لماذا وإلى أين ؟

دروس بلافريج

عجت مواقع التواصل الإجتماعي بالمغرب طيلة الفترة الأخيرة بالتدوينات والتعليقات وردود الفعل الغاضبة؛ بسبب إعلان النائب البرلماني عن فيدرالية اليسار الديمقراطي؛ عمر بلافريج، قرار عدم ترشحه للإستحقاقات الانتخابية المقبلة والذي سماه البعض “إعتزال السياسة”. حيث طالبه عدد من المغاربة بالتراجع عن موقفه، إلا أنه ما يزال متشبث بقراره.

ولأن المألوف في السياسة المغربية أن “تُمتهن” وأن يبقى الفاعل الحزبي في الحقل السياسي إلى أرذل العمر ولا تجدي معه الشعارات الغاضبة ونصائح “سير ترتاح” شيئا. يبقى عمر بلافريج انموذجا متفردا في الساحة السياسية لأنه خلف دروسا وعِبرا من وراءه وجب التطرق إليها لعلها تكون عِبرا لمن يعتبر. فما هي هذا الدروس؟

الدرس الأول

“قررت التخلي عن منصب مدير عام “تكنوبارك” الذي أتقاضى فيه أكثر من 50 ألف درهم شهريا، ناهيك عن امتيازات أخرى مقابل منصب نائب برلماني دون تقاعد”، بهذا التصريح عُرف بلافريج في انتخابات 2016، وعندها تساءل الكثير من المغاربة كيف لـ”شاب” أن يتخلى عن وظيفة كهذه من أجل السياسة؟ وهو سؤال مشروع في ظل ما تشهده الساحة السياسية.

بلافريج الذي قال في إحدى تصريحاته إنه “يعتبر السياسة أخلاق”، جاء من عالم المال والأعمال إلى السياسة، بعدما قرر قطع علاقته بالمجال الاقتصادي من أجل تمثيل عينة من المواطنين في قبة البرلمان، وجد أمامه برلمانيين ووزراء من عالم المال والاعمال ويتوفرون على شركات تحتكر بعض المجالات الاستهلاكية في المغرب وأصابع الاتهام ما زالت تشير إليهم.

وهنا أتذكر تصريح لبلافريج، حين قال “لا يمكن أن تكون نائبا برلمانيا وموظفا في شركة تمتلك فيها الدولة أكثر من ٪30، لا يمكنني أن أبقى في هذا المنصب وأكون نائبا برلمانيا لأنني سأسقط في حالة التنافي”، وعلى هذا الاساس نتساءل كم من برلماني ووزير في الحكومة تربطه علاقات مصلحية مع مؤسسات الدولة؟ وعند جوابنا عن هذا السؤال نكون قد استفدنا الدرس الأول من بلافريج.

الدرس الثاني

بلافريج أصبح نائبا برلمانيا بعدما “حرق الصباط” في دائرة انتخابية محلية؛ وهي دائرة الرباط المحيط بقلب عاصمة المملكة، وليس من اللائحة الوطنية التي “جعلت منها عدد من التنظيمات الحزبية “ريعا سياسيا” يقدم للمقربين أو للمتملقين أو لمن يدفع أكثر” بحسب تصريحات عدد من الفاعلين السياسين من بينهم الامين العام لحزب “البام” عبد اللطيف وهبي.

المثير ليس نجاح بلافريج في ضمان مقعد برلماني في دائرة انتخابية توصف بـ”الصعبة”، لكن في الطريقة التي سلكها في الحصول على هذا المقعد، حيث وصف المركز المغربي لحقوق الإنسان الحملة الانتخابية لفيدرالية اليسار بأنها “الحملة الأكثر نظافة من بين حملات الاحزاب السياسية المغربية”.

وبالتالي فبلافريج نجح في الانتخابات عبر حملة انتخابية “نظيفة” وبأقل كلفة مادية، وليس من خلال الاستعانة بـ”سماسرة الانتخابات” أو “المال الحرام”. وهنا يحق لنا التساؤل؛ كم من حزب سياسي يعتمد على “الكائنات الانتخابية” من خارجها بهدف اكتساح الدوائر ويكون رأس مال حملتها الانتخابية التهافت والعنف اللفظي في حق الخصوم؟ وعند جوابنا عن هذا السؤال نكون قد استفدنا الدرس الثاني من بلافريج.

