2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]
في واقعة نادرة، دخل المجلس الأعلى للسلطة القضائية على خط الحكم الصادر عن ابتدائية الرباط، الذي قضى بمؤاخذة الأستاذ الجامعي والحقوقي، المعطي منجب، بسنة حبسا نافذا، معبرا (المجلس) عن رفضه التام “لكل المزاعم والمغالطات بخصوص هذا الحكم”، والتي تروم بحسبه إلى “تسييس قضية مرتبطة بالحق العام والمس بالاحترام الواجب للقضاء”.
ذات المجلس عبر في بلاغ صادر عنه على “حرصه الجاد على اتخاذ كل الإجراءات والتدابير القانونية ضمانا لاستقلال السلطة القضائية وحيادها، وصونه لكرامة وهيبة قضاتها التي تبقى في المقام الأول حصنا وحقا للمتقاضي وضمانة أساسية للمحاكمة العادلة”.
بلاغ المجلس الأعلى للسلطة القضائية حول قضية مازال القضاء لم يصدر فها حكمه النهائي، طرحت أكثر من تساؤل حول ما إن كان سيترتب عنه (البلاغ) تبعات قد تؤثر على القضية التي أدين على خلفيتها، ابتدائيا، وتشوش على التحقيق الذي يخضع له منجب، الموجود رهن الاعتقال الاحتياطي، “بشأن الاشتباه في ارتكاب أفعال تكون عناصر جريمة غسل الأموال”.
محمد الزهاري، الدكتور في القانون الدستوري والعلوم السياسية، والرئيس السابق للعصبة المغربية لحقوق الإنسان، أن هذا البلاغ الصادر عن مجلس أعلى للسلطة القضائية “زاد من تعقيد القضية، وأضفى عليها الطابع السياسي”، مؤكدا في حوار أجرته معه “آشكاين”، أن “اختصاصات المجلس الأعلى للسلطة القضائية واضحة في القانون التنظيمي والنظام الداخلي، ولا تمنحه صلاحية إصدار بلاغات بخصوص قضايا رائجة أمام محاكم المملكة”.
نص الحوار كاملا:
كيف تقرؤون بلاغ المجلس الأعلى للسلطة القضائية بخصوص الحكم الصادر في حق الأستاذ الجامعي والحقوقي المعطي منجب؟
يبدو أن هذا البلاغ الصادرعن المجلس الأعلى للسلطة القضائية زاد من تعقيد القضية، وأضفى عليها الطابع السياسي ، وأكد الإحراج الكبير الذي تعيشه الجهات التي دفعت بالملف إلى هذا المستوى وما زالت تصر على تمرير وقائع على غير حقيقتها. فإضافة إلى أن الاختصاصات الموكولة إلى هذه المؤسسة الدستورية بموجب القانون التنظيمي رقم 13-100 المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية لا يوجد بينها إصدار بلاغات بخصوص قضايا رائجة أمام أنظار محاكم المملكة، فقد طرح هذا البلاغ إشكالات كبرى على مستوى تدخل المجلس في السير العام والعادي للجلسات ، وتقييمها في تجاه شرعنة ما قد يصدر عن المحاكم من أحكام مازالت خاضعة للإستئناف والنقض .
ولا أعرف هل المجلس اجتمع في دورة استثنائية طبقا لمنطوق المادة 58 ، بمعنى هل اجتمع بصفة صحيحة بحضور 14 عضوا ، أو تم عقده بحضور 10 أعضاء خلال اجتماع ثان ، ليتداول في القضية ويدلي الأعضاء بموقفهم بخصوص النازلة ؟ على الأقل حتى يمارس الأعضاء الذين لهم رأي مخالف حقهم ويطالب بعضهم بتسجيل رأيه طبقا لمقتضيات الفقرة الأخيرة من نفس المادة .
وعلى الأقل كان على الرئيس المنتدب تحمل مسؤوليته باعتباره الناطق الرسمي بإسم المجلس طبقا لمقتضيات المادة الثالثة من النظام الداخلي للمجلس المنشور بالجريدة الرسمية بتاريخ 9 نونبر 2017 للتعبير عن رأيه، وليس إقحام مؤسسة دستورية في صراع يحظى بمتابعة واسعة داخل المغرب وخارجه من منابر إعلامية ومنظمات حقوقية، وقد تصدر فيه قرارات أو آراء من هيئات أممية تعاقدية أو مساطر خاصة .
في نظري هذا البلاغ مخالف لمقتضيات القانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية و أكد الطابع السياسي لمتابعة الأستاذ منجب سواء التي صدر الحكم الابتدائي الغيابي بخصوصها أو الثانية المعروضة على السيد قاضي التحقيق.
لماذا لم نرى بلاغات مماثلة للمجلس الأعلى للسلطة القضائية في في قضايا أخرى مشابهة ؟
أؤكد أن اختصاصات المجلس الأعلى للسلطة القضائية واضحة في القانون التنظيمي والنظام الداخلي ، ولا تمنحه صلاحية إصدار بلاغات بخصوص قضايا رائجة أمام محاكم المملكة، والبلاغ سيحمل موقفا بأي شكل من الأشكال، وسيعتبر توجيها للقضاء إذا ما علمنا بالمقابل الاختصاصات المهمة التي منحها المشرع في القانون التنظيمي والمتعلق بالمسار المهني لنساء ورجال القضاء.
