لماذا وإلى أين ؟

حكومة العثماني ورهان القوة مع الأساتذة الذين فُرض عليهم التعاقد

كما كان متوقعا، خرج آلاف الأستاذات و الأساتذة الذين فرض عليهم نظام “التوظيف” بالتعاقد للاحتجاج في شوارع الرباط من أجل المطالبة بحقهم في الإدماج في الوظيفة العمومية و مساواتهم مع زملائهم  موظفي و موظفات وزارة التربية الوطنية و اخضاعهم للنظام الأساسي الخاص بموظفي وزارة التربية الوطنية. فكل متتبع للشأن التربوي ببلادنا كان يتوقع خروج هذة الفئة  للتظاهر  و كان ينتظر نشوب هذه الاحتجاجات و هذه المعركة مع الحكومة على اعتبار أن الحيف الكبير الذي لحق هذا العدد الكبير من نساء و رجال التعليم لا يمكن تقبله و السكوت عنه.

فعدد 54  ألف  إمراة و رجل تعليم  الذين تم اخضاعهم للتوظيف بالعقدة في زمن قياسي لا يتجاوز السنتين، عدد كبير و هو يشكل أكثر من 25 % من مدرسي و مدرسات وزارة التربية الوطنية، و هو اليوم يشكل برميل بارود داخل قطاع التعليم و بوادر انفجاره أصبحت تلوح في الأفق،  و ما معركة 6 ماي إلا إنذارا   للحكومة و لجميع المعنيين  عن هذا الانفجار الذي يمكن أن يزلزل الحكومة و  يدخل قطاع التربية و التكوين في احتقان كبير هو في غنى عنها. و الحكومة كانت مطالبة بالتشاور على الأقل مع شركائها  الرسميين و الاجتماعيين قبل التنزيل الفوقي لهذا التوظيف، فرأينا التقرير الأخير الصادر عن المجلس الأعلى للتربية و التكوين و البحث و الذي أكد على أن التوظيف بالتعاقد له انعكاسات سلبية  على الجودة و المردودية في التعليم العمومي،  كما أن البرلمان بغرفتيه و لجنتي التعليم لم يتم التشاور معهما و طلب آراءهما  خاصة أن مثل هذه القرارات مصيرية و يكون لها أثر  ليس فقط على قطاع التعليم و إنما على الوظيفة العمومية بشكل عام  و كذلك على مآل الصندوق المغربي للتقاعد الذي يتجه للافلاس و التصفية نتيجة تناقص ساكنته النشيطة.

و ما يؤكد أن الحكومة السابقة كانت تعي أنها تقوم بتنزيل قرار مرفوض و قرار له تداعيات خطيرة على المدرسة و على الوظيفة العمومية، هو اليوم الذي اختارت أن تنزل فيه هذا القرار، في يوم 7 أكتوبر 2016  و عندما كان المغاربة منشغلين بالانتخابات التشريعية، و قبل سويعات من دخول حكومة بنكيران زمن حكومة تصريف الأعمال حيث يمنع عنها توقيع أي قرار، تسلل كل من وزير التربية الوطنية  و وزير الاقتصاد و المالية إلى مقر رئاسة الحكومة و قاما بتوقيع مقرر وزاري يقضي بإحداث التوظيف بالعقدة في قطاع التعليم و كانت أول دفعة تشمل 11 ألف منصب. و بعد الرد المحتشم لقيادات النقابات على هذا القرار  و لم يسجل عنها أنها رفضت هذا التوظيف بشكل صريح و  قوي  غير المطالبة بتحسين شروطه،  مما جعل الحكومة تفهم أن النقابات تباركه ضمنيا و موقعها يفرض عليها عدم اعلان موافقتها عليه، فقررت الحكومة فتح  الباب على مصراعيه  للتعاقد في قطاع جد حيوي هو التعليم و قامت بتوظيف ما مجموعه  54 ألف عن طريق التعاقد في زمن قياسي لا يتعدى سنتين.

و بما أن الحكومات المغربية تفكر لوحدها و تقوم باجراء عمليات حسابية خاصة قبل تنزيل القرارات و دون اشراك أي جهة حتى لو كانت رسمية، اعتقدت أن العقد المشؤوم الذي فرضته على الأطر التي تنوي التعاقد معها، ستحميها من نيران احتجاجات المتعاقدين مستقبلا، و هو اعتقاد خاطئ و عملية حسابية من جانب واحد لا يمكن إلا أن تعطي نتائج عكسية. فأي مطلع على العقد المفروض و حتى لو لم تكن له دراية كبيرة بالقانون، سيتأكد لديه أن العقد لا قوة قانونية له و هو عقد غير دستوري و بالتالي فهو باطل و يكفي التوجه إلى أول محكمة إدارية حيث ستقضي من دون شك ببطلان العقد لأنه يتنافى مع أسمى قانون في البلاد و هو الدستور الذي ينص على العمل اللائق و الذي يحفظ كرامة الموظف.

الحكومة اليوم في ورطة حقيقة، خاصة بعد المحطة النضالية الانذارية  ليوم 6 ماي الجاري و التي فعلا شكلت صفعة جد قوية للحكومة و لكل المعنيين. فالحكومة اعتقدت أنها بالعقد المفروض و التي جعلت من خلاله الأستاذ المتعاقد في وضع هش سيتجنب ما أمكن الدخول في معارك نضالية للحفاظ على وظيفته و على دخله الشهري، و هذا حساب وضعته الحكومة، لكنها لم تتعلم منذ الاستقلال، أن المواطن  المغربي يمكن له أن يقبل أي شيء، يمكن أن يقبل البطالة رغم توفره على شهادات عليا عديدة، ان يقبل التهميش،  أن يقبل الفقر…  لكن لا يمكنه أن يقبل الإهانة و المذلة أبدا، و هو ما جعله اليوم يثور و بقوة في وجه  توظيف التعاقد المذل.

الحل عند الحكومة، و هو أولا،  تجنب الدخول في رهان القوة مع الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد، فرهان القوة مع 54 الف أستاذ و أستاذة يحسون بظلم عميق و مستعدون للدخول في معارك غير مسبوقة لرفع  هذا الظلم و الحيف الذي طالهم، ستكون له عواقب خطيرة و سيؤدي بالتأكيد إلى أزمة داخل قطاع التعليم و ربما ترخي بظلالها على الحكومة كذلك. ثانيا، على الحكومة أن تعما  على تسوية وضعية جميع الأساتذة الذين  فرض  عليهم التعاقد و اخضاعهم جميعا الى النظام الأساسي الخاص بموظفي وزارة التربية الوطنية على غرار باقي موظفي التعليم، فالقطاع لن يحتمل تفييئا أكثر لنساء و رجال التعليم و لا يقبل عاقل أن يكون في نفس المؤسسات التعليمية أطر لهم نفس الشهادات العليا من  الجامعات نفسها  و يقومون بالمهام  عينها جزء منهم مرسم و خاضع للنظام الأساسي الخاص بموظفي وزارة التربية الوطنية  و جزء آخر مفروض عليه التعاقد و غير مرسوم و خاضع لنظام جديد قيل أنه نظام أساسي خاص بموظفي الأكاديميات.

       * فاعل تربوي

 إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين و إنما تعبر عن رأي صاحبها حصرا.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x