لماذا وإلى أين ؟

غرف الصيد البحري بالمغرب : الطبيعة القانونية و إشكاليات الممارسة العملية

محمد العطلاتي
مقدمة :
طرحت للنقاش، منذ فترة أواسط الثمانينات، مسألة تمتيع مهنيي الصيد البحري بــــ “تمثيلية مستقلة”، و ذلك من خلال مؤسسة تخضع لأحكام وقواعد القانون العام، حيث ساد وقتئذ نظام انتخابي كان يعتبر مهنيي قطاع الصيد البحري، بمختلف طبقاتهم، ضمن لائحة التجار، وتأسيسا على ذلك، فقد اعتُبِر هؤلاء المهنيون، سواء كانوا أشخاصا ذاتيين أو أشخاصا اعتباريين، ناخبين بحكم القانون في انتخابات تأليف غرف التجارة والصناعة و الخدمات بالمغرب.

و لاشك أن الفرق بين طبيعة النشاط الذي يزاوله التاجر أو الصانع أو الخدماتي، تختلف بشكل كلي عن طبيعة النشاط الذي يمارسه مهنيُّ الصيد، فهو نشاط اقتصادي يمارس بواسطة السفن و القوارب و المزارب، كوسائل عمل تختلف في طبيعتها المادية و القانونية عن غيرها من وسائل الإنتاج، كالمعامل بالنسبة للصناع و المحلات بالنسبة للتجار، كما أن وحدات الصيد العاملة تنتج منتوجا مختلفا عن غيره، هذا بالإضافة إلى كون وحدات الصيد، بمختلف أشكالها، تشتغل في مجال آخر غير ترابي هو البحر، كما أن هذا النشاط مؤطر و خاضع لسريان قانون آخر هو الظهير بمثابة قانون رقم 1.73.255 الصادر في 23 نوفمبر 1973 المتعلق بتنظيم الصيد البحري.

وقد اعتُبِرَ هذا الاختلاف في طبيعة مجال الشغل، من وجهة نظر المهنيين، أساسا معقولا للمطالبة بضرورة تحقيق “فصل مؤسساتي” بين مهنـيي الصناعة و التجارة من جهة و بين مهنيي الصيد البحري. في هذا السياق، استجابت الدولة في 31 مارس 1997 لهذا المطلب غير المُعلن من خلال إصدار نص تشريعي جديد هو القانون رقم 4.97 المتعلق بالنظام الأساسي لغرف الصيد البحري .

منذ إنشائها في ذلك التاريخ، كانت غرف الصيد، التي حدد مرسوم حكومي عددها في أربع غرف، مثار تساؤلات عديدة انصبت بالدرجة الأولى حول طبيعة الوظائف أو الأدوار التي سيكون بمقدور هذه المؤسسات العامة أن تلعبها، و عن حجم مساهمتها الفعلية في مراكمة الأدوات الأدبية و التنظيمية من أجل تطوير القطاع الاقتصادي الذي تمثله.

و بالطبع، فإن هذه التساؤلات بشأن وظائف غرف الصيد لا تستحق المعالجة الأدبية إلا من خلال التطرق لموضوعين متلازمين، يتعلق أولهما بمعالجة الطبيعة القانونية لهذه الغرف و التعريف بها، فيما يتعلق ثانيهما بطبيعة الاختصاصات النظرية التي أسندها لها القانون، و كذا الوسائل المتاحة لتنفيذها، وهذا ما سنتطرق للحديث عنه.

غرف الصيد البحري بالمغرب:

لقد عرفت المادة 1 من القانون رقم 4.97 المتعلق بالنظام الأساسي لغرف الصيد البحري الغرف باعتبارها “مؤسسات عامة تتمتع بالشخصية القانونية و الاستقلال المالي”، و تخضع الغرف طبقا لأحكام المادة 2 من نفس القانون ” لوصاية الدولة”، على أن “يكون الغرض من هذه الوصاية السهر على تقيد أجهزتها المختصة بأحكام هذا القانون خصوصا ما يتعلق منها بالمهام المسندة إليها و الحرص بوجه عام فيما يخصها على تطبيق النصوص التشريعية و التنظيمية المتعلقة بالمؤسسات العامة”، كما أكدت المادة ذاتها خضوع غرف الصيد البحري كذلك لمراقبة الدولة المالية على المؤسسات العامة وفق النصوص التشريعية و التنظيمية الجاري بها العمل.

