لماذا وإلى أين ؟

كيف كان يشرب الفراعنة البيرة؟

في جرة كبيرة بفتحة جانبية تسيل منها الجعة تعصر امرأة من الخدم مكونات هذه الجعة في زمن يرجع للدولة القديمة بمصر الفرعونية.

هكذا يبدو تمثال “صانعة الجعة” ذو الحجر الجيري الملون المعروض في المتحف المصري بميدان التحرير، في القاهرة، ليؤرخ لواحدة من أقدم الحرف التي برع فيها المصري القديم.

وتقول مديرة المتحف صباح عبد الرازق إن التمثال اكتٌشف في الجيزة داخل مصطبة أحد كبار الموظفين ويدعى مِرس عنخ على يد عالم الآثار المصرية، سليم حسن، في 1939-1940 م ويعود تاريخ صٌنعه إلى أواخر الأسرة الخامسة حوالى 2400 ق. م.

ليست هذه القطعة الوحيدة بالمتحف الشاهدة على انخراط المصريين القدماء في هذه الصناعة فهناك قطع أثرية تعود لعصور ما قبل التاريخ والدولة الوسطى، منها أوان من الفخار عليها مناظر لسيدات يصنعن الجعة وتماثيل خشبية لرجال ونساء يصنعون الجعة أو “البيرة” اكتُشفت في سقارة والجيزة، ناهيك عن الرسومات على جدران مقابر فرعونية في مناطق مختلفة بمصر في الحقب الفرعونية المختلفة.

وتضيف عبد الرازق لبي بي سي نيوز عربي قائلة إن “وجود هذه الكم من المناظر لمراحل صناعة البيرة وتماثيل صانعيها ووجود البيرة ذاتها ضمن مكونات موائد القرابين التي توضع إلى جوار المتوفى في مقبرته يدل على انتشار هذا المشروب والاهتمام بوجوده واستخدامه في العالم الآخر”.

أقدم وأكبر مصنع لإنتاج البيرة

وحديثا، أعلنت وزارة السياحة والآثار المصرية عن اكتشاف ما وصفته “بأقدم مصنع للبيرة في التاريخ”، ويصل عمره إلى أكثر من 5 آلاف عام، على يد بعثة مصرية أمريكية في منطقة أبيدوس إحدى أهم مناطق الدفن في مصر القديمة في الصحراء الغربية في محافظة سوهاج بصعيد مصر.

وعثرت البعثة على 8 وحدات تخمير تضم 40 وعاء لخلط القمح والماء معا لإنتاج البيرة، يعود تاريخها في الغالب لحقبة الملك نارمر الذي حكم مصر قبل نحو 5 آلاف عام ويعتقد أنه أسس الأسرة الأولى ووحد مصر، حسبما يقول مصطفي وزيري الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار في مصر في بيان لوزارة السياحة والآثار.

ونقل البيان عن رئيس البعثة المشتركة، ماثيو آدامز، تأكيده أن “المصنع كان ينتج حوالي 22.400 لتر من البيرة في وقت قياسي، وربما بُني في هذا المكان خصيصًا لتوفير البيرة المطلوبة في الطقوس الملكية التي كانت تُجرى داخل مواقع جنائزية لملوك مصر”.

ويضيف زاهي حواس، عالم المصريات ووزير الآثار المصري سابقا، لبي بي سي أن ما اكتُشف في أبيدوس في سوهاج يمثل الأقدم حتى الآن لمنشأة لصناعة البيرة في مصر بالكامل وتعود لأسرة الملك “نارمر” ما قبل الأسرة الأولى، بينما كشف في السابق عن منطقة البيرة بمقابر عمال بناة الأهرام في هضبة أهرامات الجيزة ووجدت مناظر عصارات البيرة على جدران المقابر بالدولة القديمة وعُثر في آثار توت عنخ أمون على أدلة لوجود البيرة كانت تٌعصر يدويا.

“البوظة” والبيرة في مصر القديمة
ويجمع علماء المصريات على أن البيرة التي عرفت في اللغة المصرية القديمة باسم “حِنقِت” كانت تصنع من الحبوب وفي مقدمتها الشعير والحنطة والقمح وتُحلى بعصير البلح أحيانا.

وتظهر نقوش فرعونية ونماذج أثرية خشبية في قسم المصريات في متحف المتروبوليتان في نيويورك عمالاً من الجنسين يدقون الحبوب في أوعية بمطارق خشبية ويبللونها بالماء لتتحول إلى معجون أو محلول بحسب الحاجة.

ويقول مدير متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية، حسين عبد البصير ، إنه يمكن في هذه الحالة تصنيع البيرة بطريقتين “في إحداها يتحول المحلول الثقيل بعد تخميره إلى “نشا” ثم إلى “سُكر” بعد تسخينه في أوان، ويمكن تناولها مباشرة كشراب أو طعام بعد تحليتها، مضيفا أنها في هذا الحالة تكون أقرب للمشروب المصري الشعبي الحالي المسمى “البوظة” الذي ينتج من مكونات مشابهة وبالطريقة نفسها غالبا.

وذكرت وزارة السياحة والآثار أن الحبوب كانت تدق بمطارق خشبية، ثم تعجن وتشكل على هيئة أرغفة خبز، ثم تقطع هذه الأرغفة وتُترك حتى تعجن مرة أخرى ويضاف إليها الماء أو الماء السكري الناتج من نقع البلح، ويترك العجين ليختمر وتصفى وتعبأ في أوانٍ فخارية.

وقالت الوزارة أيضا إن الجعة في مصر القديمة كانت تختلف عن الوقت الحالي بشكل كبير، وتناولها المصري القديم للحصول على الطاقة والعناصر الغذائية الهامة وأضاف أن المصريين القدماء كان يشربون الجعة في الاحتفالات والتجمعات الدينية والجنائزية.

وأردف عبدالبصير أن البيرة كانت من بين القرابين التي تقدم للآلهة في المعابد وتوضع بين عناصر موائد الموتى كطعام في العالم الآخر وكمكافأة على العمل الجيد وكهدايا.

البيرة والخبز أجر يوازيان الفول والفلافل
كان أبرز استخدام للبيرة في مصر القديمة أنها كانت تقدم مع الخبز كأجرة للعمال الذين يشيدون المقابر بل ومن شيدوا الأهرامات قبل ظهور النقود.

يقول حواس إن بناة الأهرام حصلوا على أجورهم خبزا وبيرة وكانتا في ذلك الحين “الوجبة الشعبية أو الوطنية الأولى على غرار الفول والفلافل في مصر حاليا”.

 

 

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

1 تعليق
الأكثر تصويتا
أحدث أقدم
Inline Feedbacks
View all comments
بوراس
المعلق(ة)
28 فبراير 2021 13:17

يعني صراحة لمادا يستفيد القارء بهدا المقال ؟

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

1
0
أضف تعليقكx
()
x