ومائها وهوائها الذي ألفته وترميها في صحراء دون اكتراث. تحيا أو تموت فذاك شأنها. وهذا ما حصل معي مع الأسف، في قمة نشوتي بأنه تحقق لي جل ما أريد؛ أسرة وأبناء وعمل وأهل وقيمة مجتمعية، أخذت قسرا ورميت في موريتانيا وحرمت من كل شيء.

لم يستحي البعض وكأن ما فعلوه بي غير كاف، فما زالوا يطلبون مني المزيد، ولم يبقوا لي غير لسان أصرخ به شكوى عن ألمي. فكتبت تدوينة تحت ذلك العنوان رسالة للظالمين، لعلهم يستحون أو يرحمون. أما بقية الحكاية فكان نشرها بإلحاح من بعض الأصدقاء وفضولا عند بعض المتابعين.

أصدقك القول؛ لم يكن من الهين علي في تلك الفترة كتابة ما كتبت، فقد كانت والدتي المتوفية للتو هي بطلة حكايتي، وكنت أذرف الدمع كل ليلة ألما على فقد والدتي وغضبا على كل ما عانيته بسبب البوليساريو، التي أخذت نصف عمري ورمتني عظما مهملا وكأني لم أكن. وكانت غايتي من نشر السلسلة هو أن يعلم الناس والأجيال التي لم تعاصر سنين ظلام هذا النزاع، حتى لا تتكرر نفس الأخطاء، وحتى يعلموا ما خلفته بعض الشعارات الرنانة من سوء.

تسربت العديد من الفيديوهات في الآونة الأخيرة توثق الوضع المزري الذي يعيشه المواطنون بمخيمات تندوف، حدثنا قليلا عن الوضع هناك؟

بدأنا بخيمة ومطبخ ومكان الاستحمام، وبعد أن تقادم القليل المتوفر من الملابس لدينا جمعناه وصنعنا خيمة صغيرة لا تتجاوز مساحته مترين، نقلنا إليها قارورة الغاز وآلة الطبخ وحوض الاستحمام. أما لقضاء الحاجة فعليك أن تقطع كيلمترات حتى تجد ساترا.

لم نكن نعرف النقود ولا نملك غير مؤونتنا التي توزع علينا كل شهر. حتى منتصف الثمانينات بدأنا نبني “كوزينة” من الطوب ونغطيها بالقماش. وتعلمنا من “كوزينة” الطوب أن البيت أحفظ من الخيمة، وبدأت كل أسرة تبني بيتا من الطوب أمام الخيمة. لم يكن أحد في المخيمات يعمل مقابل أجر. قبل منتصف التسعينات أصبح العسكر يتلقون مساعدة من كل ثلاثة أشهر لا تسمن ولا تغني من جوع تعادل 250 درهم مغربي في الشهر. توسعت بعد دخولنا الألفية الجديدة لتشمل أغلب القطاعات مع بعض الزيادات الطفيفة.

منذ منتصف التسعينات بدأت بعض العائلات تتوصل بمساعدات من الخارج منها بعض حقوق الجنود الذين كانوا يعملون في الجيش الإسباني، والبعض تأتيه مساعدة من أقاربه في المغرب أو موريتانيا، وسمح بالتجارة في المخيمات بعدما كانت ممنوعة، وبدأ الشباب وبعض المقاتلين السابقين يهاجرون إلى أوروبا لمساعدة عوائلهم في المخيمات. لكن المستفيد الأكبر هم رجال السلطة بحكم تحكمهم في فائض المساعدات الإنسانية. ورغم هذا الإنفتاح إلا أن غالبية الأسر تعيش على الكفاف، فلا يوجد في القطاع المشغل، الوحيد هناك هو إدارة البوليساريو وجيشها وما يقدمونه محدود جدا.

حسنا .. برأ القضاء الجزائري بعضا من رموز “نظام بوتفليقة”، ما قراءتكم لذلك؟ وما رافقه من عودة الجنرال خالد نزار في هذه الظرفية؟

الجزائر يحكمها العسكر كما يعلم الجميع، ووفاة قائد صالح الذي كان يُدير اللعبة منذ الإطاحة ببوتفليقة غيرت كل الحسابات. ففي التقليد الجزائري، قائد القوات البرية هو من يتولى قيادة الأركان، وكان شنقريحة ولم يكن الأعلى مرتبة ولا الأكثر نفوذا في الجيش، وحصل صراع داخل المؤسسة العسكرية.

حتى لا تخرج الأمور عن السيطرة اضطر شنقريحة إلى إعادة كل الضباط المتنفذين السابقين لموازنة القوة بين أجنحة العسكر وتوحيد جهدهم في مواجهة الحراك حتى لا يعصف بهم جميعا. وهذا ما يفسر العفو عن العسكريين دون المدنيين من نظام بوتفليقة.

