لماذا وإلى أين ؟

المواطن المغربي والأبناك

ياسين كورزي

في السنوات الأخيرة وبعد أن أصبحت المعلومة متاحة للجميع عبر الشبكة العنكبوتية يتم تسليط الضوء على ميادين معروفة بتقنيتها والتي كانت حكرا على دوي الاختصاص محط بحث العامة. ومن بين هذه الميادين نجد القطاع البنكي. فكل مواطن لا بد وأن مر بتجربة التعامل مع بنك أو إحدى مؤسساته.

هذا الاحتكاك نتج عنه خروج عدد كبير من الممارسات غير العادلة للعلن. وكنتيجة لذلك برزت قوانين جديدة مثل قانون حماية المستهلك، والتي تحاول فرض نوع من العدالة والتوازن والشفافية على ميدان مازالت فيه الأبناك هي المتحكمة.

بعد فضائح “إغلاق الحساب” ومتابعات لزبائن من محاميي هذه الابناك من أجل تسديد ما تراكم من عمولات باطلة رغم هجران هؤلاء الزبائن لتلك الحسابات منذ سنوات عدة، وكدلك ما تلى قرارات توقيف تسديد الأقساط الشهرية في ظل جائحة كورونا وجشع هذه المؤسسات التي لم ترحم هؤلاء المواطنين، عبر فرض رسومات وعمولات أشد وطأ من الاستمرار في أداء الأقساط من اجل الاستفادة من حق الامهال أصبحنا نتسائل؛ هل فعلا هذه الابناك موجودة لخدمة النسيجين الاقتصادي والاجتماعي الوطنيين أم أنها مجرد مؤسسات ربحية جشعة همها الوحيد الاغتناء على حساب المواطنين والوطن؟

لفت انتباهي اختيار بعض الهيئات الدولية لبعض المؤسسات البنكية الوطنية كأحسن البنوك قاريا من حيث تشجيع الاستثمار والمشاركة في التنمية الاجتماعية. لكن هذه المؤسسات الدولية تعتمد فقط على البيانات المعلنة وعلى مقارنات، ولا تبحث الأمر على أرض الواقع.

سأكتفي في هذه المقالة بلفت الانتباه لمسألتين، وهما تشجيع الاستثمار والجانب الاجتماعي في شقي الزبائن والمستخدمين. حيث أنه لا يخفى على أحد مدى إصرار وإرادة المؤسسة الملكية عبر خطابات ومناسبات عدة على أن تلعب هذه الابناك دور المحرك الاقتصادي للوطن مع صون كرامة المواطنين.

رد فعل هذه المؤسسات البنكية ما زال يغلب عليه الطابع الاني عبر التنافس في توزيع قروض الاستثمار وخاصة في إطار المبادرة الملكية لبرنامج انطلاقة، وتحقيق أرقام ضخمة لملئ البيانات، لكن يغيب عليها الطابع الاستراتيجي حيث سرعان ما سنشهد انكماش هذه الهبة بعد انتهاء مدة البرنامج الاستثماري والرجوع للممارسات المعتادة عبر شروط تقنية تصعب على حاملي المشاريع الولوج للتمويل، وبذلك لا يتحقق مبتغى تلك القروض وهو تحسين الوضعية الاجتماعية للمواطنين.

جودة معاملة الزبائن لدى هذه المؤسسات رهينة بحجم أرصدتهم البنكية ومداخيلهم لديها. فشح المعلومات وعدم الشفافية إضافة إلى عدم مراعاة الجانب الإنساني والاجتماعي للزبون بدعوى احترام القوانين والمساطر، غالبا ما يجعل من المواطن عرضة لتعسفات قد تؤدي به لما لا يحمد عقباه في حياته الشخصية، وهنا دعوة لمؤسسات المجتمع المدني لتكتيف الجهود من أجل صون حقوق المستهلكين للخدمات المالية وتوعيتهم بأمور تقنية لا يفقهونها.

الأمر نفسه ينطبق على ما يعيشه مستخدمو هذا القطاع الغارقون في الديون أمام مشغل يفرض ظروفا جد صعبة في العمل اليومي، مع مطالب بالزيادة في الإنتاجية دون مقابل في الأجور رغم تحقيق القطاع لأرباح خيالية. وعلى سبيل المثال لا الحصر؛ فالمستخدم البنكي يجد نفسه أمام عقود اقتراض تلزمهم بشروط إدعان تعسفية تلزمهم بدفع المبلغ الكلي موضوع القرض يوم يقرر الاستقالة أو حين يتعرض للطرد. هذه الشروط تجعل المستخدم مستسلما للأمر الواقع دون حول ولا قوة.

وأترك للقارئ أن يتخيل موقف مستخدم البنك ورب أسرة اقتنى محل سكنه وسيارته بتمويل من مشغله، والذي يقرر الاستقالة والمضي نحو أفق جديد أو تعرض للطرد حين يطالبه البنك بتسديد مئات الاف الدراهم بعد المغادرة تحت طائلة التهديد بتحقيق الرهن على عقار السكن والسيارة وتعريضه وعائلته للتشرد.

يجد المستخدم نفسه أمام عبودية بلباس “كوستيم” وربطة عنق تخنق أنفاسه ولا حل له سوى الانبطاح أمام التعسف والقهر والبقاء أجيرا محدود الأفق عند مشغله حتى انتهاء تسديد القرض صون لكرامة أسرته. وهنا السؤال؛ أين هي نقابات القطاع البنكي ولما لا تتدخل المؤسسات المكلفة بالرقابة؟ وأين دور فقهاء القضاء للتدخل باجتهادات تصون كرامة المواطنين؟ وأين هو المجتمع المدني من جمعيات حقوق الانسان وحماية المستهلك من هذه الممارسات التي تهدد حياة الزبناء والمستخدمين معا؟

قد أكون مخطأ في أمور وقد أكون محقا في أخرى، لكن تجربتي المتواضعة كإطار بنكي سابق مكنتني من معاينة مواقف لا تمت لادعاء ات الأبناك بالتزامهم المعلن بمراعاة الجانب الاجتماعي والإنساني للمواطنين بصلة. وقد أعود بالتفصيل لمناقشة مواضيع محددة وتقنية في مقالات قادمة تخص الميدان البنكي وهو ما أعتبره يقينا واجبا ومسؤولية لتنوير الرأي العام واقتسام التجارب.

إطار بنكي سابق

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين وإنما عن رأي صاحبها.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

2 تعليقات
الأكثر تصويتا
أحدث أقدم
Inline Feedbacks
View all comments
مدوخ
المعلق(ة)
30 أبريل 2021 07:35

لا شك ان الابناك وشركات التامين تحقق ارقام خيالية جدا مع صمت الحكومة وبنك المغرب.
وهذا بالطبع يؤثر على تطوير المقاولات و حياة الافراد بدون شك.

مغربي
المعلق(ة)
30 أبريل 2021 06:36

الأبناك في المغرب للأسف مؤسسات تسير بعقلية تاجر البندقيه، مؤسسات تكاد تكون تحايلية لا غير و أثبتت غير ما مرة أنها بعيدة عن هموم الوطن.

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

2
0
أضف تعليقكx
()
x