لماذا وإلى أين ؟

بين الدين والعلم والسياسة.. لماذا يختلف المسلمون حول بداية رمضان؟

حسين عصيد

قبل أيام فقط من حلول شهر رمضان من كل سنة، يُستثار جدل واسع حول جدوى اختلاف المسلمين حول بداية موحدة لهذا الشهر الفضيل، والتي يربطها البعض بحسابات فلكية من اختصاص العلماء، فيما يربطها البعض الآخر بعدم اتفاق المسلمين أنفسهم حول النصوص الشرعية التي تُفسر هذه الشعيرة الدينية، بينما يأخذ فصيل ثالث مسافة من الرأيين السابقين، ليزج بالدوافع السياسية في الموضوع، معللاً رأيه بكون الخلافات السياسية هي العنصر المؤثر في هذا الموضوع رغم تحاشي الجميع، من عامة وساسة الحديث عنه. فبين الدين والعلم والسياسة، أي الثيمات الثلاث تعمّق هذا الاختلاف أكثر من غيرها بخصوص بداية شهر رمضان؟

رمضان السياسي

لاشك وأن النزاعات السياسية تطغى كل مرة لدى نشوب خلافات بين الدول الاسلامية حول بداية شهر رمضان، ففي حين لا تولي الدول الاسلامية غير العربية بالاً لهذا الأمر من أساس، كماليزيا وجمهورية البوسنة والهرسك مثلاً، فإن الدول العربية غالباً ما تضعه في أولى اهتماماتها، بل وتُبدي استعدادها لمخالفة القواعد الفقهية وحتى الحسابات الفلكية لتوظيف هذا الأمر في خلافاتها مع خصومها، وقد نقل لنا التاريخ بعض القصص التي تؤكد هذا المُعطى، حيث كانت ليبيا في عهد القذافي، والتي لم تُخف يوماً عداءها للمملكة العربية السعودية، هي الأكثر وضوحا في هذا السياق، إذ يستحيل أن تُحدد بداية رمضان أو العيدين من دون النظر إلى السعودية، كما يسود هذا الأمر أيضاً بين السنة والشيعة، اللذان لا يتفقان أبداً حول يوم بداية رمضان ولو شكّلا طائفتين في وطن واحد، وأبرز دليل على ذلك اختلاف شيعة وسنة العراق حول هذا الأمر إلى اليوم، حيث لا يصوم أبداً على سبيل المثال سنة سامرّاء مع شيعة كربلاء في يوم واحد رغم قرب المدينتين جغرافياً.

العلم نسبي والنصّ قطعي

رغم امتلاك الدول العربية لعدة أقمار صناعية من شأنها أن تتحرى أمر ظهور هلال رمضان من عدمه، إلا أن أغلبها ما زال يُفضل اعتماد الطرق التقليدية، ولا تختلف هذه البلدان في يوم رصد هلال رمضان فقط، بل في الطريقة المتبعة في الرصد أيضا، فتعتمد الهيئات الدينية لبعض البلدان الإسلامية على الرؤية بالعين المجردة أو التلسكوب، بينما تلجأ أخرى إلى الحساب الفلكي، وتفضل ثالثة الجمع بين الرؤية والحساب، إلا أن الحل العلمي لمسألة دخول شهر رمضان من عدمه تبقى أقل الأمور اعتماداً، خاصة وأن الفقهاء لا يحشرون الأمور العلمية، التي يعدّونها أمورا نسبية، في أمور دينية قطعية الدلالة، ويرفضون التعويل على الحساب الفلكي لمعرفة بدايات الشهور القمرية ونهايتها للصيام والإفطار، ويقررون أن الشرع لم يكلفنا في مواقيت الصوم والعبادة بمعرفة حساب ولا كتابة، وإنما ربط التكليف في كل ذلك بعلامات واضحة يستوي في معرفتها جميع الناس.

الدين نصّ واجتهاد

أما من الناحية الدينية فإن الخلاف يبقى ضمن حيز الاجتهاد، وقد اختلف الفقهاء في كيفية إثبات رؤية هلال رمضان، فمنهم من اشترط للعمل برؤية هلال رمضان شهادة عدل أو عدلين، ومنهم من اشترط جمعا غفيرا من الناس، كما يذهب فريق من الفقهاء إلى أن لكل بلد رؤيته ولا يُلزم برؤية أهل بلد آخر، مشددين على ضرورة رفع الخلاف حال وقوعه إلى الحاكم بغية الاتحاد ونبذ الشقاق، ذات الخلاف الذي شهد أقوى مظاهره سنة 2011 بالمملكة العربية السعودية، وذلك حين أثارت الجمعية الفلكية بجدة الجدل لدى اعترافها بأن المواطنين السعوديين أفطروا على رؤية كوكب زحل بدلًا من هلال شوال، بعدما أكد جميع الفلكيين في العالم العربي أن رؤية هلال شوال في سماء المملكة في هذا التوقيت هو أمر مستحيل، ولهذا السبب اضطرت المملكة لدفع مليار و6 ملايين ريال كفارة للشعب السعودي !

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

2 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
محمد احمد المختار
المعلق(ة)
12 أبريل 2021 13:17

اخالفك الرأي فالبنسبة للزمن الحاضر فلو ان الامة موحدة وعلى قلب رجل واحد ويتوفر لديها الامكانات المتوفرة الان مادية وعلميه وسائل اتصال فإنه لا بأس من الاتفاق على بداية الشهر ونهايته جوازا لا وجوبا،لكن الامة مختلفة بل الادهى من ذلك في دولة واحدة فيها طائفتان مختلفتان،فاختلاف المطالب بالنسبة للدول الغير الوحدة تحت حكم واحد قائمة،ولكل دولة الحق في مراقبة الجهلة في حدودها،ولا شيء في ذلك اذهو الاصل الذي كان ٧ليه الناس قبل ان تتوفر وسائل الاتصال،والله اعلم

ابو زيد
المعلق(ة)
11 أبريل 2021 23:40

لماذا نهاجم رسامي شارلي ايبدو على امعانهم في خدش شعور ملايير المسلمين، حين يتمادى بعضهم انطلاقا من توجهاتهم على الاصرار على تصوير حتى الصراعات المنهجية للمسلمين على انها صراعات متشددين كما في الصورة!!!
الا يحق لنا في هذا الوطن ان نندد بالاسلاموفوبيا الناشئة عند بعض المتشددين ؟!
اليس من العار ان نرسم عند العدو الخارجي صورة نمطية لمجتمعنا بالرغم من ان ذلك افك و كذب …
نحن لا نرى هذا النوع من التشدد و ان وجد فليس بالشكل الذي تصفونه…
لم نكن يوما مع التشدد بكل اشكاله ،و لكننا نغير على كل مكونات شعبنا مهما اختلفت، و لا نرضى ان نساير هجوم الغرب على معتقداتنا بمجارات سياستهم الحاطة من قيمة المسلم و قيمه!!

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

2
0
أضف تعليقكx
()
x