لماذا وإلى أين ؟

طنجة السرية.. “يا لمزوق من برة أش خبارك من لداخل”

تحولت فاجعة طنجة التي راح ضحيتها 28 مواطنا ومواطنة، من مستخدمي معمل وصف بـ”السري” من لدن السلطات، إلى مجهر كشف عن خروقات قانونية ومآسي إنسانية يعيشها عمال في شكل عبودية، كسرت زيف الشعارات العمومية بكون طنجة أصبحت في مصاف المدن الاقتصادية الكبرى، وجسدت الحكمة الشعبية التي تقول: ” ألمزوق من برا أش خبارك من داخل”.

فما وقع بطنجة يوم الاثنين 09 فبراير 2021، أظهر للعالم أن هناك طنجة أخرى غير تلك التي يتم تسويقها في الإعلام العمومي، بشوارعها المنمقة وأنفاقها تحت أرضية الحديثة، ومبانيها الشاهقة، ووحداتها الصناعية التي تعد العمال بجنة الرفاهية.. إلخ.

الفاجعة أظهرت أن هناك طنجة “سرية” في نظر المسؤولين، بأحياء سرية منتشرة على أطراف المدينة، وساكنة سرية لجأت إليها من مغرب عميق، قاحل، لم تمطر فيه سماء التنمية غير وعود بتحقيق العدالة المجالية، وعمالة سرية  تشتغل خارج أي ضوابط للقانون، مكدسة في معامل  علنية توصف بالسرية، تشكلت بتواطئ العديد من المتدخلين، وأفرزت ظواهر قد تتحول إلى قنابل موقوتة وتؤدي إلى ما لا يحمد عقباه.

فمن يتحمل مسؤولية الفاجعة “السرية” التي أخرجت الواقع الحقيقي لطنجة إلى العالمية؟

مسؤولية الحكومة
إن أول من يتحمل المسؤولية في مصرع 28 من عمال وعاملات وحدة إنتاجية، هي السلطة التنفيذية، أي الحكومة من خلال الوزارة الوصية على القطاع، والمخول لها السهر على مدى تطبيق الإجراءات القانونية بالوحدات الإنتاجية، وتوفر السلع التي تروج بالأسواق المغربية، من منتوجات النسيج على المعايير المطلوبة فيها.

وفي واقعة فاجعة طنجة المسؤولية الحكومية يتحملها حفيظ العلمي، وزير الصناعة والتجارة والاستثمار والاقتصاد الرقمي والأخضر، لكون الوحدة الإنتاجية التي حصلت فيها الفاجعة تدخل ضمن تخصصه، وحسب ما صرح به شقيق صاحب هذه الوحدة، فإنها تتوفر على التراخيص اللازمة للاشتغال في قطاع النسيج، وهو نفس القطاع الذي طالما تباهى العلمي بكونه حقق المعجزة خلال فترة بداية اجتياح كورونا للمغرب وبواسطته تم تحقيق “معجزة” الكمامات.

فأين كانت مصالح الوزارة المذكورة عندما كان هذا المعمل ينتج سلعا، منها ما هو موجه للسوق الوطنية وأخرى للتصدير؟

ولماذا لم يتحمل العلمي مسؤوليته السياسية في مصرع 28 مواطنا ومواطنة، ولم يقدم لهم ولو اعتذار عن عدم حمايته لهم؟

بجانب العلمي، يتحمل المسؤولية ايضا زميله في الحكومة، الوزير المعجز، محمد أمكراز المشرف على قطاع الشغل، لكون هذا الأخير هو المسؤول عن مفتشيات الشغل والتي من اختصاصاتها السهر على تطبيق مدونة الشغل بالوحدات الانتاجية.

مسؤولية السلطات المحلية
من الشائع لدى المغاربة، أنه للسلطات المحلية عين لا تنام، والمتمثلة في شبكة كبيرة من أعوان السلطة ومعاونيهم والشيوخ، حتى أنه يستحيل القيام بأي نشاط، من قبيل بناء غرفة في سطح منزل أو ترميم جدران داخل بيت إلا وكان لهم علم بذلك، وهو ما أثار استغراب كل من اطلع على بلاغ السلطات المحلية لولاية جهة طنجة – تطوان – الحسيمة بكون الوحدة الصناعية التي شهدت مصرع 28 عاملا وعاملة “سرية”، مع تأكيده (البلاغ) أنها توجد “بفيلا سكنية بحي الإناس، بمنطقة المرس بطنجة”، وهو أحد أكثر الأحياء كثافة سكنية بطنجة، ويوجد على الطريق الرئيسية التي تفصل المدينة وتسمى بـ”طريق الرباط”.

