لماذا وإلى أين ؟

رسالة مفتوحة إلى نواب المشتركة

إبراهيم عبدالله صرصور*

جاءت زيارة نتنياهو “غير العادية” و “غير البريئة” الى مدينة الناصرة الأربعاء الماضي، لتضع الأمور في نصابها من حيث أنها كشفت مدى هشاشة مناعتنا تجاه التحديات الكبرى التي تواجه مجتمعنا العربي الفلسطيني في الداخل من جهة، وعمق ازمتنا الداخلية التي تكشف في الكثير من الأحيان الخلل الخطير في ثقافتنا السياسية التي ما زالت تقدم الاعتبارات “الحزبية” الضيقة على الاخرى “الوطنية” الجامعة، فترى أحزابنا وحركاتنا السياسية تسقط في الامتحان المرة تلو الأخرى دون ان يرف لها جفن، ودون ان تشعر بالخجل من نفسها ومن شعبها، ودونما اكتراث لما سيسجله التاريخ عنها في قادم الأيام، وما ستذكره الأجيال عنها في قادم السنوات من جهة ثانية، وما ستسببه من خيبات امل ويأس قد توصل لردود فعل لا يمكن التنبؤ بنتائجها من جهة ثالثة..

لن تخدع كل الالاعيب الحزبية “الطفولية” بعد الان شعبنا الذكي، فصورة الصدامات مع الشرطة خارج قاعة الاجتماعات في الناصرة التي بث فيها نتنياهو سمومه، وروج لأكاذيبه، واستباح كرامة الجميع أحزابا وشعبا، بقدر ما جسدت “روح المقاومة السلمية والعنيدة” لدى شعبنا، فإنها جسدت في الوقت ذاته “صبيانية” الأحزاب والتي بدل ان تجعل من هذا الحدث رافعة لتعزيز وحدتها وتجاوز ازمتها، ورص صفها، جعلتها بسبب “قبليتها التنظيمية” و – “ثاراتها الحزبية” سببا في تعميق الازمة داخل المشتركة، وربما القضاء على آخر فرصة لرأب الصدع، الأمر الذي خدم نتنياهو وحقق له ما أراد من زيارته من حيث انه “ساق” احزابنا الى “فخه” التي نصبه لها فظهرت – مع الآسف – في أسوأ مشهد.. فبدل ان تُوجه السهام موحدة الى صدر نتنياهو وسياساته، حولها البعض الى صدور شركائه مهنئا بذلك نتنياهو – من حيث علم او لم يعلم – ب– “نجاح!!”حملته “الميمونة!” لضم مجتمعنا العربي الى نادي “قطيع!!” المطبعين من الدول العربية من جهة، وتعميق الأزمة داخل صفوفه تحقيقا لسياسته “فرق تسد!” من جهة اخرى…

الملفت للانتباه ان نتنياهو في خطابه اثناء الزيارة قد تحدث عن “مشاريعه” الوهمية طبعا التي يعكف على اعدادها لحل أزمات المجتمع العربي،لم يذكر النواب العرب والقائمة المشتركة بكلمة إيجابية واحدة فهم– في النهاية – الذين يضعون الخطط والبرامج والمشروعات أمام الحكومة رئيسا ووزراء وموظفين، وما المشروعات: مكافحة العنف، التنظيم والبناء، مكافحة الفقر والاعتراف بالقرى العربية غير المعترف بها في إسرائيل، التي كثر الحديث حولها في الفترة الأخيرة، وتسابقت الأحزاب الى الاعلان عن تحقيق انتصارات وهمية بصددها أيضا، الا دليل على ذلك.. على العكس تماما، فقد شن نتنياهو حربا شعواء ضد المشتركة ونوابها جميعا بلا استثناء، وحَرَّضَ عليها، وخاطب المجتمع العربي من فوق رؤوس نوابها جميعا في تحد سافر، وأخشى ان تجد اكاذيبه آذانا صاغية إذا لم تسارع المشتركة للمصالحة مع شعبها، واثبات جدارتها بدعمه وتأييده مرة أخرى!… لن يرى نتنياهو ولا ساعر ولا غانتس ولا لبيد ولا بينيت، في المشتركة شريكا شرعيا يوما ما، ومن يظن غير ذلك فهو واهم! لذلك قدرنا ان نتحمل مسؤولياتنا على مستويين. الأول: تعزيز الوحدة ورعايتها وصيانتها وتطويرها.. الثاني: الاستعداد للتعامل مع أي حكومة قادمة بدرجة عالية من الشموخ والانفة جنبا الى جنب مع درجة عالية من الحكمة والمهنية والاحترافية والذكاء والدهاء..

