لماذا وإلى أين ؟

قراءة قانونية في نازلة إعفاء أمزازي مدير ثانوية

عبدالرزاق بوغنبور*

قرار إعفاء مدير ثانوية الامام الغزالي بالمديرية الاقليمية لتطوان أثار الكثير من الجدل، لان السبب في الاعفاء غير واضح وفيه تضارب ، فهناك من يرى ان سبب إعفاء المعني بالأمر، يعود لرفضه مد المديرية الإقليمية بلائحة الأساتذة المتعاقدين المضربين عن العمل. في حين يوضح مدير الثانوية التأهيلية أن قرار إعفائه من مهامه التربوية ، سببه أنه وصف سعيد أمزازي، وزير التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، ب”الفاشل”.

لكن ما يلاحظ أن قرار الاعفاء – حسب المعطيات المتوفرة على أرض الواقع – يعود بالأساس الى رفض المدير تمكين الادارة الاقليمية بلائحة المضربين عن العمل، واعلانه التحدي عبر تدوينة له بالفاسيبوك برفضه ذلك ولكون الادارة الاقليمية للتربية والتكوين بتطوان ومن خلالها الوزارة الوصية ، لا يمكن لها أن تتخذ قرار الاعفاء للأسباب المعروفة لاسيما أنها ليست لها وسيلة لإثبات مطالبتها لإدارة المؤسسة بلوائح المضربين لان العملية تتم عبر الهاتف من منطلق التعليمات الشفهية المستعجلة ، اختارت الادارة الهروب الى الامام بادعاء أن قرار الاعفاء يعود بالأساس لاختلالات تربوية سبق للجن اقليمية أن وقفت عليها أثناء زيارتها للمؤسسة ، وهو ما ينفيه مدير ثانوية الإمام الغزالي في تطوان عبر تدوينة له : يقول فيها “…السيد وزير التربية توصلت بقرار الإعفاء من مهام الإدارة التربوية … ممهورا بتوقيع مديركم الإقليمي المفوض له من سلطات الأكاديمية”. وتابع المدير القول “في حيثيات تبرير القرار “تقارير لجن الافتحاص الخاصة بالمؤسسة، التي تشرفون على تدبيرها”، أتحداك السيد الوزير شخصيا، وأتحدى مدير الأكاديمية، وأتحدى المدير الإقليمي، اتحداكم جميعا أن تظهروا محضر الافتحاص ؟ ومن هم الأشخاص الذين قاموا بهذا الافتحاص ؟ وفي أي تاريخ، ويوم، وساعة ؟”.

مما يؤكد أننا أمام قرار اداري ذو صبغة انتقامية تؤكده المعطيات التالية :
• اذا كان التعليل المقدم في القرار هو ما ذكر ، اذا لماذا لم تُفعّل نتائج الافتحاص فور إنجازها من طرف اللجن المختصة والمعلن عنها.

الناشط الحقوقي عبد الرزاق بوغنبور

• على افتراض أن تلك التقارير موجودة فعلا ، أليس هناك تدرج في اتخاذ القرار أو العقوبة. الملائمة للأخطاء المرتكبة
• لماذا تركت الإدارة المعنية بقرار الاعفاء من المهام ، هذه الأخطاء تتراكم و لم تتحرك في الوقت المناسب للتصحيح والتقويم عبر لجن المصاحبة الادارية ؟
• ما هي الإجراءات الإدارية التي اتخذتها المديرية الاقليمية بتطوان والأكاديمية لحماية المؤسسة العمومية مما يمكن أن يمس الثانوية المعنية ، مع ضمان حق الموظف في التمتع بالحماية القانونية عبر مساءلته ؟
• ألم يكن من اللازم استفسار المعني بالأمر حتى يدافع عن نفسه؟ ويبرر ما نسب اليه وهو الاسلوب المعمول به قانونيا ..قبل اتخاذ أي اجراء مسطري أخر.
الواضح أن القرار المتخذ هو قرار وزاري أسند تنفيذه الى أكاديمية الجهة والمدير الاقليمي بالمنطقة عبر منطق التعليمات وفيه شطط واضح في استغلال السلطة ، هاته السلطة الادارية التي يتم تكييفها حسب أهواء الادارة من أجل فرض الامر الواقع ، وبتعبير قانوني أوضح نحن أمام قرار اداري بالإعفاء غير معلل لان الاعلان عنه مرفقا باختلالات وقفت عليها لجن ، ليس بتعليل مطلقا كان على الادارة المعنية أن تقوم بجرد هذه الاختلالات التي وقفت عليها ومتى ؟ وكيف ؟
إذن فنحن في هذه النازلة، أمام مجموعة من المصطلحات القانونية التي يجب الوقوف عندها ، نقتصر فيها على اثنين :

