لماذا وإلى أين ؟

أقصبي: فاجعة طنجة تجسيد واضح لفشل اختيارات النموذج التنموي (حوار)

إن حادثة مصرع 28 عاملا وعاملة، صباح يوم الاثنين المنصرم، بمدينة طنجة، أماطت اللثام عن واقع مُؤسِف لآلاف العمال المغاربة الذين يشتغلون في الخفاء عن القانون، وفي معامل تفتقر لأدنى مقومات الحماية الاجتماعية، مما أعيد النقاش من جديد داخل الفضاء العام عن الواقع الاقتصادي المغربي خاصة فيما يتعلق بـ”القطاع غير المهيكل”.

وللحديث أكثر هذا الموضوع الذي تداخلت فيه المحددات الاقتصادية مع ما هو سياسي واجتماعي، استضافت “آشكاين” نجيب أقصبي، خبير اقتصادي، وأستاذ التعليم العالي في معهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة في الرباط.

نص الحوار:
بداية، يمكن القول إن فاجعة طنجة ليست هي الأولى، كانت قبلها الدار البيضاء والصويرة، هل في رأيكم فشلت الدولة المغربية في اعتماد بديل اقتصادي، لسد البطون الجائعة لآلاف العمال المشتغلين في مصانع شبيهة بمعمل طنجة الذي تم وصفه بالسري؟

يُقال لنا أنه الآن هناك نقاش حول ما يسمى النموذج التنموي، في الحقيقة إن كان هناك تجسيد واضح لفشل اختيارات هذا النموذج هي فاجعة طنجة، إذ من بين المآسي التي تجسد الفشل هو ما يحصل الآن. لأنه في الحقيقة ما يسمى بالقطاع غير مهيكل، الذي تشير  إحصائيات دولية بأنه يُشغل ما يقرب من 80 في المائة من السكان النشيطين، وهذا القطاع في الأساس ما هو إلا وليد تطور نظام فشل، واختيارات اقتصادية فشلت، لأنه لو كنا قد استطعنا بناء قطاع منظم ومصرح به، ويخلق مناصب شغل مضبوطة ومصرح بها، بالكفاية، فلم نكن لنصل أبدا لهذا الوضع.

وحتى نُظهر العلاقة في ذلك، فإنه من بين الاختيارات الواضحة ما يُسمى بالتصنيع الهش (تصنيع المناولة)، الذي يعني أن مهمة ما يُسمى بـ”الإنتاج” هي التحويل الخفيف الذي يتطلب اليد العاملة، لا أكثر، مثلا فيما يخص قطاع النسيج، هناك الثوب يأتي من الخارج، مُفصل، مضبوط ومعه الخيط والأزرار وكل مستلزماته، في شاحنات مُقفلة تعبر بالجمارك المغربية، ليدخل المعمل، ليُضبط هناك، طيب أين القيمة المضافة هنا؟ هي اليد العاملة بأبخس ثمن.

المستثمرين الأجانب حين يلجون المغرب من أجل الاستثمار فهم يبحثون عن اليد العاملة بثمن بخس، غالبا لا يصل للحد الأدنى المتفق عليه في الأجور، وبدون حماية اجتماعية، ولذلك لمراكمة الأرباح وتلبية متطلبات الدول الأجنبية، وذلك على حساب اليد العاملة.

إذن، بناء على هذه المعطيات فنحن لا نتوفر على مصانع سرية في المغرب، بل مصانع على مرأى ومسمع الدولة المغربية، ربما لسد احتجاجات عدد كبير من العمال المشتغلين بمثل تلك المصانع؟

في الحقيقة، بالمغرب، لدينا كل شيء، إذ ما يسمى بالقطاع غير المهيكل نجد به كل شيء، به شركات ظاهريا إن جزء من نشاطها رسمي ومصرح به، لكنه الظاهر الذي يخفي ورائه وجها خفيا، إذ تجد لديهم عدد من الأنشطة الخفية غير المصرح بها، وهناك أيضا معامل خارج القانون، وخارج التصريح، كل هذا موجود في الاقتصاد المغربي. مثلا بالرجوع إلى معمل طنجة، فما رأيناه هو أنه مصرح به، ولكن من الواضح أنه لم يكن يحترم الحد الأدنى من شروط الوقاية، والسلامة، الشيء الذي يطرح المسؤولية على مصالح المراقبة، وعلى من أعطاها الترخيص للاشتغال في ظروف لا تحترم شروط السلامة، لأنه إن كانت كذلك فلا يمكن أنه في دقيقتين من انهمار المياه يغرق كل شيء.