قيل ان الشعوب العربية بما فيها الشعب الفلسطيني “عباقرة” في تفويت الفرص، الا انني لم ار أحدا اكثر تفويتا لفرص نهضته وانطلاقه من أحزاب وحركات مجتمعنا العربي الفلسطيني في الداخل الفلسطيني الذي وإن كان يواجه منذ النكبة أزمات تتوالد كالنمل بفعل سياسات التمييز العنصري والقهر القومي التي مارستها وما زالت تمارسها حكومات إسرائيل المتعاقبة، إلا أنه كغيره من شعوبنا العربية وشعبنا الفلسطيني، ما زال ينشغلبالصراعات البينية تحت رايات يحسبها الظمآن ماء، وما هي الحقيقة الا أوهام عششت في عقول الأحزاب فجعلتها حبيسة نفسها رغم كل ما تدعيه من دفاع عن الحق والعدل والحرية والكرامة..

بالرغم من كل ذلك، ما زال عندي بصيص أمل في قدرة المخلصين من شعبنا واحزابنا وحركاتنا على كنس ما ران من سلوكياتها وممارساتها التي زرعت طريق المصالحة والانطلاق والنهوض بألغام وكمائن توشك ان تهد البيت فوق رؤوس ساكنيه جميعا… من هنا جاءت رسالتي هذه لتضع ما يمكن أن أسميه “خارطة طريق” لخروج آمن للمشتركة من أزمتها الحالية بعيدا عن “التنظير” وذلك بعدما سئمت غرق احزابنا في “التنظير الرخو” الذي يفتقد الى العمود الفقري القوي القادر على اسناد جسدها المتهاوي…

الاخوات والإخوة نواب المشتركة المحترمين..

اتابع مع شعبي التواق الى الاستقرار والامن والتقدم والازدهار، بقلق كبير التدهور الخطير في الأشهر الماضية في علاقات مكونات الأحزاب المشكلة للقائمة المشتركة التي نعتبرها من أجمل إنجازات شعبنا الوطنية..

يحز في نفوسنا ان تنزلق الأمور الى حد تكاد معه الأطراف تفقد السيطرة على الاحداث التي تتسارع حتى تكاد تفلت من ايدي من نتوقع منهم ان يُحْكِمُوا السيطرة عليها حماية للمنجز الوطني، وصيانة للإطار السياسي الجامع الذي مَرَّ في مخاضات كثيرة وخطيرة رأينا جميعا نتائجها الكارثية منذ تشكلت المشتركة في العام 2015 وحتى الآن..

بعد حوارات اجريتها مع كل مكونات المشتركة وقياداتها وعدد كبير من ناشطيها، إضافة الى حديثي الى عدد من قيادات المجتمع العربي، وجدت الحرص من الجميع على وحدة المشتركة لما تشكله من إنجاز وطني كبير، ولما حققته من نقلة نوعية كان لها أثرها الإيجابي على سلوك مجتمعنا الذي بدأ يتصرف كشعب وليس كفتات شعب، الامر الذي أكسبنا مكانة على المستوى المحلي والإقليمي والدولي، جعل منا مجموعا وطنيا مسموعا يحظى بالاحترام والتقدير، ويستحق الدعم والتأييد لحقوقه المدنية والسياسية المشروعة، إضافة الى الالتفاف والتأييد الشعبي غير المسبوق الذي رفع التمثيل العربي الفلسطيني في الكنيست الى مستويات غير مسبوقة أيضا، وهو التمثيل الذي استفادت منه كل الأحزاب بلا استثناء…

بناء عليه، وحرصا مني كمواطن بسيط كانت له مساهمته المتواضعة عبر سنوات في صناعة هذا الإنجاز، ولا اطيق ان اظل مكتوف الايدي وانا اراه يكاد ينهد امام ناظري، فقد سمحت لنفسي بعد ان قلبت نقاط الاتفاق والاختلاف التي سمعتها من جميع الأطراف، ان اتقدم اليكم بهذه الاقتراحات لعلها تجد طريقها لتكون جزءا من برنامج المشتركة السياسي، فتشكل السياج الحامي لوحدتنا، والقاعدة التي يتعايش معها الجميع بسلام تحت راية المشتركة التي لا يجب التفريط فيها بحال من الأحوال…