* الخطأ الجسيم
* تعليل القرار الإداري

هذه المصطلحات لا يجب القفز عليها، إذ تحيلنا على نصوص قانونية أخرى ، كالقانون رقم 03.01 بشأن إلزام الإدارات العمومية والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية بتعليل قراراتها الإدارية.

– الخطأ الجسيم : فمتى يمكن أن نتحدث عن الخطأ الجسيم الذي يقابله الخطأ اليسير أو البسيط؟
اعتبارا لكون القانون الإداري هو قانون قضائي بامتياز، فإننا لا نجد تحديدا لمفهوم الخطأ الجسيم، لكن بالعودة إلى الاجتهاد القضائي فإننا نسجل أن سلوك الموظف الذي لا يقوم على الدرجة الوسطى من الفطنة والتبصر ويتجاوز في عمله الحدود القانونية وينساق وراء أهوائه الشخصية إلى درجة تجعل عمل الموظف منفصلا عن واجبات وظيفته يعتبر خطأ جسيما يستوجب مساءلته شخصيا ،بمعنى أن الأخطاء البسيطة تعتبر أخطاء إدارية تتحملها الإدارة أما غير ذلك فالموظف المرتكب للخطأ الجسيم هو وحده من يتحمل مسؤولية خطأه ، و من غير القانوني تحميل المسؤولية لشخص آخر أو أن تحل الإدارة محله لاقتران الخطأ الجسيم بحدوث ضرر ما يستوجب التعويض،

– تعليل القرار الاداري :

إن تعليل القرارات الإدارية جاء به القانون رقم 01-03 بشأن إلزام الإدارات العمومية والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية بتعليل قراراتها الإدارية، في مادته الأولى : ” تلزم إدارات الدولة والجماعات المحلية وهيئاتها والمؤسسات العمومية والمصالح التي عهد إليها بتسيير مرفق عام بتعليل قراراتها الإدارية الفردية السلبية الصادرة لغير فائدة المعني المشار إليها في المادة الثانية بعده تحت طائلة عدم الشرعية، وذلك بالإفصاح كتابة في صلب هذه القرارات عن الأسباب القانونية والواقعية الداعية إلى اتخاذها. ”

و هنا تأكيد على صيغة الإلزام لأنها ترمي إلى القطع مع أساليب لم تعد تتماشى و الوضع الحالي للمغرب ، إذ أن المصلحة العليا للوطن تتطلب خلق أجواء الشفافية والعمل بالقانون داخل الإدارة المغربية لتقوية الاستقرار و تشجيع الاستثمار الوطني و الأجنبي.

إن التعليل يعني الإشارة في صلب القرار إلى المراجع القانونية المعتمدة و إلى الأسباب الواقعية/المادية، أي تجنب الكلمات الفضفاضة و غير المقنعة، بالحرص على إحاطة القرار بجميع ما يثبت ادعاء الإدارة تحت طائلة عدم الشرعية، و عدم الشرعية هنا يعني باختصار مخالفة القانون، لأن إخضاع الإدارة لقواعد الشرعية الغاية منه تحقيق المساواة أمام القانون وهو مالا يتوفر في قرار الاعفاء من المهام الموجه الى مدير الثانوية الـتأهيلية الامام الغزالي بتطوان.
وكخلاصة أولية من خلال قراءة قانونية لملف الاعفاء من مهام تسيير الثانوية التأهيلية الامام الغزالي بتطوان ،