و يجري تأليف غرف الصيد البحري، حسب المادة الثالثة، “من أعضاء منتخبين وفقا لأحكام مدونة الانتخابات”، على أن تعقد الجمعية المنتخبة، بعد انصرام أجل ثمانية أيام عن تاريخ إعلان نتائج الاقتراع، اجتماعا من أجل انتخاب مكتب يتألف من : رئيس، نائب أول للرئيس، نائب ثان للرئيس،كاتب، كاتب مساعد، أمين صندوق، أمين صندوق مساعد، و مستشارين لا يمكن أن يزيد عددهم على خمسة، وذلك طبقا للمادة 5 من الفصل الثاني من النظام المذكور.

و أشارت المادة 6 من القانون ذاته إلى أن ممثلي غرف الصيد البحري يشاركون في مداولات مجالس العمالات و الأقاليم بصوت تقريري، إذ تنتخب كل غرفة، من بين أعضائها، ممثلا لكل عمالة أو إقليم تابع لدائرة نفوذها، وذلك في محاولة من المشرع لإدراج صوت مهنيي الصيد في المناقشات التي تعقدها المجالس المذكورة و إتاحة المجال لطرح الآراء و الأفكار ذات الصلة بالقطاع، لكن مقابل ذلك، وفي سبيل تكريس المزيد من “التخصص” و “الاستقلالية الأدبية” لفائدة غرف الصيد، فقد تضمن التحيين الذي طال النظام الأساسي لغرف الصيد في غشت 2018، من خلال المادة 5 مكرر، ما يؤكد ثبوت حالة “تنافي مهام رئيس الغرفة مع مهام رئيس جماعة ترابية”، كما تضمن، من جانب آخر، التنصيص على “عدم جواز الجمع بين رئاسة الغرفة و صفة عضو في الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري أو صفة عضو بمجلس المنافسة أو عضوية الهيئة الوطنية للنزاهة و الوقاية من الرشوة و محاربتها”.

اختصاصات غرف الصيد البحري بالمغرب:

إن مسألة “الاختصاصات”، العائدة للغرف المهنية بوجه عام، ولغرف الصيد بشكل خاص، اعْتُبِرت على الدوام قضية غير متداولة بشكل سافر في النقاشات النظرية ذات الطبيعة القانونية، لكن جميع العاملين في الغرف، مُنْتَخبين كانوا أو مُسْتَخْدَمين، يكاد يحصل الإجماع لديهم بإن هذه الغرف لا تكتسي إلا تلك الطبيعة الاستشارية بالنسبة للسلطة المركزية، ولا تتمتع بأية سلطة تقريرية تهم القطاع الذي يفترض أنها تمثله بصورة من الصور. فما طبيعة الاختصاصات المسندة لغرف الصيد البحري في ظل أحكام ظهير 02 أبريل 1997؟

إن “الاختصاصات” التي حددتها المادة 23 من الظهير المشار إليه، لا تكتسي في واقع الأمر طابعا حصريا أو مقصورا على غرف الصيد البحري دون غيرها من الجهات، بل هي مما يمكن نعته “اهتمامات” ذات طبيعة عامة، لا ترقى، سواء من حيث الواقع، إلى درجة الوصف بــــكونها “اختصاصات” فعلية بإمكانها التأثير على إيجابا على الغايات العامة المرتبطة بتطوير القطاع و مؤسساته القانونية، فالمُشرِّع نفسه ذكر هذه الاختصاصات على سبيل الجواز لا الإلزام، و لا أدل على هذا الادعاء سوى التعابير الواردة في نص القانون المذكور، إذ أنه استهل المادة 23 بعبارة : ” يجوز لغرف الصيد البحري”، وذلك قبل الاسترسال في ذكر مهام أخرى ذات طبيهة اختيارية من قبيل :

– تزويد الحكومة بالآراء و المعلومات المطلوبة بشأن المسائل المتعلقة بالصيد….
– تقديم اقتراحات تتعلق بكل مسألة تهم قطاع الصيد البحري.
– المساعدة بهبات و وصايا و مساهمات اختيارية على إحداث و تعهد المؤسسات المعدة لغرض الصيد البحري.
– إعانة الحكومة على تعميم المناهج العصرية لصيد الأسماك .
– المساهمة في إرساء و تطوير البحث العلمي في القطاع….