على المستوى القانوني، جاء في الفصل 145 من الباب التاسع من الدستور المغربي ” يمثل ولاة الجهات وعمال الأقاليم والعمالات، السلطة المركزية في الجماعات الترابية. يعمل الولاة والعمال، باسم الحكومة، على تأمين تطبيق القانون، وتنفيذ النصوص التنظيمية للحكومة ومقرراتها، كما يمارسون المراقبة الإدارية”.
والنص المذكور أعلاه لا يدع مجالا للشك في كون السلطات المحلية تتحمل المسؤولية في مصرع 28 مواطنا ومواطنة، لكونها لم تؤمن تطبيق القانون، ولم تمارس المراقبة الإدارية.

مسؤولية السلطات المنتخبة
ما أن تقع فاجعة ما حتى يتحول المنتخبون من مستشارين وبرلمانيين إلى منافسين للمدونين والنشطاء الفيسبوكيين، وتمتلئ صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي بعبارات التعازي والاستنكار والمطالبة بالتحقيق فيما حدث.

سلوك هذه الفئة من المسؤولين العموميين قد يظهرهم أبطالا في عيون المواطنين، لكن الحقيقة هو تنصل من المسؤولية التي على عاتقهم تجاه المنتخبين، لكونهم مسؤولين على تدبير الشأن العمومي، ومن مهامه الترافع على قضايا المواطنين، والدفاع عن مصالحهم والعمل على التنبيه لما قد يهدد حياتهم.
فحسب الفصل 137 من الدستور المغربي، “تساهم الجهات والجماعات الترابية الأخرى في تفعيل السياسة العامة للدولة، وفي إعداد السياسات الترابية، من خلال ممثليها في مجلس المستشارين”، فيما ينص الفصـل 140على أنه ” للجماعات الترابية، وبناء على مبدإ التفريع، اختصاصات ذاتية واختصاصات مشتركة مع الدولة واختصاصات منقولة إليها من هذه الأخيرة”.

فهل قام هؤلاء المنتخبون بمسؤوليتهم القانونية؟ وهل مارس البرلمانيون مهامهم الرقابية ونبهو الحكومة إلى المخاطر التي تتربص بحياة عمال “سريين” دفعهم واقع الحال للقبول بالعمل في شروط اقرب منها إلى العبودية؟

يتعدد المتدخلون والمسؤولون فيما وقع بطنجة، وقبلها بالدار البيضاء، لكن السؤال المطروح، هل ستكون هذه الواقعة حدا فاصلا لسياسة الإفلات من العقاب، وتفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة؟
رحم الله “شهداء لقمة العيش” السريين منهم والعلنيين.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

2 تعليقات
الأكثر تصويتا
أحدث أقدم
Inline Feedbacks
View all comments
الرميد
المعلق(ة)
13 فبراير 2021 18:45

فهل قام هؤلاء المنتخبون بمسؤوليتهم القانونية؟ وهل مارس البرلمانيون مهامهم الرقابية ونبهو الحكومة إلى المخاطر التي تتربص بحياة عمال “سريين” دفعهم واقع الحال للقبول بالعمل في شروط اقرب منها إلى العبودية

🤣🤣🤣 اتذكر البيعة …

moh
المعلق(ة)
11 فبراير 2021 19:59

طيب اغفلت سلطة لم تقم بواجبها المتمثل في البحث عن المعلومة ونقلها الئ الرأي العام بأمانة وتجرد وشجاعة,اذا كان الكل لا يعترف بسرية المصنع فالسلطة الرابعة ستكون اول من يعلم وكان علئ منابرها ان تفضح عبر اجراء تحقيقات صحفية ولكن للاسف اعلبها مشاركة اما في التناطح الحزبي او تتسابق الئ البوز في قضايا فضح المؤخرات واخبار هززز با وززز,

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

2
0
أضف تعليقكx
()
x