لماذا وإلى أين ؟

مغاربة هولندا.. ضحايا موجات الاتهام وخطاب الكراهية

تنامي دعوات التحريض على الكراهية والتمييز ضد أفراد الجالية المغربية المقيمة بالأراضي المنخفضة (هولندا)، في أعقاب أعمال الشغب غير المسبوقة التي يعرفها هذا البلد الأوروبي في الآونة الأخيرة، يُسائل الأدوار المنوطة بالبرلمان المغربي ووزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج وكذا مجلس الجالية المغربية بالخارج، وذلك بنفس القدر والمستوى الذي يسائل فيه مدى اضطلاع السلطات الهولندية بحماية الجاليات الأجنبية المقيمة فوق أراضيها.

الجالية المغربية في قفص الاتهام.

فور اندلاع الشرارة الأولى لأعمال الشغب والتخريب التي تسببت فيها القرارات التي اتخذتها الحكومة الهولندية، في سياق مواجهتها للموجة الثانية لتفشي جائحة كوفيد-19، وجدت الجالية المغربية نفسها، مرة أخرى، في قفص الاتهام، بالتساوي هذه المرة، أو بدرجة أكثر بعض الشيء، مع نظيرتها المنحدرة من أصول تركية.
ولم تتوقف حملات الوصم والتخوين عند حدود الاتهام الشعبي أو الإعلامي، الذي يصدر في كثير من التوترات الاجتماعية المماثلة عن الأوساط اليمينية المتطرفة، بل انخرطت في موجة الاتهام الجديدة جهات سياسية وحزبية، مما أكسبها بعدا ممنهجا يسائل في جوهره مدى جدية السلطات الرسمية الهولندية في حماية الأقليات والجاليات الأجنبية.

ودأبا على عادته، بادر السياسي الهولندي Geert WILDERS بإلقاء المسؤولية في أعمال الشغب الخطيرة وموجات التدافع الجماهيري الأخيرة نحو الشوارع العامة على أفراد الجالية المغربية، دون انتظار مآلات ونتائج الأبحاث القضائية، مفترضا بالجزم “يقينية الإدانة في المواطنين الهولنديين من أصول مغربية”، ومطالبا في نفس السياق ب”نشر قوات الجيش” لاحتواء رقعة الاحتجاجات التي لازالت تواصل الانتشار في مختلف المدن الهولندية.
وقد أفرد الموقع الإخباري الهولندي (NRC.NL)، بتاريخ 25 يناير الجاري، حيزا كبيرا لتحليلات Geert WILDERS التي ازدرى فيها مواطنيه المنحدرين من أصول مغربية بقوله “المجرمون المغاربة يشتطون ويتعسفون على ضيافة الأراضي المنخفضة”. وقد لقيت هذه التصريحات العدائية، والموسومة بالتحريض على العنف والكراهية والتمييز، صدى كبيرا في وسائط الاتصال الجماهيري والمنصات التواصلية الهولندية، لدرجة أن العديد من الحسابات الافتراضية طالبت” قوات حفظ النظام والأجهزة الأمنية الهولندية بطرد الهولنديين من أصول مغربية من الأراضي المنخفضة”.

الشغب.. يهدد بتقسيم المجتمع

أفرزت دعوات التحريض والكراهية التي لازالت تتصاعد في أوساط السياسيين والإعلاميين الهولنديين، في أعقاب موجات الشغب الأخيرة المرتبطة بالسياسات العمومية المرتبطة بتدبير الجائحة، سجالا مجتمعيا حادا ينذر بانقسام المجتمع الهولندي. ففي الوقت الذي تتعالى فيه حملات الوصم والاتهام التي تستهدف المواطنين الهولنديين المنحدرين من أصول مغربية، وتتعامل معهم كمذنبين ومجرمين إلى أن يثبت العكس، برزت في المقابل تدوينات ومواقف متباينة ترفض هذا العداء المبدئي، وتبدي “أسفها وامتعاضها من أن يكون المغاربة دائما هم المتهمون بكل الأوجاع والتوترات التي تعرفها الأراضي المنخفضة”.

وفي سياق ذي صلة، استعرضت جريدة de Volksrant في عددها ليوم الاثنين المنصرم شهادات تؤكد ” أن الصور والمقاطع الخاصة بأحداث الشغب توثق بشكل واضح لغياب المغاربة وتورط فقط الهولنديين”. ورغم أن هذه الشهادات تنفي المسؤولية عن الجالية المغربية في موجات العنف المتصاعدة، إلا أنها تؤكد من حيث لا تدري وجود ” انقسام يهدد المجتمع الهولندي”، لأنها تنطوي على تمييز واضح بين الهولندي من أصل مغربي من جهة وغيره من المواطنين الهولنديين من جهة ثانية.

