لماذا وإلى أين ؟

زين الدين يُفكك احتجاجات المغرب قانونيا (حوار)

شهدت المغرب في الآونة الأخيرة احتجاجات عارمة، فما بين الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد وحاملو الشهادات المطالبين بالترقية، والممرضين ذوي سنتين من التكوين، الممرضين المجازين من الدولة ذوي تكوين سنتين وغيرهم من الفئات الاجتماعية، تتغير المطالب وتتراكم الملفات؛ وفي المقابل هناك من الاحتجاجات ما يتم فضها من طرف عناصر الأمن الوطني باستخدام القوة والعنف، والتي يتم تركها تحتج، أمام مرأى السلطات، كما حصل اليوم مع احتجاجات جماهير الرجاء البيضاوي، الشيء الذي دعا لتسليط الضوء على استراتيجية الدولة في التعاطي مع الاحتجاجات، وهي تختلف بناء على الملف المطلبي.

وللحديث أكثر عن الاحتجاجات التي تشهدها المملكة في الفترة الأخيرة، استضافت “آشكاين” الحبيب استاتي زين الدين، مختص في الحركات الاحتجاجية، وأستاذ القانون الدستوري والفكر السياسي بجامعة عبد المالك السعدي.

نص الحوار:

بداية، هل كان هناك تمييز بين احتجاجات جماهير الرجاء وباقي الاحتجاجات وظرف حالة الطوارئ هو نفسه؟

ملاحظة في محلها وتتناقض وكيفية التعاطي مع حالات مماثلة، لكن بغض النظر عن الظرف أو الشكل أو العدد أو طبيعة التفاعل بين المحتجين وقوات الأمن، يبدو أن هناك فرق جوهري بين الحالة قيد السؤال وباقي الحالات.

إن جماهير الرجاء لا تخاطب السلطات العامة وأفقها محدود جدا، مرتبط، أساسا، بوضع داخلي لإدارة الفريق مع جماهيره، لكن باقي الاحتجاجات أفقها مركب وممتد في المكان والزمان يسائل السياسات العمومية وصانع القرار، وهذا يحيل، دون إطالة، على المعاني الفضفاضة التي ينظر بها لمفهوم النظام العام والحفاظ على استقراره وانتظاميته من طرف ممثلي السلطة.

هل في رأيكم تم استغلال الجائحة لحظر ومنع الاحتجاج والتظاهر؟

قبل أن أجيبك عن هذا السؤال، لا بأس أن أذكر بأنه بغض النظر عن التداعيات الخطيرة المترتبة عن الجوائح والكوارث، فهي توفر فرصا مهمة لمراجعة الذات، وترتيب الأولويات والاستفادة من الأخطاء لتجويد السياسات والقرارات. لذلك، وعلى الرغم من الآثار السلبية التي أفرزها فيروس “كورونا المستجد” على عدة مستويات، يبدو أنه فتح المجال لأخذ العبر والدروس، سواء تعلق الأمر بإعادة النظر في آليات الاستثمار في البحث العلمي، والتخطيط الاستراتيجي، وتطوير نظم التعليم عن بعد، وإحداث مراكز لرصد وتدبير الكوارث والأزمات، وتعزيز البنيات التحتية في المجال الصحي، و”رقمنة” المعاملات الإدارية..

غير أن عددا من الحكومات وبعد تقييم الوضع، اختزلت كل فرص ودروس الوباء في التضييق على الحق في حرية الاحتجاج والتظاهر السلمي، بدواعي المحافظة على “الأمن الصحي” للمواطن، هل هذا استغلال؟ سأقول سوء تقدير لأن ما كنا ننتظره هو رؤية جديدة لطريقة تدبير الاجتماع والسياسية لتعزيز المسار الديمقراطي الذي سلكه المغرب، مع العلم أن التقييد المسبق للتجمع السلمي لا يكون إلا في حالة وجود أسباب وجيهة وقوية تشير إلى ترجيح وقوع عنف، كما أن وضع القيود المسبقة يجب أن تتم في غياب إجراءات بديلة يمكن أن تمنع العنف، واتخاذ إجراءات إيجابية من أجل ضمان تمتّع المتظاهرين السلميين بشكل فعال وكامل بحريتهم في التجمع دون خوف على سلامتهم الجسدية.

