لماذا وإلى أين ؟

قيادي سابق بـ”البوليساريو” يتحدث لـ”آشكاين” عن انقسام بالجبهة وعودة قادتها إلى المغرب (حوار)

شهد مسار الصراع على منطقة الصحراء بين المملكة المغربية وجبهة البوليساريو تطورا تاريخيا ومتسارعا بعد موقعة الكركرات، والتي حقق المغرب بعدها نجاحات ديبلوماسية، خاصة بعد الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على الصحراء، من خلال اعتبار اقتراح الحكم الذاتي “مقترحا جادا ووقعيا، وهو الأساس الوحيد لحل عادل ودائم لتحقيق السلام الدائم بالمنطقة” كما جاء في تغريدة ترامب.

ومن منطلق “ليس من رأى كمن سمع”، يواصل المواقع الإخباري “آشكاين” مواكبة مستجدات النزاع، خاصة بعد زيارة وفد أمريكي لمقر القنصلية الأمريكية المفترض بمدينة الداخلة، من خلال هذا الحوار، الذي نستضيف فيه مصطفى سلمة ولد سيدي مولود، المفتش العام السابق في شرطة جبهة البوليساريو، والمعتقل السابق لدى هذه الأخيرة، من أجل الحديث عن نزاع الصحراء بعد المستجدات الأخيرة التي شهدها، وكذا الأفق المستقبلية للصراع في ظل الإعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء.

وفيما يلي الجزء الثاني من الحوار(الجزء الأول):

في ظل الإكتساح الدبلوماسي المغربي في ملف الصحراء، ما هي الخيارات المتبقية لجبهة البوليساريو ومن ورائها الجزائر؟

قبل موقعة الكركرات كان المغرب محاصرا بوجود المنطقة العازلة، لكن اليوم الجبهة هي المحاصرة بين المنطقة العازلة وموريتانيا، ولم يبق أمامها غير منفذ وحيد على العالم عرضه 15 كيلمتر مع الجزائر. كما كان للمغرب منفذ وحيد مع العالم عن طريق الكركرات وتبتزه الجبهة من خلاله. وتحول نزاع الصحراء وحرب تحرير الجبهة إلى بقاء تلك الكيلومترات الخمسة عشر أو إغلاقها من قبل المغرب.

إذا أزعجت البوليساريو المغرب فبإمكانه ضم تلك الكيلومترات التي تفصل الحزام الدفاعي من جهة المحبس مع الحدود الموريتانية الجزائرية من جهة تيندوف، ويقطع طريق قوات البوليساريو مع قواعدها فوق التراب الجزائري أو يضطرها إلى الإنسحاب الى الجزائر.

وهذا جعل الخيار العسكري الذي اتخذته الجبهة بعد 13 نوفمبر خطرا على وجودها بنفس درجة خطورة غلقها لمعبر الكركرات. وهذا ينزع من الجبهة ورقة الضغط الوحيدة التي كانت متبقية لديها (الحرب). والمغرب أيضا يعرف أنه لا يخدمه التقدم في تلك الكيلومترات المتبقية من جهة المحبس لأنها خط أحمر جزائري أولا و موريتاني ثانيا. فعدم ترك فسحة لقوات البوليساريو شرق الحزام سيضطرها للانسحاب إما إلى الجزائر أو موريتانيا.

إذا فجبهة البوليساريو الخارجية تم تحييدها تماما ولم تعد تشكل تهديدا على المغرب. وأصبحت المواجهة اليوم بين الجزائر والمغرب مباشرة على الأرض كما على الصعيد الدولي. ففي حالة استفزاز البوليساريو للمغرب بدرجة تمس من مصالحه فسيتقدم بحزامه نحو الحدود الموريتانية الجزائرية، وعندها سيدخل في مواجهة مع الجزائر أو تضبط الجزائر سلاح البوليساريو وترضى بالوضعية ما بعد 13 نوفمبر ويستمر الحال كما كان عليه.

بقي هناك احتمال فيه مخاطرة، غير أنه ليس مستبعدا أن تغير البوليساريو عقيدتها العسكرية، وتوجه جهدها في التسلح إلى متطلبات حرب مدن للإضرار بمصالح المغرب وضرب استقراره باستخدام وسائل حرب المدن؛ العبوات الناسفة وتفجير السيارات والعمليات الانتحارية، مستعينة بجبهتها داخل المغرب.

وفي كل الأحوال فالجبهة والجزائر يحتاجون التوتر الحاصل لتوجيه الرأي العام الداخلي عندهم عن مشاكله الحقيقية، وفي انتظار يد دولية تمتد لإنقاذ مشروع التسوية الأممي الذي أصبح من المستحيل أن يعود لسابق عهده نظرا للمكاسب التي راكمها المغرب في الآونة الأخيرة. وتسليم البوليساريو والجزائر بالهزيمة ليس مطروحا في الوقت الراهن.