الدرس الثالث

طيلة مدة انتدابه بالبرلمان، كان بلافريج ممثلا نشيطا للشعب، وقدم صورة للنائب البرلماني الذي يترافع عن قضايا المواطنين. فالبرغم من أن مدة تدخلاته في البرلمان لا تتجاوز دقيقتين، إلا أنه أصبح من أشهر البرلمانيين خلال الولاية الانتخابية ما بين 2016 و2021، بسبب أسئلته الشفوية والكتابية.

واستطاع برلماني فيدرالية اليسار الديمقراطي الذي قال في تصريح صحفي سابق “بغيت نبين للناس أننا مختلفين عن الآخرين”، أن يخلق الحدث في أكثر من مناسبة داخل البرلمان وخارجه. و”اليوتيوب” يحتفظ له بمواقف شجاعة في عدد من القضايا التي صمت عنها عدد من ممثلي الأمة.

لا يمكن لمتتبع للشأن السياسي أن ينكر أن عمل وحيوية وصراحة بلافريج جعلته يصبح أكثر برلماني مشهور خلال الولاية الراهنة، في الوقت الذي لا يعرف فيه المغاربة مئات النواب والمستشارين البرلمانيين رغم أن بعضهم “شاخ” في السياسة وفي البرلمان. وهنا كذلك يحق لنا أن نتساءل؛ كم من برلماني عرفه المغاربة بهذه الكثافة في ولاية واحدة؟ وكم من برلماني نشيط وحيوي وصريح في قبة البرلمان؟ وعند جوابنا عن هذين السؤالين نكون قد استفدنا الدرس الثالث من الشخص المذكور.

الدرس الرابع

مع بداية الولاية الانتدابية الحالية، حمل عمر بلافريج عنوان “التواصل مع المواطنين والصحافة”، وكان يخبر الجميع بعمله وأنشطته طيلة أسبوع من خلال إبداع طريقة فريدة سماها “البودكاست السياسي”، وهي عبارة عن شريط فيديو يتحدث من خلاله عن مهمته داخل البرلمان وأنشطته الحزبية والجمعوية خارج البرلمان، وقد نشر إلى حدود اليوم 135 شريط فيديو.

لا يمكن أن يمر نقاش استأثر باهتمام المغاربة دون أن يُعبر فيه بلافريج عن موقفه الواضح في مجلس النواب أو عبر منبر إعلامي أو من خلال صفحته على موقع التواصل الاجتماعي، ولو في القضايا التي توصف بـ”السيادية” التي يلجم معها أغلب السياسيين وليس فقط البرلمانيين أفواههم.

نادرا ما تسمع من بلافريج جملة “عافاك عفيني من هاذ الموضوع” التي تتردد على مسامع الصحافيات والصحافيين في أغلب الاتصالات الهاتفية مع الفاعلين الحزبيين والسياسيين، ونادرا ما ينكف بلافريج عن تصريح صحفي بسبب اجتماع وهمي أو ظروف عائلية كما يفعل الكثير من “السياسيين”، وهنا نتساءل مرة أخرى؛ كم من فاعل حزبي وسياسي يتواصل مع الصحافيين دون تعقيدات؟ ومع المواطنين بشكل مستمر عبر مختلف الوسائل الممكنة؟ وعند جوابنا عن هذين السؤالين نكون قد استفدنا الدرس الرابع من بلافريج.

الدرس الخامس

“البرلمان مهمة مؤقتة وليس وظيفة”، هي العبارة التي ركز عليها بلافريج في إعلان قرار عدم ترشحه للبرلمان في الولاية المقبلة، والذي كانت “آشكاين” بالمناسبة سباقة إلى إعلانه في الأيام الأخيرة من السنة الماضية. وهي عبارة لاقت تفاعلا هاما على “السوشل ميديا” لأن المغاربة لم يألفوا سماعها من سياسييهم.

قرار بلافريج يأتي في الفترة التي يعد فيها عدد من السياسيين العدة من أجل الظفر بمقعد برلماني؛ وبالتالي العودة إلى “الكراسي الوثيرة” تحت قبة البرلمان، فالمعتاد في بيئتنا السياسية كما قال الأستاذ الجامعي؛ عمر الشرقاوي، أن “السياسي ينهي مساره بشكل بشع وكاريكاتوري ولا يترك الكرسي حتى ينتهي أجله بتدخل رباني بمرض عضال أو وفاة مفاجئة أو بقوة بشرية بإعفاء أو محاكمة”.

