لماذا وإلى أين ؟

عصيد يرثي السعداوي

لم تغادرنا نوال السعداوي ولم تذهب إلى أي مكان، فقط تجردت من جسدها الذي أنهكته السنون، لتحتضن روحُها العالم وتصبح أكثر حضورا بيننا، إنّ الفكر الإنساني الحيّ لا يموت، بل يتوالد وينتشر كالضوء في كل الاتجاهات حتى بعد الغياب المادي لصاحبه.

صارعت نوال طوال حياتها، العقلية البهيمية للذكورة الأمية والمتخلفة، لم يكن لها قط مشكل مع الرجال، كانت مشكلتها مع نظرة الذكور إلى الإناث، تلك النظرة التي ما فتئت تمتح من تراث فقهي ميّت وعديم الجدوى، تراث ظل أصحابه أشبه بأهل الكهف، غائبين عن تحولات العالم والمحيط، إلى أن فوجئوا بيقظة قسرية جعلتهم يتلقون الصدمات تلو الأخرى، ولم يجدوا سبيلا إلى تدبير وضعيتهم الجديدة بفكرهم القديم. وكانت أعظم الصفعات التي تلقوها وعبرت عنها نوال السعداوي بعمق ودراية كبيرة، تلك التي جاءتهم من المرأة العصرية التي خرجت للدراسة والعمل والتفوق والندّية في جميع المجالات.

في 15 يوليوز 2013، التقيت بالدكتورة نوال السعداوي بالرباط بفضل الراحلة فاطمة المرنيسي والصديق ادريس كسيكس، وقد كتبتُ بعد ذلك مقالا أعيد اليوم نشر فقرة منه تكريما لحضورها المتجدّد بيننا:

“في لقاء جمعني بالدكتورة نوال السعداوي بالرباط امتدّ لأزيد من ثلاث ساعات، تبادلنا وجهات النظر حول انتفاضة 30 يونيو وحركة “تمرد” المصرية، وتعقيدات الوضع الراهن، وطموحات القوى الثورية في أرض الكنانة، ودور الجيش والقوى السياسية التقليدية. كانت الكاتبة الكبيرة التي جاوزت الثمانين تتحدث بحماسة وحيوية الشباب، وكان بيت القصيد في كلامها ضرورة أن يبدع الشباب أساليب نضالية جديدة من أجل تجاوز الحلول الكلاسيكية التي لا تزيد الأزمة الحالية إلا استفحالا.

وكان السؤال الجوهري الذي دار حوله حديثنا منذ البداية وظلّ يشكل نقطة استفهام كبيرة حول مآل انتفاضة المصريين وأبعادها هو التالي: كيف يمكن العبور من ثورة الشارع إلى المؤسسات ؟ وهو سؤال تناسلت عنه الأسئلة الحيرى التالية: لماذا يقوم شباب الثورة بالانتفاضة، ثم يقوم غيرهم بعد ذلك بجني ثمارها دونهم، وفي اتجاه معاكس لأهدافهم ؟ لماذا لم تسفر الثورة المصرية عن قوة سياسية فتية وجديدة تستطيع التأثير في مسار الانتخابات التشريعية والرئاسية، ليحصل المصريون في النهاية عن مؤسسات منبثقة من عمق الثورة وروحها وعاملة من أجل أهدافها ؟ لماذا لم تشهد الساحة المصرية بعد الثورة إلا الصراع التقليدي بين فلول النظام وتنظيم “الإخوان” وهما طرفان أحلاهما مرّ بالنظر إلى تطلعات قوى الشارع المصري، والتي لا يستطيع أي من الطرفين تحقيقها ؟

هذه الأسئلة التي شغلت الكاتبة الكبيرة التي قضت معظم أوقاتها منذ انتفاضة 25 يناير في ساحة “التحرير” تحاور شباب الثورة أحيانا إلى الثالثة صباحا، هذه الأسئلة تشكل اليوم محور تفكير النخب الفاعلة في شمال إفريقيا والشرق الأوسط”.