من خلال قراءة سريعة للإصطلاحات المستعملة في صياغة هذا النص يتضح، أن غرف الصيد البحري، لم تُخَوَّل اختصاصات فعلية، بل منح لها مجرد “جواز/ أو ترخيص”، يتيح لها إمكانية التعبير عن رأي معين إزاء المسائل التي تهم قطاع الصيد البحري، سواء من تلقاء نفسها أو بناء على استشارة صادرة عن الإدارة المركزية الوصية.

ورغم أن المادة 23 من القانون تضمنت صيغة الوجوب، لا الجواز، فإنها لم تفعل ذلك إلا حين حديثها عن كون الإدارة مُلْزَمة باستشارة غرف الصيد البحري في مسائل ثلاثة دون غيرها، و هي المسائل المرتبطة بــــــ” الأنظمة المتعلقة بالصيد، إعداد و تطبيق مخططات تهيئة المصايد و إدارتها، و كل تدبير يهدف إلى تحسين ظروف الشغل في قطاع الصيد البحري”، و هو ما يعني في المحصلة حصر القضايا التي يُلْزِمُ فيها القانونُ الإدارةَ بضرورة استشارة الغرف، مع التذكير، بخصوص هذا الشأن، أن الإدارة لا تكون مجبرة، بأي وجه من الوجوه، على الأخذ بمضمون الرأي الاستشاري الصادر عن الغرف حالة صدوره، سواء أكان الرأي قد صدر بناء على طلب موجه من الإدارة الوصية أو تم إعداده و توجيهه من قبل غرف الصيد من تلقاء إرادتها. وهكذا تتأكد الطبيعة غير التقريرية لِما وصفه القانون “اختصاصات” عائدة لغرف الصيد البحري، و تتأكد معها بالضرورة الطبيعة الاستشارية لأدوار الغرف المهنية.

إشكاليات نقل المهام من المستوى النظري إلى المستوى التنفيذي :

إن الطبيعة الاستشارية لغرف الصيد البحري بالمغرب، وعدم تمتيعها بسلطة المساهمة في إعداد السياسة القطاعية المتعلقة بالصيد البحري، وهي طبيعة ليست موضع إنكار من أحد، فإن الوضع المترتب عن إقرار الوصاية في حق الغرف، وفق المفهوم المشار إليه في المادة 2 من القانون رقم 4.97 ، لم يمنع المشرع، الغرف من جواز القيام بمهام الوساطة بين مجهزي السفن و نظرائهم الأجانب، رغم أن المادة 22 من نفس القانون حصرت دور تمثيل الغرف لقطاعات الصيد البحري فقط أمام السلطات العامة الوطنية، الجهوية، و المحلية دون غيرها، كالمنظمات المهنية ذات الطبيعة الدولية، وهو الأمر الذي قوى بشكل أكثر ميل المهنيين نحو اعتبار غرف الصيد البحري مؤسسات ذات طبيعة نقابية رغم كونها، بمنطوق القانون، مؤسسات عامة لا يحق لها التداول في أمور من هذا النوع، ما يكشف حقيقة عدم وضوح أداء الغرف و عدم قيامها بدور ذي فعالية في تطوير و معالجة قضايا تعد استراتيجية في قطاع الصيد البحري.

و في سياق المهام النوعية التي أجيزت لغرف الصيد، يذكر المشرع عددا منها، كما هو الحال بالنسبة لــــمسألة “إعانة الحكومة على تعميم المناهج العصرية لصيد الأسماك و تحسين قيمة منتجاته و تسويقها و الحث على استهلاكها فيما بين الفاعلين بقطاع الصيد البحري” أو كما هو الحال فيما يتعلق بـــــ “المساهمة في إرساء و تطوير البحث العلمي في القطاع”، كما أن القانون ذاته أباح لغرف الصيد البحري، شرط حصولها على إذن بذلك من قبل الإدارة، تأسيس أو إدارة “المؤسسات المنحصر غرضها في أنشطة الصيد البحري و تربية الأحياء المائية” و كذا “المؤسسات ذات المصلحة العامة مثل المؤسسات التي تهتم بتكوين وتجديد تكوين المستخدمين العاملين في قطاع الصيد البحري أو تربية الأحياء المائية” . كما يمكن، علاوة على ذلك، “أن تُسند لغرفة الصيد البحري، باقتراح من الواهبين أو المؤسسين أو المكتتبين، مهمةُ إدارةِ المؤسسات المحدثة بفضل المبادرة الخاصة أو من لدن الحكومة و الداخلة في دائرة نفوذ الغرفة المذكورة”.

