لماذا وإلى أين ؟

الدروس السياسة للمقاطعة

قد يبدو ظاهريا أن للمقاطعة بعد اجتماعي ضد غلاء الأسعار، و ارتفاع تكلفة العيش بالمغرب، إلا أنها في الآن ذاته ذات أبعاد متعددة، تتغير كلما اتسعت رقعة الزيت التي خلفتها المقاطعة.هي تعبير شعبي عن رفض كافة أشكال الاغتناء الفاحش للبعض، يقابله تفقير للفقراء، مشكلا ذلك هوة واسعة بين قمة الهرم و قاعدته.

هذا ما يبرز اصطداما على أشده، تتزعمه الطبقة المتوسطة و معها الأسر الشعبية الفقيرة، التي تكابد شظف العيش في ظل ظروف تزداد وطأتها مع الأيام، و يتأكد جليا في الشعبية التي حظيت بها المقاطعة بين مختلف شرائح المجتمع من مختلف الفئات العمرية، هذا الإجماع الشعبي، إن دل على شيء فإنما يدل على أن السيل وصل الزبى، و صبر المجتمع طيلة سنوات، نفذ منسوبه، في خضم واقع لا يتحسن بل يتراجع إلى الخلف يوما بعد يوم.

هذا في الجانب المتعلق بالبعد الاجتماعي للمقاطعة الشعبية، أي صدام حتمي بين طبقة برجوازية تعيش البذخ ، و طبقة مسحوقة تصارع يوميا من اجل البقاء، لكن ما أضفى البعد السياسي على المقاطعة، يتجلى خصوصا في كوّن بعض المستهدفين من حملة المقاطعة هم ساسة لهم وضعهم الاعتباري في المشهدين السياسي و الاقتصادي معا ، و الذي اعتبره المواطن البسيط زواج غير شرعي بين السلطة والمال، أفرز وضعية شاذة، كانت على الدوام محط جدال مستمر، وعليه فإن المقاطعة كانت رد فعل طبيعي إزاء وضع غير طبيعي بالمرة.

هؤلاء الساسة أخطئوا التقدير السياسي بل خانهم تقديرهم لمرحلة شديدة الحساسية، كهاته التي طبعتها المقاطعة الشعبية، و بدل التفاعل الإيجابي،للاحتواء الوضع قبل انفجاره، تملصوا من المسؤولية غير عابئين تماما ، لما ينادي به أفراد الشعب، و هذا رد فعل طبيعي لسياسيين جاؤوا إلى قطار السياسة بمظلة التقنوقراط، آخر شيء يشغل بالهم هو الشعب، لان في اعتقادهم أن من يقبع في القاع، مجرد مفعول بهم، لكن مع تطور وسائط التواصل الاجتماعي، و سهولة الولوجية إليها، صار للرأي العام سلطة مقتدرة، لا ينبغي تجاهلها أي كانت الظروف.

نهاية هؤلاء الساسة، صارت مع تطورات الأحداث الأخيرة، تحصيل حاصل، وأضحى من العبث جدا، الاعتقاد بإمكانية تحقيقهم لأي اكتساح انتخابي خلال الانتخابات القادمة.مسار الثقة، انتهى قبل أن يبدأ، وسقطت الثقة من أغراس أغراس، شانه في ذلك شان مسار الإصلاح في ظل الاستقرار الذي ذبل مع نهاية الربيع، و انهارت كل أركان الإصلاح في أول اختبار شعبي له.

في مقابل كل هذا، يصدق المثال الشعبي السائد،مصائب قوم عند قوم فوائد، و هو ما ينطبق حرفيا،على وضعية حزب الاستقلال الذي اختار المعارضة الوطنية الصادقة كما جاء في بيان المجلس الوطني للحزب الاستقلال، لكن يبقى التساؤل القائم الْيَوْمَ، هل يستطيع حزب الاستقلال بقيادة القوة الهادئة نزار بركة، من قيادة المرحلة القادمة؟ خصوصا و أن المرحلة الأخيرة، التي قادها حزب الاستقلال، خلال رئاسة الحكومة على عهد عباس الفاسي، أفرزت مكاسب كبيرة للمجموع الطبقات الشعبية( التوظيف المباشر،زيادة في الأجور ٦٠٠درهم للموظفين….) و تلتها مرحلة قاتمة من تاريخ البلاد، سجلت تراجعات خطيرة على المستوى الاجتماعي.

وعليه حسب قراءات عديدة فالمجال أضحى مفتوحا للحزب الاستقلال، كبديل مفترض، في سياق سياسي كشف ترهل أغلب الكيانات السياسية، التي كانت إلى وقت جد قريب، تشكل مفاتيح المستقبل السياسي في ظل التراجع المضطرد لشعبية حزب العدالة والتنمية.

*كاتب راي

 إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين و إنما تعبر عن رأي صاحبها حصرا.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x