لماذا وإلى أين ؟

عادات صحراوية رمضانية (1): السِّيكْ

تفوح رائحة الموروث الثقافي الذي تكتنزه رمال الصحراء المغربية من بيوت أهلها، كلما أرخت ليالي رمضان سدولها على هاته الأراضي الزاخرة بتراث البيظان.

ألعاب شعبية وتقاليد وطقوس خاصة توارثتها أجيال من الصحراويين جيلا بعد جيل، تكشف عمق وتنوع الحضارة التي تزخر بها بلادنا، ما يجعل الزائر للجنوب المغربي يغوص في رحاب أجواء الحاضر التي تعود به إلى كنف الأجداد.

واختارت الجريدة الإلكترونية “آشكاين” أن تبسط سلسلة رمضانية لمجوعة من هذه التقاليد الصحراوية العتيقة التي تختزنها الأقاليم الجنوبية والتي يتميز بها شهر رمضان بالخصوص،  من خلال حلقات برنامج “عادات صحراوية رمضانية”، إذ سنتطرق في أولى الحلقات إلى أشهر الألعاب الصحراوية المعروفة باسم “السيك”، والتي مازالت تقاوم مظاهر التمدن والتحضر الذي عرفها المجتمع الصحراوي بعد انتقاله من البدو إلى حاضرة المدن.

نبذة عن اللعبة

وتتشكل عناصر لعبة “السيك” من كومة رمال على هيئة ظهر دابة يمتد طولها على حوالي 60 سنتمترا تسمى (لبرا) وتتطلب  سيكات لممارسة هذه اللعبة، بالإضافة إلى أدوات تشكل من الحجارة أو العيدان الصغيرة أو قطع من القصب يتحرك بها كل فريق على ظهر (لبرا) في اتجاه الفريق الخصم في محاولة لإخراج عناصره من دائرة التنافس، وتعتبر السيكات وهي 8 أعواد يتراوح طولها بين 30 و40 سنتمترات ذات وجه مقوس وملون وظهر أملس بلون واحد.

اللعبة في زمن الحجر:

ويرى الدكتور بوزيد الغلى، الباحث في التراث اللامادي الحساني، أن “لعبة “السيك” من أشهر هذه الألعاب الشعبية التي تمارس في شهر رمضان داخل بيوت الصحراويين، بعدما كانت تمارس في ظروف الترحال والبداوة تحت الخيام في فضاءات الصحراء الواسعة على ضوء مواقد لنار”.

وأشار الباحث في الموروث الحساني، إلى أنه في “زمن الحجر الصحي يغدو الترويح عن النفس ضروريا، إذ أن تجزِيَة الوقت التي كانت تتم في فضاءات خارج البيت، أصبحت اليوم تمارس ضرورة ووجوبا داخل البيت، خاصة بعد الإفطار في ظل حظر التجوال، وهو ما يملي ضرورة البحث عن سبل للتنفيس بعد يوم شاق من الصيام والعمل بالنسبة للأشخاص الذين يشتغلون طيلة ساعات النهار”.

وشدد المتحدث على أنه “من السابق لأوانه أن نتحدث عن دراسات تتطرق لهذا الجانب وإن كانت تجربتي الخاصة على الأقل، أثبتت أن هناك أسرا عديدة كانت تقضي ليل رمضان في لعب ‘السِّيكْـ’  “.

وأوضح بوزيد الغلى في حديثه لـ”آشكاين”، أنه “علاقة الترويح والترفيه بما يسمى الوقت الحر والهوايات التي تدرس من زوايا معددة، من أهمها سوسيولوجيا الترفيه، ومؤسسات الترفيه التي انقلت من طابع غير مؤسسي، حيث كان يمارس الترفيه داخل المجتمع  دون تنظيم، بينما اليوم أصبح الترفيه منظما، كما يقول الدكتور عبد الفتاح الزين في دراسته عن سوسيولوجيا الوقت الحر، من خلال مأسَسَةِ أنشطة الترفيه في دور الشباب والاندية وغيرها”.