هل المغرب يتوفر على استراتيجية لتدبير الاحتجاجات؟

من الناحية الأمنية التي تقصدينها، القول بعدم وجود استراتيجية أمر مجانب للصواب. هناك تكوينات في هذا الباب للمكلفين بمهمة التدبير الأمني للاحتجاجات، وثقافة حقوق الإنسان وضرورة حمايتها، فضلا عن الآليات القانونية الوطنية والدولية، لا أعتقد أنها غير حاضرة في ذهنية المعنيين بهذا المجال. وهناك إجراءات وضوابط تميز عمل الشرطة كنظام اجتماعي يرتبط بعلاقات دينامية بالنظام الاجتماعي ويساير تحولاته على مستوى الخطاب والممارسة.

لكن التدبير الميداني يصعب التحكم التام فيه بالنظر لصعوبة توقع ردود فعل المشاركين في الاحتجاجات وطبيعة التدخل الذي ينبغي الالتزام به. وقوع انزلاقات وارد، لكن تسرب بعض الأخطاء الغريبة، كما وقع مؤخرا، يحتاج إلى إعادة نظر، والأهم اللجوء الكثيف إلى مبدأ التناسب، الذي يقضي بأن الفض الإجباري لتجمع تم تأويله على أنه غير قانوني، طالما ظل سلمياً، يجب أن يتم فقط بعد إمهال المتظاهرين وقتاً كافياً لإيصال رسالتهم.

حسنا، هل من ممارسات فضلى في التدبير الأمني لهذا الحق؟

من باب تطبيق أفضل الممارسات، تدعو الهيئات والخبراء الدوليون، ومن بينهم مقرر التجمع السلمي، ولجنة خبراء مكتب المؤسسات الديموقراطية وحقوق الإنسان التابع لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، الدول إلى جعل التمتع بحرية التجمع ممكنا، نظرا لكونها حقا أساسيا، وتوضـح اللجنة المعنية بحقوق الإنسان والمشرفة على تطبيق العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، بأنه متى فرضت أي قيود، فعلى الدول أن تقَدِّم الدليل على ضرورتها، كما يتعيّن اتخاذ تلك التدابير التي تكون متناسبة مع السعي إلى تحقيق الأهداف المشروعة، بغية ضمان حماية الحقوق المنصوص عليها في العهد، حماية مستمرة وفعّالة.

هذا يعني أنه على عاتق السلطات مجموعة من الواجبات، يجب التقيد بها لحماية جميع المشاركين في الاحتجاج السلمي من أفـراد أو مجموعات، تعزيزا لسيادة القانون، ومن أبرزها، هو تفادي استخدام القوة، ويمكن استخدام هذه الأخيرة فقط في حال عدم فاعلية الوسائل غير العنيفة في السيطرة على وضع متسم بالعنف، أو القيود المسبقة التي فرضت للحيلولة دون وقوع عنف، أي أن استعمال القوة يجب أن يكون الملاذ الأخير.

كما أن الإخطار يجب أن يكون مطلوبا فقط في حالات التجمعات الكبيرة، أو التجمعات التي يتوقع معها درجة معينة من التعطيل، كما تفسِّر الشبكة الأوروبية-المتوسطية لحقوق الإنسان أن آلية الإخطار المسبق تفرض عبئا كبيرا على الراغبين في التجمع؛ فهي تمثل آلية غير قانونية لتقييد هذه الحرية، ففي حال حدوث تجمعات أو مظاهرات بشكل عفوي رداً على ظهور ظروف غير متوقعة، يجب إعفاؤها من متطلبات الحصول على إشعار مسبق بشأنها، لأن التأخير في رد الفعل يُضعف أو يُبطل الرسالة التي يوصلها التجمع. يضاف إلى ذلك أن القيود التي تُفرض بعد إقامة التجمع، من قبيل عقوبات غير متناسبة، على المنظمين والمشاركين بعد حدوث المظاهرة، أو الغرامات والسجن، قد تمثِّل انتهاكا للحق في حرية التجمع، وفي نهاية المطاف تردع الأفراد والمنظمات عن ممارسة هذه الحرية في المستقبل.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x