في ظل الاكتساح الدبلوماسي المغربي في ملف الصحراء، ما هي الخيارات المتبقية لجبهة البوليساريو ومن ورائها الجزائر؟

الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب المعروفة اختصارا بـ”جبهة البوليساريو”، وكما يفهم من اسمها ومن أدبياتها أن هدفها هو تحرير الصحراء واستقلالها عن المغرب، وقد كان شعارها زمن الحرب هو كل الوطن أو الشهادة، ليتحول بعد وقف إطلاق النار والدخول في مسلسل التسوية الأممي إلى الاستقلال سلما أو القتال.

مشروع تحرير الصحراء بالكفاح المسلح بدأ في التراجع مع مشروع المغرب في بناء الأحزمة الدفاعية مطلع 1982، و بعد استكمال الحزام الدفاعي السادس سنة 1987 على الصورة التي كنا نعرفه بها قبل الكركرات، لم تتقدم الجبهة شبرا واحدا على الأرض. ما اضطرها إلى القبول بوقف إطلاق النار سنة 1991 بعد أن أصبحت حربها عبثية تستنزف الطرفين دون تقدم على الأرض.

الذي وقع بعد توقيع اتفاق إطلاق النار وانخراط الطرفين في مسلسل تسوية طويل هو أن الطرفين المغرب والبوليساريو عملا كما عملت النملة والصرصور، كما تروي القصة أن النملة كانت تكد وتجد تحتاط لموسم الخريف، والصرصور ظل يزهو و يلعب. ولما حل الخريف وجدت النملة نفسها محتاطة من كل الظروف، والصرصور وجد نفسه في العراء بلا مأوى ولا مؤونة.

مسلسل التسوية أعيا جميع الوسطاء وتشعبت سبله، لدرجة أنه لم يعد أحد يريد تحمل مسؤوليته، فارتكبت الجبهة خطأ قاتلا في الكركرات، بغلقها للمعبر لفترة طويلة بنية الضغط على المغرب والمجتمع الدولي من أجل العودة إلى مسلسل التسوية المتوقف منذ انسحاب كوهلر.

لم تحتسب الجبهة لردة فعل المغرب الذي لم يتسرع في التدخل لإعادة فتح المعبر حتى أشهد كل العالم على فداحة فعل البوليساريو بقطعها لطريق تجارة دولي تضررت منه المنطقة برمتها. وتدخل المغرب وضم كامل منطقة الكركرات خلف حزامه الدفاعي، لتستفيق قيادة الجبهة على كابوس، فقد تغيرت كل معطيات النزاع في لحظة.

يتبع ..

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

4 تعليقات
الأكثر تصويتا
أحدث أقدم
Inline Feedbacks
View all comments
طارق الإدريسي
المعلق(ة)
17 يناير 2021 04:39

أرجوا أن يصل تعليقي هذا لأخينا مصطفى سلمى ولد سيدي مولود
أحييك على شجاعتك وصبرك على الظلم الذي لحق بك، وأرجوا من الله العلي القدير أن يجمع شملك بأهلك وأبناءك في أقرب وقت. كما أوجه تحياتي لإخواننا الصحراويين المدنيين المحتجرين في مخيمات تندوف وكذا المغرر بهم في أي مكان كانوا، وأقول لهم الله يشهد أننا كمغاربة لا نكرهكم ولا نحقد عليكم ونعلم جيداً أنكم ضحايا وكنتم عرضة لبروباغندا الجزائر الذي ظلت تسلطها عليكم طيلة ال45 سنة الماضية دون هوادة مغذية بذلك الجقد والكراهية داخلكم على المغرب وعلى إخوانكم المغاربة.
نحن الآن في زمن التواصل، أدعوكم للخروج من الصندوق وتحكيم العقل والبحث حول حقيقة الصراع، حينها ستدركون جيداً بشاعة الفعل الذي ارتكبته العقلية العسكرية الجزائرية في حقكم وفي حق المنطقة كلها باستعمالكم كأداة لمعاكسة المغرب.

المهدي
المعلق(ة)
14 يناير 2021 16:00

شكرا جزيلا سي مصطفى سلمة. و الله نحبك في الله.

صحراوي
المعلق(ة)
14 يناير 2021 15:48

شكرا لاشكاين التي قامت بالحوار من أجل انفتاح الصحافة على الصحراويين الوحدويين و المثقفين أمثال مصطفى سلمى، الذي عانى و يعاني هو و أسرته، مثله كمثل فئة كبير من العائلات المحتجزة بتندوف، حبذا لو ان الدولة تقوم بتبني هكذا أصوات من أجل خلق جو من الانفتاح على الإخوة المحتجزيين في تندوف.

صحراوي مغربي
المعلق(ة)
14 يناير 2021 08:36

حبذا لو كانت هذه الحوارات في شكل فيديوهات!؟ وشكرا

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

4
0
أضف تعليقكx
()
x