مجموعة من داخل قيادة البوليساريو لم تكن راضية عن قرار غلق معبر الكركرات، هل من شأن الأحداث الأخيرة أن تخلق انقساما داخل الجبهة؟

الإنقسام حاصل منذ زمن عبد العزيز بسبب التنافس على المنافع وضرورات الإصطفاف والتحالف، وزادت حدته مع غالي بسبب ضعفه، وقلة الحلول المتاحة أمامه، فالجبهة ليس لها نظام تقاعد ولا متسع لتوظيف المسؤولين.

وبعد المتغيرات الحاصلة على مستوى الملف التي مالت كليا لصالح المغرب، أتوقع أن يعود بعض قادة الجبهة إلى المغرب في الفترة القادمة القريبة، إن لم تتدخل الجزائر وتبدع سيناريو يلهي مؤقتا عن التفكير في نهاية النزاع. أما داخل المخيمات فالإنقسام لا يمكن أن يحدث بسبب سطوة الأمن العسكري الجزائري. فمن انشق عليه لن يغادر المخيمات طوعا أو كرها.

ذكرت الجزائر، فهل ترى أن هذه الأخيرة يمكن أن تستمر بنفس النفس في دعم الجبهة بعد الإعتراف الامريكي بمغربية الصحراء؟

المشكل ليس في الإعتراف الامريكي بل في تغير موازين القوة على الأرض. فالمغرب حاليا هو من يملك ورقة الحسم العسكري لا الجزائر. وإذا اضفت لها المكاسب الديبلوماسية الكبيرة التي حققها المغرب مؤخرا فالجزائر في موقف صعب. ولكن ذلك لا يجعل المغرب في أريحية، لأن الجزائر قد لا تبقى ضعيفة إلى الأبد.

في الختام، ما هي رؤيتك المستقبلية لمآلات ملف نزاع الصحراء؟

أتمنى وإن كانت الأمور لا تدرك بالتمني أن يجنح الجميع إلى التعقل، والحلول موجودة إن توفرت الإرادة السياسية لدى أنظمة المنطقة. لكن ما زالت المنطقة في حاجة لنزاع الصحراء وخاصة الجزائر التي تحتاج الوقت لترتيب بيتها الداخلي وتدجين البوليساريو حتى تصبح جاهزة لقبول حل غير الاستقلال ومن ثم مساومة المغرب على مصالحها.

وأعتقد أننا سنسمع توترا مستمرا دون أن نتأثر به على أرض الواقع، قد تتخلله هدن، ولن نعود لوقف إطلاق النار بشكل رسمي قريبا. أما احتمال أن نشهد وضعا مشابها للحالة القبرصية هو الأقرب، ما لم تحصل مفاجآت لم تكن في الحسبان، وخاصة مفاجآت تجعل المغرب يعلن تنصله هو الآخر من اتفاق وقف إطلاق النار. فعندها سنشهد حربا إقليمية في المنطقة ونحن على شفيرها ولكنها ليست وشيكة إن لم تكن مستبعدة على الأقل حتى تستقر الأمور في الجزائر أو يتغير نظامها بالكلية.

لا أقول هذا محاباة للمغرب، بل لأن المغرب يبدو أكثر استقرارا على الصعيد السياسي من الجارة الجزائر. وهناك معطيات لا يجب أن نغفل عنها وهي الدور الفرنسي والإسباني، وإلى أي مدى لن يحصل تضارب مصالحهم بينهم وبين الولايات المتحدة في المغرب. والدور الروسي والصيني وما ستقدمه الجزائر من تسهيلات مقابل موقف داعم صريح لها. كل ذلك مرتبط باستقرار النظام السياسي في الجزائر. أما قبله فلا يمكن القول سوى أن الأمور ستبقى على ماهي عليه وكأننا على فوهة بركان قد يثور في أية لحظة.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

1 تعليق
الأكثر تصويتا
أحدث أقدم
Inline Feedbacks
View all comments
متطوع في المسيرة الخضراء.
المعلق(ة)
16 يناير 2021 10:40

غريب أمر هؤلاء الواقع يناديكم والمنطق في صالحهم عودوا إلى الصواب واحتكموا إلى المنطق والتاريخ لايرحم المغرب يناديكم بالعودة لنساهم جميعا في بناء الوطن .الحكم الذاتي هو الفيصل فما عليكم إلا العودة في أسرع وقت الحكومة الجزائرية لم يبقى أمامها سوى الأديان للأمر الواقع بعد الفشل الدريع وخاصة أثناء الجولة الأخيرة لوزير الخارجية الذي فشل في إقناع الدول التي زارها والراغبين في الدخول في مفاوضات مع المغرب لإنهاء النزاع المفتعل.

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

1
0
أضف تعليقكx
()
x