هناك شروط واضحة، لا يمكن بناء عليها تقديم التصريح بدونها، وأنا كنت مسؤولا في جماعة الرباط، أعرف ذلك، لا يمكن تقديم ترخيص دون دراسة ملف شروط وظروف السلامة، إذا كما قلنا هناك مسؤولية كبيرة واضحة على من قدم الترخيص، ومن تواطئ معه..

طيب، لنوضح لقارئ “آشكاين” الأسباب التي تجعل رب العمل أو ما يُسمى “الباطرون” اللجوء لمثل هذه الطرق في العمل؟

هناك نقطتين، تتعلق الأولى باختيارات اقتصادية، التي راهنت على هذا النوع من التطور من التنمية، الاقتصاد الذي في الحقيقة لم يبحث لضمان تنمية القطاع الصناعي، لتغطي سلسلة الإنتاج من الأعلى إلى الأسفل، لأن هذا هو ما يسمى بالإنتاج الحقيقي، لكن للأسف نحن كل السلاسل الأولى للتصنيع تأتي من الخارج، وكل ما نتوفر عليه هنا هم وسطاء ما بين السوق الداخلي والخارجي وبين يد عاملة يقوم باستغلالها، لا يمكن القول إنه مصنع بالمعنى الحقيقي، وهو اختيار أبان عن فشله، وقدم المآسي وسيقدم المزيد من المآسي. ثم ثانيا إنه جشع النظام الرأسمالي، لكي كون واضحين.

في الوقت الذي حصلت فيه فاجعة طنجة، وتم تشميع المصنع، عملت السلطات المحلية في مدينة سلا كذلك على إقفال عدد من المعامل المشابهة لها، هل في ظل هذه الظرفية الاقتصادية التي نعيشها اليوم، كان إقفال المعامل هو الحل الصائب؟

إن ما نعيشه اليوم هو نتيجة اختيارات كانت كما قبل زمن كورونا، ولا علاقة لها بكورونا، إنها اختيارات خاطئة لأنها فشلت، وخطيرة بالنظر إلى وقعها على المجتمع، ولا يمكن القبول بأن تظل.

لكن الإشكال الحقيقي، هو أن السلطات على دراية بما يحصل، وتُغمض عينيها، لأنه بغض النظر عن مسؤوليات المقاولات الأجنبية ومسؤولية الوسطاء، هناك مسؤولية الدولة، التي كذلك تُغمض عينيها على هذا الواقع، لأنه يحل لها مشكل كبير، بثمن ثقيل نعم، لكنه يرحمها من احتجاجات الناس للشارع، وتُفضل أن يستمروا في العمل بشروط البؤس.

ولكن ما يحصل هو أنه حين يقع مشكل كهذا، تقوم بالتحرك واعتماد عدد من الإجراءات من أجل رمي القليل من الرماد على أعين الناس، ثم سيعود كل شيء إلى وضعه مع مرور القليل من الوقت، مع الأسف.

هل من مصلحة الدولة إذن أن تعود المياه إلى مجاريها بعد مرور عدد من الأيام، رغم ما حصل من فواجع؟

أقول إنه يجب تطرق بنيوي ودائم لحل هذا المشكل، يجب العمل على حلول جذرية ولو بشكل تدريجي، لتقوم بدمج هذا القطاع غير المهيكل في القطاع المنظم، والحل واضح كي لا يقول أحد إنه صعب.

أول إجراء هو الحرص على احترام القانون، لأن ما وقع في النماذج المشار إليها سابقا هو عدم احترام القانون، انطلاقا من الترخيص للمعمل، ثم تشغيل أناس في ظل وضع لا يحترم أبسط شروط الحد الأدنى من الكرامة الإنسانية، وهناك تقارير أجنبية تقول إنه ما يقرب 60 في المائة العاملين في القطاع المهيكل لا يتوفرون على عقود عمل، فما بالك بقطاع غير مهيكل.
إذن إذا كان للدولة إرادة حقيقية لإدماج القطاع المتحدث عنه في القطاع المهيكل، يجب احترم القانون، ثم نفكر فيما بعد في تطوير هذا القانون.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x