و بالنظر إلى طبيعة هذه الأدوار، ولو كان ذلك ضمن شرط الرقابة و ضرورة الحصول على إذن من سلطة الوصاية لمباشرتها، فهي أدوار تكتسي بعدا هاما و تشكل، في جوهرها، جزءا من القضايا الاستراتيجية التي يرتهن بها تطوير القطاع و تأهيله ليكون أكثر تنافسية و استدامة. لكن الملاحظ، في سياق متابعة عمل غرف الصيد البحري بالمغرب، أن هذه المؤسسات لم تتجه نحو العمل من داخل “الفلسفة” المُستقاة من مفهوم النص القانوني المؤسس، و لم تنجح، تبعا لذلك، في بلوغ الغايات المرجوة و تخلفت عن إنجاز المهام المتوخاة، فما السر وراء ذلك؟

لابد من التذكير، في هذا الخصوص، أن غرف الصيد البحري تُعد الأحْدَث من الناحية الزمنية، إذ لم تمر على تاريخ إنشائها سوى فترة يسيرة مقارنة مع غيرها من الغرف المهنية، و اعتبارا لذلك، فإن هذه المؤسسات لم تتمكن من تحقيق تراكم نوعي في سبل و مناهج اشتغالها، وهو ما يرجع لأسباب متعددة يأتي في مقدمتها افتقار الغرف للكفاءات البشرية الضرورية، من جهة، و عدم توفرها، من جهة ثانية، على الموارد المالية الكفيلة بنقل “اختصاصات” الغرف أو مهامها من مستواها النظري إلى المستوى التنفيذي، و ظلت الغرف، بالنتيجة، رهينة للروتين المُنحصر، في أحسن الأحوال، في عقد دورات الجمعية العامة الأربع و تحرير محاضر مداولاتها، لكن دون الإفلاح في تجاوزها نحو التطوير و الإبداع، إلا في حالات محدودة ترتبط في الغال بإقامة أو المساهمة في تنظيم “تظاهرات” ذات طبيعة إعلانية عادة ما يكون تأثيرها وقتيا لا استراتيجيا.

المـــــــوارد المــــالية لغرف الصيد البحري:

تحدث القانون المنظم لعمل الغرف، من خلال الفصل الرابع، عن ما أسماه ” تنظيما ماليا”، مشيرا إلى كون غرف الصيد البحري ” تتوفر على منقولات و عقارات” و عن كونها ” تدبر شؤون الأماكن التي تستقر بها و البنايات المخصصة بالمصالح التابعة لها” و أنها ” تنجز العمليات المتعلقة بإدارة أموالها”، وهو ما يوحي بما لا يعكس حقيقة الوضع، إذ أن الغرف لا تتوفر على موارد مالية متنوعة، بل إنها تعتمد بشكل مطلق على “تسديد نفقاتها بالحصة الممنوحة لها من حصيلة الرسوم و الضرائب المأذون في تحصيلها لفائدة مختلف الغرف المهنية، و بالإعانات المالية التي تقدمها الدولة و الجماعات الترابية و المؤسسات العامة و باشتراكات أعضائها و الهبات و الوصايا المقدمة لها”، لكن رغم هذا التنويع الشكلي في مصدر الموارد المالية، إلا أن الممارسة العملية أثبتت أن المورد الأول و الأخير هو ما يجري تحويله سنويا من خزينة الدولة لفائدة الغرف، ذلك أن الجماعات المحلية و المؤسسات العامة، ليس بإمكانها من الناحية العملية تقديم إعانات مالية للغرف، لاعتبارات تتعلق بالوضع المالي لهذه الجهات، من جانب، و ضرورة البحث عن صيغ تعاقدية تجمع المؤسسة المانحة بالمؤسسة المتلقية، من جانب آخر، و إيجاد صيغ تعتمد في جوهرها على مبدأ رئيس هو تحقيق مردودية فعلية تساهم في تنمية القطاع انطلاقا من رؤية شاملة.