قرار بلافريج جاء في فترة تشهد تسارع الأحداث بسبب الاستقالات من هذا الحزب والاستقطاب من طرف ذاك الحزب وصراع داخلي في مجموعة من الأحزاب، ورغم ذلك استأثر موضوع بلافريج باهتمام مجموعة من المواطنين. وهنا نتساءل مرة أخرى؛ كم من برلماني أعلن للعموم عدم رغبته في الترشح لأنه يؤمن أن “البرلمان مهمة مؤقتة وليس وظيفة” ؟ وحتى إن كان؛ هل سيهتم به المواطنون كما هو الشأن بالنسبة لعمر؟ وفي جوابنا عن هذا السؤال نكون قد استفدنا الدرس الخامس من الشخص ذاته.

الدرس السادس

كانت “آشكاين” سباقة إلى نشر خبر عدم ترشح بلافريج للإستحقاقات الإنتخابية المقبلة في حينه كما أسلفنا الذكر، كما كانت من المنابر الإعلامية التي واكبت تطورات الأحداث من خلال البحث عن سبب هذا القرار. وفي كل مرة يجيب بلافريج “الأسباب فيها ما هو شخصي حيث بغيت نرتاح، وما هو سياسي، وصراحة ما بقيتش كانجاوب الصحافة حيث ما بغيتش نأثر على عمل الزملاء ديالي فالحزب”.

يقول هذا، ونحن قد علمنا من مصادر أخرى أن النقطة التي أفاضت الكأس هي اختلافه مع نبيلة منيب حول موضوع اندماج مكونات فيدرالية اليسار وطريقة تدبير منيب للحزب، لكنه يحاول أن يغض الطرف عن ذلك وينسحب بهدوء، وهو الأمر الذي نفتقر إليه في الممارسة السياسية المغربية إلا قليل، حيث أن كل من يختلف مع زميله في الحزب يضج غضبا ويتهم ويتوعد كأن مصالحه مست!

ولحدود اليوم، قرر بلافريج عدم التواصل مع الصحافة، لأنه لا يريد أن يؤثر على حزبه كما قال، أو يستغل ذلك ليصبح بطلا، خاصة أنه قادر على خلق تيار جديد داخل الحزب، وهنا نتساءل كم من فاعل سياسي يضحي بنفسه ويغادر الساحة من أجل الحفاظ على تماسك مكونات حزبه؟ وعند جوابنا على هذا السؤال؛ بالطبع سنستفيد الدرس السادس من بلافريج، وسنعلم أنه “كان درسا في أدائه السياسي ودرسا في إنهاء مساره أو وقفه لفترة”.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

5 تعليقات
الأكثر تصويتا
أحدث أقدم
Inline Feedbacks
View all comments
Mustapha
المعلق(ة)
الرد على  مواطن
8 أبريل 2021 10:54

C’est exactement ça la politique cher citoyen .

مواطن
المعلق(ة)
7 أبريل 2021 22:26

اذا لم يكن يريد ان يؤثر على حزبه فإن العكس حصل.

محمد أيوب
المعلق(ة)
7 أبريل 2021 19:15

تحية لهذا البرلماني:
أختلف مع مرجعية السيد بلافريج،لكنني احييه على موافقه وصراحته وأخلاقه التي باعها كثير من البرلمانيين بمن فيهم اولائك المحسوبونوعلى التيار الإسلامي حيث رأينا منهم تناقضات صارخا بل فاضحا بين ما كانوا يروجونه من شعارات وبين ممارستهم التي من أبرزها الطاحونة الحمراء ورفقة الوزير/الفقيه مع:”الخطيبة”بعاصمة الانوار..
أذكر أنني سمعت بلافريج يصرح بانه لا يصوم رمضان…هذا يبقى شان يخصه هو.. فما يحتاجه المواطن هو كائن سياسي صادق مع نفسه ومع ناخبيه وليس كائنات منافقا وانتهازيا ووصوليا يقول ما لا يفعل…تحية لأمثال هؤلاء النماذج وتعسا لكل شيوخ الكراسي والمناصب والريع…

مواطن حر
المعلق(ة)
7 أبريل 2021 18:20

مقال شافي و كافي ..

Mustapha
المعلق(ة)
7 أبريل 2021 18:11

Omar Bellafrige et Hafid El Alami, Nacer Bouriata, Laftite et Hammouchi feraient un bon noyau dure du gouvernement technocrate prochain. Les politicards partisans genre vieux style n’ont qu’à aller se rhabiller.z

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

5
0
أضف تعليقكx
()
x