لماذا وإلى أين ؟

التأسيس النبوي لمفهوم العدالة الانتقالية

المرتضى إعمراشا

– في خضم تجربتي الشخصية القاسية داخل السجن كانت تتنازعتي دائما عواطف وهواجس، كذا ضعفنا البشري اتجاه دوافع الانتقام، خاصة أن ما حدث لم يكن سهلا بالمرة، وتستحوذ على تفكيري كل تلكم الأحداث والمٱسي، بالإضافة إلى معاناة المنطقة اثر العمليات الأمنية ضد نشطاء الحراك الشعبي بالريف، مجددة جراح الماضي، ونسفت كل جهود هيئة الإنصاف والمصالحة التي شهد العالم أنها إبداع مغربي قل نظيره في مفهوم العدالة الانتقالية.

وفي مثل أيامنا هذه يسر الله لي المشاركة في برنامج مصالحة التأهيلي الذي تؤطره المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الادماج، رفقة عدة مؤسسات أخرى، ومتطوعين ٱخرين، وكان من أهم الحصص التي حرصت على حضورها تلك المخصصة للأستاذ محمد صبري، أحد أطر المجلس الوطني لحقوق الإنسان، بل كانت حصته بالإضافة إلى حصة الاستاذ أحمد عبادي الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء، الاكثر تفاعلاً من طرف المشاركين، وما أثار انتباهي داخل حصص الثقافة الحقوقية حديث الأستاذ صبري عن مفهوم العدالة الانتقالية، بالإضافة إلى المراجع التي قرأتها في خضم هذه المحاضرات، فوجدت بحكم مرجعيتي الدينية أن الإرث النبوي الشريف غني بالتنصيص على مفهوم العدالة الانتقالية، خاصة خطبة حجة الوداع، بما فيها من حديث عن فتح صفحة جديدة وتجاوز أخطاء الماضي.

– ويأتي التأسيس النبوي لهذا المبدأ من خلال خطبة الوداع كما نقلها الصحابة رضي الله عنهم بكلمات واضحة الدلالة نقلتها كتب السنة النبوية :
“..فَمَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ أَمَانةٌ فليؤُدِّها إلى مَنْ ائْتمَنَهُ عَلَيها، وإن كل ربا موضوع ولكن لكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون ، و قضى الله أنه لا ربا ، وإن ربا عمي العباس بن عبد المطلب موضوع كله وأن كل دم كان في الجاهلية موضوع وإن أول دمائكم أضع دم عامر ابن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب ، فهو أول ما أبدأ به من دماء الجاهلية ، وإن مآثر الجاهلية موضوعة غير السدانة والسقاية والعمد قَوَدٌ ، وشبه العمد ما قتل بالعصا والحجر وفيه مائة بعير فمن ازداد فهو من الجاهلية..” الحديث .

ولا أدري لماذا لم يثر الباحثون الحقوقيون وطنيا ودوليا أثناء النقاش حول تاريخ التأسيس لمفهوم العدالة الانتقالية هذه الآثار النبوية التي يجب أن تكون مرجعا للباحثين خاصة المسلمين منهم إذ يقف البعض في خطبة الوداع على مدلول قوله صلى الله عليه وسلم “..إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم..” دون غيرها من الخطبة الكريمة الغنية بقيم ومبادئ حقوق الإنسان، فقد أن النبي بدأ فيها بنفسه متنازلا عن ثأر عائلته وحقوقهم المالية في حقبة ماضية، ..وأود من خلال هذه المقالة البسيطة إثارة هذا الأمر لدى المؤسسات الجامعية الوطنية لعلنا نحظى ببحوث أكاديمية تنفض الغبار عن بعض كنوز السنة النبوية التي أصبح البعض يشطب عليها لمجرد فهمه السقيم أو اعتمادا على تفسير فقيه من السلف أو الخلف، ..ولست أرى في ديننا الحنيف ما يمكن به تبوأ مكانته التي من أجلها بعث الله رسله، سوى بهذه الأخلاق الرفيعة التي قال فيها عليه الصلاة والسلام : إنما بعثت لأتمم مكارم الاخلاق .

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين وإنما عن رأي صاحبها

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x