و فضلا عن ذلك، تحدث الفصل الرابع عن إمكانية الإذن للغرف بـــ “إبرام اقتراضات من أجل بناء و تجهيز مؤسسات لها علاقة بمهامها و اختصاصاتها”، وهو مقتضى لا يدل على شيء، في واقع الأمر، إذ يُشترط في إبرام الاقتراضات أن تكون موجهة لبناء و تجهيز مؤسسات لها علاقة بمهامها و اختصاصاتها، وهو ما يجعل منها مصدرا ماليا “موقوف التنفيذ”، وذلك بسبب عدم توفر غرف الصيد البحري على مشاريع من هذه الطبيعة، ما يصنفها، تبعا لذلك، في حكم المنعدم، كما هو الحال بالنسبة لما سماه الفصل 17 من القانون المذكور “اشتراكات أعضائها”، إذ لا وجود لنص ينظم طبيعة هذه الاشتراكات أو مقدارها، ولا ما إذا كانت اختيارية أم من طبيعة مُلزمة.

الكفـــــاءات البـــــــشرية :

إن معظم غرف الصيد البحري بالمغرب تعرف خصاصا نوعيا، لا كميا، في الموارد البشرية، فأغلب العاملين بها، الذين أطلق عليهم القانون تسمية “مستخدمين”، لا يتوفرون على مؤهلات معرفية نوعية أو أي تكوين أكاديمي ذي صلة بقطاع الصيد البحري، يؤهلهم علميا للقيام بمهام معينة لفائدة الغرف، أو مساعدة هذه الغرف على ممارسة المهام أو “الاختصاصات” المذكورة في نص القانون، وذلك باعتبارهم أداة تنفيذية في يد الغرف. يُضاف إلى ذلك عدم استفادة هؤلاء المستخدمين، من أي تدريب إضافي يروم تأهيلهم بصورة تجعل عملهم يتلاءم مع طبيعة اشتغال الغرف، وهذا، رغم التحفظات التي سبق تسجيلها بشأن الاختصاصات الموكولة للغرف، إذ حتى لو اعتبرت اختصاصات واضحة و عملية، فإن نقلها من حالة التجريد إلى حالة التفعيل ظل على الدوام عملا متعثرا، حيث يُرجّح أن سبب هذا التعثر يعود في المقام الأول لافتقاد غرف الصيد البحري، خلال فترة طويلة، لمنظام يحدد مهام الجهاز الإداري و طبيعة المصالح التي يتشكل منها، و هو ما ساهم إلى حد بعيد في تعثر عمل المستخدمين و اقتصاره على اعتماد الشكليات دون اكتسابهم القدرة على النفاذ إلى جوهر الأمور المتعلقة بعمل الغرف، و هذا قبل أن تعلن الإدارة المركزية عن اعتماد منظام إداري يخص مستخدمي غرف الصيد في فبراير من عام 2021، لكنه لم يكن محددا على جهة الدقة و التناغم مع مهام و اختصاصات الغرف، بل كان المنظام الصادر مجرد إجراء شكلي لن يضيف جديدا لواقع الغرف.

خـــــــلاصة :

إذا كانت المؤسسات العامة، و من بينها غرف الصيد البحري، شكلا من أشكال التنظيم الداخلي لقطاعات الدولة المختلفة، فإن ذلك يعني بالضرورة اعتباره استثمارا عموميا، بالنظر إلى حجم النفقات التي تصرفها خزينة الدولة على هذه المؤسسات، و المنطق الاستثماري يقتضي، من بين ما يقتضيه، تحقيق غاية ربحية، فلا استثمار دون استحضار هذه الغاية، و إلا لكان استثمارا فارغا. و لأجل ذلك لابد من إحداث تحول عميق في وظائف و أدوار غرف الصيد البحري بصورة تجعلها أكثر مردودية، وعدم الاكتفاء بالوظائف التقليدية التي يجري اجترارها كل مرة، ما يستدعي إعادة النظر في الأدوات القانونية المنظمة لعمل الغرف و تمتيعها باختصاصات فعلية تنهل من رؤية جهوية حقيقية، رؤية قد تفلح في تدارك وضعية هذه الغرف، بدل الاستمرار في حالة انعدام للتوازن بين حجم النفقات العمومية و بين مردودية المؤسسات العامة.

متصرف بغرفة الصيد البحري المتوسطية

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين وإنما عن رأي صاحبها.

 

 

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x