وإذا كان ولا بد من إصدار بلاغ أو رأي أو تقرير فيجب أن يكون مطابقا لمقتضيات المادة 108 من القانون التنظيمي والتي تخول للمجلس أن يضع “بمبادرة منه تقارير حول وضعية القضاء ومنظومة العدالة ، ويصدر التوصيات الملائمة بشأنها” وأن تتضمن هذه التقارير بصفة خاصة المقترحات الرامية إلى عدد من الأمور ومنها كما جاء في منطوق المادة :” دعم حقوق المتقاضين والسهر على حسن تطبيق قواعد سير العدالة” . فالمجلس أصلا وضع لدعم حقوق المتقاضين ومنهم ، على سبيل المثال لا الحصر، سليمان الريسوني والمعطي منجب وعمر الراضي وهاجر الريسوني وتوفيق بوعشرين و حميدالمهدوي .. ومعتقلي حراك الريف.. وغيرهم من المواطنين المغاربة تحقيقا لشروط وضمانات المحاكمة العادلة .
فالمجلس مطالب بتقديم رأيه ضمن التقرير الموضوعاتي بعد تناوله لكل القضايا ومنها ما ذكرت.
وأظن أن الأمور كانت واضحة ومتناقضة مع ما جاء في مضمون البلاغ ، كما أكد ذلك دفاع المعطي منجب. فهيئة الحكم التي أدانت المعطي منجب ومن معه اجتمعت بداية من الثالثة والنصف يوم 20 يناير الماضي ، والمعطي منجب مازال بالتحقيق أو على وشك الانتهاء من جلسته. وحسب دفاعه لا وجود لتبليغ قانوني بتاريخ وساعة ومكان الجلسة، علما أن النيابة العامة بنفس المحكمة تعرف جيدا أن الأستاذ المعطي معتقل ويتم التحقيق معه بخصوص مزاعم تهمة غسل الأموال.
ما وقع مخالف تماما لمقتضيات المواد 299 و 307 و309 و312 من قانون المسطرة الجنائية ويشكل فضيحة أساءت مع كامل الأسف لمنظومة القضاء ، وضربا لمشروع إصلاح منظومة العدالة الذي صرفت حوله ملايين الدراهم.
هل سيكون لهذا البلاغ تأثير على القضاء الواقف والجالس في القضية التي يتم التحقيق فيها مع المعطي منجب ؟
في نظري وكما أكدت في السابق المجلس أحدث لدعم حقوق المتقاضين وليس العكس، فرأي المجلس الذي يجب أن يصدر وفق القانون يجب أن يحقق حسن سير قواعد العدالة كهدف أسمى، ومنسجما مع مقتضيات الدستور، وأهداف الحراك المجتمعي الذي تميز بحضور وازن لصوت نساء ورجال القضاء خاصة بعد تأسيس نادي قضاة المغرب في غشت 2011 .
الحركة الحقوقية اليوم تطالب من المجلس الأعلى للسلطة القضائية أن يعد تقارير وتوصيات تتعلق بحماية المبدأ الدستوري المستند على المرجعية الدولية والمتعلق أساسا باحترام الآجال أو المدة المعقولة للتقاضي. فالفصل 120 من الدستور ينص على أنه “لكل شخص الحق في محاكمة عادلة، وفي حكم يصدر داخل أجل معقول”. وهو ما نصت عليه المادة 45 من القانون التنظيمي المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة “يحرص القاضي على البت في القضايا داخل أجل معقول، مع مراعاة الآجال المحددة بمقتضى نصوص خاصة”. وهو ما نصت عليه كذلك المادة 14 العهد الدولي لخاص بالحقوق السياسية والمدنية “لكل شخص الحق في محاكمة تتوفر فيها الضمانات الكافية خلال مدة زمنية معقولة أمام محكمة مستقلة وغير منحازة ومشكلة طبقا للقانون”.
فكيف لنا أن نتصور مسار هذه المحاكمة التي انعقدت عبر أزيد من عشرين جلسة منذ 2015 ، في ضرب لمبدأ الآجال المعقول، وفي الأخير يتم الحسم فيها في ظل هذه الظروف والتي حرمت كل المتابعين، باستثناء واحد، من حقهم في الحضور إلى الجلسة والدفاع عن نفسه، بل إن منهم من هو معتقل كحالة المعطي منجب أو من يوجد خارج أرض الوطن كحالة متابعين آخرين.
أتمنى أن يتم استحضار الحكمة في هذه القضية ، وإطلاق سراح الأستاذ منجب والصحفيين الريسوني والراضي وبوعشرين ومعتقلي حراك الريف، فالوطن محتاج إلى مصالحة ونفس حقوقي بجرعات إضافية من الحريات ، وصون كرامة المواطن ، والابتعاد عن توظيف القضاء في تصفية الحسابات.
… أنعود تدريجيا إلى ز من ولى !؟…
هل كان من العبث إنشاء لجنة الإنصاف و المصالحة ؟؟؟!!
لك الله يا وطني