بعد ان عدت الى البرنامج السياسي للمشتركة، وبعد دراستي له مجددا، وتأملي في بنوده ومواده معمقا، وبناء على ان الحكمة تقتضي المرونة في التعامل مع الواقع الذي انزلقت اليه المشتركة لأسباب لا تخفى عليكم، رأيت من المناسب ان اقترح عليكم ادخال النقاط التالية في البرنامج السياسي (الديباجة) كمخرج للازمة الحالية:

(1)
تؤكد المشتركة على احترامها الكامل لعقائد واديان واعراف وتقاليد مجتمعها العربي، على اعتبارها جزءا أصيلا من هويتها المكونة لشخصيتها الدينية والوطنية التي تعتز بها المشتركة وتعمل على صيانتها وحمايتها ما استطاعت الى ذلك سبيلا..

(2)
تحتفظ الأحزاب المكونة للمشتركة منفردة او مجتمعة بحقها الكامل في تحديد مواقفها تجاه مشروعات القوانين والسياسات بما ينسجم مع هوية المجتمع من جهة، وقناعاتها الدينية والعقائدية من جهة اخرى..

(3)
تؤكد المشتركة على انها جسم سياسي منحاز تماما لقضايا مجتمعه العربي الفلسطيني، وقضايا شعبه وأمته فقط، ويمثل المجتمع العربي الفلسطيني وحقوقه المشروعة، ويعبر عن تطلعاته في الحرية والكرامة والازدهار والعيش الكريم في وعلى ارض وطنه الذي لا وطن له سواه..

(4)
تؤكد المشتركة على حرصها الشديد على التعاون مع كل من يتفق معها في تطلعاتها وبرنامجها السياسي، وبما لا يخل بثوابتها الدينية والوطنية.. كما وتؤكد على حقها في انتزاع حقوق مجتمعها العربي الفلسطيني المدنية والسياسية، والفردية والجماعية، المستمدة من حقه المشروع كمجتمع اصلاني، وكمجموع وطني له كامل الحقوق على قاعدة المواطنة الكاملة حسب القانون.

(5)
تؤكد المشتركة على نهجها الديموقراطي في إدارة شؤونها، واتخاذ قراراتها في القضايا السياسية الاجتهادية المستجدة، وتعتمد لحسم موقفها منها أسلوب الاجماع و/أو التوافق و/أو التصويت، وتعتبر قراراتها ملزمة لكل مكوناتها..

(6)
تؤكد المشتركة على حرصها الشديد على تمثيل قضايا مجتمعها وشعبها بكل شموخ وكبرياء، وبكل مهنية وإبداع، وأن تسعى لتكون لها خططها السنوية المحددة ذات الوزن النوعي الذي يتجاوز الإنجازات الفردية مهما كانت أهميتها، الى الإنجازات الاستراتيجية الجماعية التي يتوق اليها مجتمعها العربي وفي كل المجالات الملحة والقضايا الساخنة.

(7)
تؤكد مكونات المشتركة الأربعة على التزامها الكامل ببرنامجها السياسي على انه المرجعية الحاكمة للجميع، كما وتؤكد حرصها على الاستفادة من تجارب الماضي، والسعي لإدارة شؤونها، وتجنب الازمات التي تؤثر سلبا على مصداقيتها وسمعتها وثقة الجماهير فيها..

(8)
تؤكد المشتركة على ان الإنجازات التي يحققها نوابها كلٌّ في موقعه هي إنجازات جماعية، وعليه تحرص على ان تكون بياناتها حاملة للروح الوحدوية، وتصدر باسم المشتركة بعد اطلاع المكونات عليها وتوقيعها عليها، الامر الذي يكفل تعزيز العمل المشترك، والتقليل من التناقضات والاحراجات، وتقديم “المصالح الوطنية العليا الجامعة” على “المصالح الحزبية الضيقة”..

الاخوات والاخوة نواب المشتركة الاعزاء..
كلي ثقة وأمل في ان تلقى اقتراحاتي القبول من مكونات المشتركة الأربعة، وان تكون الأساس التي ينعقد عليه اجتماعها الفوري حتى تاريخ أقصاه نهاية الأسبوع، من اجل ترتيب الأوراق والخروج الى الجماهير المتعطشة لسماع خبر الاتفاق.. لم يعد هنالك أي مبرر لاستمرار الازمة، وآن الأوان لارتفاع الجميع الى مستوى المسؤولية.

*الرئيس السابق للحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين وإنما عن رأي صاحبها.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x