وفي الوقت الذي نشر فيه الموقع الإخباري الهولندي Ad.nl، بتاريخ 28 يناير الجاري، مقالا يتوعد فيه من سماهم ” شباب المشاكل في مدينة Oosterhout بأنهم سينتظرون زيارات للشرطة في ناظر الأيام القادمة”، فقد انخرط أئمة المساجد في حملة للوعظ والإرشاد لإبعاد الجاليات المسلمة عن أحداث الشغب والنأي بهم عن موجات الوصم والتخوين. فقد كتب نفس الموقع الإخباري ” أن الأئمة والوعاظ يدعون الشباب لعدم المشاركة في موجة الاحتجاجات”.

وقد أثارت التصريحات العدائية التي تطال أبناء الجالية المغربية بهولندا موجة من التدوين الافتراضي الرافض والمستهجن للأوساط السياسية والحزبية والإعلامية التي توفر البيئة المواتية لانتعاش خطاب الكراهية والانقسام، بل إن بعض المغردين ذهبوا بعيدا وشبهوا تصريحات ومواقف Geert WILDERS بخطابات التقسيم والتفرقة التي كانت تطلقها، في سنوات الثلاثينات والأربعينات أيام الانتداب البريطاني لفلسطين، منظمتي “الأرغون” و”الهاغاناه”، وهما على التوالي المنظمة العسكرية القومية وجيش الوكالة اليهودية.
وفي موقف مماثل، شجب العديد من نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي ما وصفوها ب” ازدواجية التعامل الشعبي والرسمي الهولنديين” مع أفراد الجالية المغربية المقيمة بهذا البلد، “إذ يتم الاحتفاء بهم عند نجاحهم وتفوقهم في المجال السياسي والرياضي والثقافي، بينما يتم التعاطي معهم كمشجب وشماعة لتعليق كل المشاكل والتوترات التي تعرفها بلاد طواحين الهوى”. أكثر من ذلك، فقد اتهم مدون على موقع فايسبوك السياسيين الهولنديين ب” المتاجرة بأفراد ومصالح الجالية المغربية، إذ يتم التظاهر بالدفاع عنهم للتدخل في الشؤون الداخلية للمغرب، كما وقع في خضم أحداث الحسيمة في سنتي 2016 و2017، بينما يتم التخلي عنهم وتعريضهم لموجات العنصرية والكراهية في الأحداث المسجلة فوق الأرض الهولندية”.

وقد طالب العديد من المتتبعين والمهتمين بهذا الموضوع، وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج بأن تبادر وتستدعي السفير الهولندي بالرباط، للتنديد بموجات العنف والكراهية المتصاعدة التي تستهدف مغاربة هولندا، وتسائله عن حزمة التدابير والإجراءات التي اتخذتها أو تنوي اتخاذها الحكومة الهولندية لضمان أمن وسلامة هؤلاء المواطنين الأبرياء. بل من المفروض، يضيف أحد المدونين، أن تقحم وزارة الشؤون الخارجية والتعاون سفير الاتحاد الأوروبي بالمغرب في هذا الموضوع، وذلك من منطلق أن “موجات الكراهية والتحريض على العنف هي مثل العدوى التي يخشى أن تتجاوز حدود هولندا لتشمل دولا أوروبية أخرى، لاسيما في ظل التقاعس المسجل في احتوائها في بعض البلدان الأوروبية”.

وشدد أصحاب هذا الطلب، على وجوب أن يضطلع البرلمان المغربي أيضا بمسؤولياته في الإحاطة بهذا الموضوع، من منطلق صلاحياته التشريعية والرقابية على أعمال الحكومة، موجهين الدعوة في نفس الصدد لمجلس الجالية المغربية المقيمة بالخارج.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

1 تعليق
الأكثر تصويتا
أحدث أقدم
Inline Feedbacks
View all comments
ملاحظ
المعلق(ة)
29 يناير 2021 19:52

لاحظ اعمي احمد الزفزافي كيف كان التعامل امس من هولندا وهاهم اليوم نجد يصف الجالية بالمجرمين واخرون بلعوا السنتهم اذن ايهما ارحم عمي. المغرب لا يمكن ان يفرط في ابنائه جميعا وحتى العاقين منهم. نتمني ان تاخذوا الدرس عندما تفكرون في الاستقواء بالاجنبي على بلدكم.

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

1
0
أضف تعليقكx
()
x