أولا : السلطة التقديرية للإدارة في اسناد المهمة والاعفاء منها وموقف القضاء الاداري من ذلك :
يمكن للإدارة ان تسند مهمة إلى موظف خارج اطاره أو سلكه الاصلي، بناء على حيثيات موضوعية، منها ” الكفاءة والنزاهة والاستقامة والرصانة الخ” … وذلك في نطاق سلطتها التقديرية دون رقابة عليها من القضاء، لان مثل هذا التكليف لا يتعلق بالدرجات والرتب والاقدمية بقدر ما يتعلق بالثقة والطمأنينة، على حسن سير المرفق موضوع التكليف، لذا فلا يحق لموظف أعلى درجة أو في درجة الموظف المكلف بالمهمة ان يحتج على الادارة أو يقاضيها أمام المحاكم بدعوى انه الاكفأ والأجدر والأولى بالمهمة المسندة إلى زميله، وذلك لسبب بسيط وهو ان الإدارة لم تقم بتغيير الوضعية النظامية للموظف المكلف بالمهمة والتي يتمتع بها في اطاره الاصلي، كما ان الموظف المسندة إليه مهام ادارية لا يحق له هو الاخر ان يحتج على الادارة أو يقاضيها أمام المحاكم إذا ما وقع اعفاؤه من تلك المهام بدعوى ان له حقا مكتسبا مسه الاعفاء ـ ما عدا ـ في حالة السلطة المقيدة للإدارة، وذلك للأسباب الاتية :

1- ان اسناد المهمة أو التكليف بالمسؤولية لا علاقة له بتحسين الوضعية النظامية والادارية، وبالتالي فان اعفاء المكلف من المهمة لا يمس هو الاخر تلك الوضعية سلبا،

2- ان هذا التكليف لا علاقة له أيضا بالاطار الاصلي الذي ينتمي اليه الموظف المكلف ، اذ لم يحصل على منصب نظامي داخل هذا الاطار ، وبالتالي لم يحصل على حق مكتسب بالمفهومين القانوني والاداري.

3- ان حق اختيار موظف لمهمة ما موكول مبدئيا للسلطة التقديرية للإدارة ، التي لها كامل الصلاحية في اسناد مهمة أو مسؤولية ما الى هذا الموظف دون غيره ، لاعتبارات أهمها عامل الثقة بالأساس…

4- ان هذا الاعفاء في هذه الحالة لا يعتبر بأي حال من الاحوال عقوبة تأديبية ، يمكن من خلالها للمتضرر اللجوء الى الطعن في القرار بالإلغاء للشطط في استعمال السلطة ، كما أنه لا يعد درجة من درجات القهقرة في الدرجة أو الرتبة أو غيرهما ، لان المشرع لا يعتبر الامر يدخل في خانة العقوبات التأديبية، باستثناء الاعفاء من المهمة الذي يكون مصدره السلطة المقيدة

لهذا فأن قرارات ” الإعفاء من المهام الإدارية ” لا ينتمي إلى طائفة القرارات التأديبية ولا يخضع بالتالي لمسطرة اتخاذ تلك القرارات ، ذلك أنه بالرجوع إلى الفصل 17 من الظهير رقم 008-58-1 بتاريخ 4 شعبان 1377 (24 فبراير 1958) يحتوي على القانون الأساسي العام للوظيفة العمومية. والذي ينص على أنه : ” كل موظف كيفما كانت رتبته في السلك الإداري مسؤول عن القيام بالمهام التي عهد إليه بها . كما أن الموظف المكلف بتسيير مصلحة من المصالح مسؤول أمام رؤسائه عن السلطة المخولة له لهذا الغرض وعن تنفيذ الأوامر الصادرة عنه ( … ) . وكل هفوة يرتكبها الموظف في تأدية وظيفته أو عند مباشرتها تعرضه لعقوبة تأديبية ( … ) ” ، الذي يستفاد منه أنه ميز بين نوعين من المسؤوليات الإدارية من حيث الآثار التي تترتب عنها :

أولا : المسؤولية الوظيفية العامة التي تشمل كل موظف كيفما كانت رتبته في السلك الإداري ، وتتعلق بأداء المهام الوظيفية التي تسند إليه ، وتترتب عنها إمكانية مساءلته عن طريق تعرضه للعقوبات التأديبية وفقا لمسطرة التأديب المنصوص عليها في الفصول من 65 إلى 75 مكرر من النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية.

ثانيا : المسؤولية الوظيفية الخاصة التي لا تشمل سوى الموظفين الذين عهد إليهم بتسيير مصلحة من المصالح الإدارية على مختلف درجاتها ، وتترتب عنها إمكانية مساءلته عن طريق إعفائه من مهام التسيير إذا ما ثبت إخلاله بها ، فضلا عن إمكانية تعرضه للعقوبات التأديبية وفقا للمسطرة المنصوص عليها في الباب الخامس من الظهير المشار إليه أعلاه .
*ناشط حقوقي

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين وإنما عن رأي صاحبها.

 

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x