لعبة ممتدة في المغرب وبلدان أخرى

وأردف الباحث نفسه، أن “ما ينبغي أن نعرفه عن لعبة ‘السِّيكْـ’  هي أنها ليست لعبة صحراواية مغربية خالصة، إذ يمارس في جنوب الصحراء كما يمارس في شرق المغرب نواحي تازة وبوعرفة، وكانت لي اتصالات ببعض الأصدقاء الذين عرفوني لأول مرة منذ سنة تقريبا على طريقة لعب ‘السِّيكْـ’  عندهم”.

مؤكدا أن هذه اللعبة الشعبية “منتشرة في المغرب، خاصة في الصحاري، في الجنوب والشرق المغربي، كما أنه منتشر أيضا في تونس تحت مسمى ‘السِّيق’، والخبير التونسي عز الدين بوزيد أنجز كتابا سماه دلالات منشط الألعاب التقليدية، فيه تفصيل عن السيك”.

مميزاتها

ولفت محدثنا الانتباه إلى أن “ما يميز ‘السِّيكْـ’ عندهم عن ما هو متعارف عندنا، هو أنه في تونس يُلعب بـ6 عصيات بينما يلعب عندنا في صحراء المغرب بـ8 عصيات تصنع في العادة من القصب، ويلون الوجه بشكل مختلف عن الظهر”.

موردا أن “هذا التلوين له علاقة بقواعد اللعبة، لأنه عندما يتم رمي العصيات أو القصبات وتأتي على الوجه تخضع ترتيب معين، وهو ما كنت قد تحدث عنه في مقالة بالفرنسية قارنت فيها بين ‘السِّيكْـ’ عندنا فيما يتعلق بهذه العمليات ذات الطابع الحسابي أصلا، وبين ‘السِّيكْـ’  الذي درسه الفرنسي بيلان في صحراء الجزائر في مقالة شهيرة تحت عنوان “L’enfant saharien à travers ses jeux”، حيث ركز بالضبط على ‘السِّيكْـ’ “.

وأوضح الباحث في الثقافة الحسانية أن “‘السِّيكْـ’  تلعبه النساء أكثر، وحتى الرجال أحيانا يشاركون فيها داخل أسرهم، وهي تلعب بشكل زوجي، أي أن كل لاعب مقابل خصم وقد يكون الفريق مكونا من شخصين”.

تغييرات طارئة على اللعبة

وأشار المتحدث إلى “التغير الذي طرأ على الرقعة، حيث كنا سابقا نلعب على الرمال، وكانت ترسيمة المفاتيح التي فيها المفاتيح ترسم على الرمل والبيادق كانت من البعر والعيدان، بينما العصيات التي يتم رميها خلال اللعبة معروف أنها تصنع من القصب”.

واسترسل محدث “آشكاين”، أنه “اليوم هناك اجتهادات كثيرة فيما يتعلق بصناعة ‘السِّيكْـ’  حتى يتلاءم مع وضع الاستقرار داخل المدينة، وهناك نماذج يصنعها الصناع التقليديون بكفاءة عالية وبثمن باهظ يصل إلى 600 درهم، وهناك أشكال مبسطة عبارة عن رقعة ترسم على خرقة أو شيء من هذا القبيل وأحيان تكون مزركشة، وهذا راجع لكون وضع البيوت لا يسمح بجلب الرمال في كل مرة للعب على أديم الرمل”.

وخلص الغلى بوزيد إلى أن “هذه اللعبة ترفيهية فعلا، لكن فيها تنشيط ذهني وعمليات حسابية، معتبرا إياها “من الألعاب الاستراتيجية أو الألعاب الفكري، وبعضهم يسميها ألعاب الحساب الذهني، مثلها مثل لعبة نيروبة وكرور؛ ولذلك تم قبل سنوات قليلة تكييف لعبة ‘السِّيكْـ’  من أجل استثمارها في الرياضيات، وهو موضوع بحث ميداني كنت قد أجريته قد يحين نشره في وقت لاحق”.

أحمد الهيبة صمداني – آشكاين 

 

 

 

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x