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين وإنما عن رأي صاحبها.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

6 تعليقات
الأكثر تصويتا
أحدث أقدم
Inline Feedbacks
View all comments
واعظ
المعلق(ة)
الرد على  طالبي المدغري
22 مارس 2021 17:34

( وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا )! بل شارداً جبان , مكسور الوجدان.
( لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ)! بل احزن والطم وكن مقهوراً ذليلاً وتذكر الآخره وعذاب القبر وشواء النار حين مثولك امام المنتقم الماكر الجبار يوم القيامه!.
غيض من فيض الأبداعات القرآنيه وتراثه المجيد في كسر الشخصيه وجعلها مأخوذه وأسيره وتائهه وغير مستقره تبحث عن الجواب في كل شئ حتى في طريقة دخول الحمام وقضاء الحاجه!
شخصيه تتلذذ بالمازوخيه حتى في المخاطبه … سيدي , أغاتي , مولاي , خادمكم …الخ وكلها تقال (فى هوان ومذلة، دون خجل، أو أى إحساس بالعار والمهانة) وكما تقول الدكتوره نوال.
الشخصيه المقهوره هذه لاتبني ولا تتطور ولاتقدم شيئاً نافعاً ملموساً , بل بالعكس تكون حجرة عثره في طريق الحريه والتقدم, فأنظروا حال اوطان امة لا اله الا الله والى اين وصلت؟

واعظ
المعلق(ة)
22 مارس 2021 17:33

من سخرية الأقدار ان تودع نوال الحياة على انتكاسه جديده لأمة لا الله الا الله , فقبل ايام اعلنت تركيا انسحابها من اتفاقية إسطنبول بشأن العنف ضد المرأة، وأكدت أن الهدف من هذه الخطوة حماية نسيجها الاجتماعي!!.
هذا النسيج المتهرئ اصلاً, والذي ناضلت نوال طوال حياتها لفضحه وإصلاحه .
رحلت نوال بلا خوف من الموت , وكانت الى آخر لحظة تتحلى بشجاعة الرأي و الموقف , وما زال وسيبقى الخوف يطارد أعدائها من رجال الدين وآلهتهم الذكوريين.
نوال السعداوي …. وداعــاً

Med
المعلق(ة)
22 مارس 2021 15:39

من لم يكن الموت واعظا له فلا واعظ له.

حنظلة
المعلق(ة)
الرد على  مهتم
22 مارس 2021 11:39

مهتم بشيوخ الضلال وثقافة السادات والأضرحة هههههههه
إلى مزبلة التاريخ أيها المتأسلمون المنافقون المتخلفين، يا أتباع الشياطين المجرمين!

طالبي المدغري
المعلق(ة)
22 مارس 2021 09:57

السيد اعصيد ابحث عن كتاب《أنثى ضد الأنوثة》للكاتب جورج طرابيشي ، وهو لعلمك لائكي لكي لا نقول كلاما آخر ، لتعرف أنها لم تكن فقط ضد الرجل وأقول الرجل وليس الذكر ، و إنما ضد النساء أيضا وقد اعترفت بذلك أمام عدد من العلمانيات بطنجة وقالت لهن إذا اردتن هذا الطريق (تعني طريقها هي ) فلا بد من أن تؤدين الثمن ؛ فهي تعترف بعدما شاخت أنها أدت الثمن حقا ، فلا هي من أهل الدنيا ولا هي من أهل الآخرة .فما ضرها لو عملت في مهنتها و عالجت مرضى بلدها حيث الناس يتساقطون كفئران ألبير كميو Alber Camus في رواية الطاعون la peste
وتقول انت إنها لم تمت بل فارقت روحها الجسد فقط كذا ! يا سيد اعصيد إنها ذهبت لعالم آخر تعاقب فيه أو تجازى فنحن نحكم بالظاهر والله يتولى السرائر .
أما إليك فنقول فقط اسأل الأستاذ عبد اللطيف بن يحيى عن صديقه “الكاتب المشهور” لما حضرته الوفاة كيف كان حاله : (خوف ورعب غير مسبوقين) هل تعتقد أن المؤمن يكون كذلك ؟أبدا ونهائيا وإطلاقا !
فاللهم اختم لنا لأكمل الحسنى .

مهتم
المعلق(ة)
22 مارس 2021 00:25

الله يحشرك معاها اش من فكر كله ضلال تحريف طعن في الدين الاسلامي

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

6
0
أضف تعليقكx
()
x