2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]

تفوح رائحة الموروث الثقافي الذي تكتنزه رمال الصحراء المغربية من بيوت أهلها، كلما أرخت ليالي رمضان سدولها على هاته الأراضي الزاخرة بتراث البيظان.
ألعاب شعبية وتقاليد وطقوس خاصة توارثتها أجيال من الصحراويين جيلا بعد جيل، تكشف عمق وتنوع الحضارة التي تزخر بها بلادنا، ما يجعل الزائر للجنوب المغربي يغوص في رحاب أجواء الحاضر التي تعود به إلى كنف الأجداد.
واختارت الجريدة الإلكترونية “آشكاين” أن تبسط سلسلة رمضانية لمجموعة من هذه التقاليد الصحراوية العتيقة التي تختزنها الأقاليم الجنوبية والتي يتميز بها شهر رمضان بالخصوص، من خلال حلقات برنامج “عادات صحراوية رمضانية”.
وسنتطرق في الحلقة التاسعة عشر من سلسة “عادات صحراوية رمضانية“، إلى وجبات تميز نهار عيد الفطر المعروف عند عامة المغاربة بالعيد الصغير.
طعام يوم العيد بالصحراء بين زمني الترحال والاستقرار
وير الباحث في التراث اللامادي الحساني بوزيد الغلى، أنه “لا مناص من النظر إلى طعام العيد و الممارسات الغذائية المتصلة به، نظرة أنثروبولوجية تستحضر كون “حقيقة الإنسان مشروطة بالغذاء، حسب ما ورد في كتابه التراث الشعبي الحساني:ثراء وتنوع، ومنشورات الهيبة المصرية العامة للكتاب 2018”.
ولفت بوزيد الغلى الانتباه إلى أن “ماهية الغذاء محددة ثقافيا، إذ أن عمليات تحويل الأغذية من حالتها “الطبيعية “الخام” إلى وضعية ثقافية متحضرة أو ثقافية”، تسمح بالقول معليفي شتراوس بأن “الطعام والمطبخ يقفان بين الطبيعة والثقافة ويتوسطان بينهما، وأنهما يعدان وسيلة من وسائل التعبير عن الغنى الثقافي والاجتماعي، ومؤشرا على التحولات السوسيو- تاريخية”.
موردا أن “تلك التحولات التي من السهل ملاحظة أثرها في ” طعام يوم العيد” لدى البيضان بالصحراء، فقد أسفرت المقابلة الشفوية التي أجريتها مع كل من: الشاعرة الناهة التي شاركت في فعاليات مهرجان الطبيخ بالسمارة خلال هذا العام ، والشاعر الطاهر اخنيبيلا المهتم بالثقافة الحسانية بواد نون، بأن ممارسة أهل الصحراء الغذائية خضعت للتغير تبعاً لعاملين مؤثرين: نمط العيش والتحول من الترحال إلى الاستقرار، و مؤشر الوفرة والندرة (حالة السوق والقدرة الشرائية).
ونقل بوزيد الغلى في تصريحه لـ”آشكاين”، ما قالته له “الناهة كون طعام العيد عند أهل الصحراء لم يخرج زمن الترحال عن اللبن واللحم والشاي، بينما شهدت سنوات الاستقرار بالمدن تغيرات غذائية مست عوائد الأكل يوم العيد، فظهرت الحلويات على اختلاف أصنافها على مائدة الفطور صباح العيد، وأصبحت الخضروات والفواكه الأسماك تحتل مكانة بارزة في مائدة الغذاء.
مشيرا إلى ما “ذكره الأستاذ الطاهر بأن الناس زمن “الغزيان/الحروب الأهلية”، كانوا مضطرين للتوفر على مواد سهلة التحضير يوم العيد، فصرفوا العناية إلى “تيشطار (اللحم المجفف)، أما اللبن والشاي والتمر، فهما ” حاضرين في كل مراحل الترحّل والاستقرار” بحسب تعبيره”.
“فقد كان الإفطار لدى بعض الأسر صباح يوم عيد الفطر”، يضيف المتحدث نفسه “يقتصر على الزبدة والتمر والشاي الساخن، بينما تصر أسر أخرى على الإفطار أولا بالحساء الساخن المعروف بـ: النّشا أو لحْسَا لحْمَر، في حين، أصبحت المكسرات و الفواكه الجافة والحلوى و مختلف أنواع العصير تتسيّد موائد الإفطار يوم العيد بحسب حال الأسر من اليسر والعسر”.
و مما لا شك فيه ، أن طعام العيد ، و الغذاء بصفة عامة ، خضع في حالي الترحل والاستقرار لعمليات التحويل باستعمال مختلف التقنيات التقليدية و الحديثة مثل التجفيف و التمليح و الطهو بمختلف أنواعه ، فقد كان الرّحل يجففون التمر ،ويضعونه في ” إسْلخان” المصنوعة من جلد الماعز،
وأوضح الباحث في التراث اللامادي الحساني أن الصحراويين الرحل “كانوا يجففون موادا أخرى كالنعناع والجزر والتين، ذلك أن وسائل الحفظ والصيانة (التبريد مثلا) كانت معدومة، وكما مس التطور وسائل حفظ المواد منذ فترة الاستقرار بالمدن، فقد مسّ أيضاً وسائل إعداد الطعام وتحويله، فالمطبوخ كما قال شتراوس يقتضي وعاءً أي شيئاً ثقافيا، كما يزال عنه النيء كليا، فيكون بذلك أقرب إلى الثقافة منه إلى الطبيعة”.
وأشار محدثنا إلى اندثار “التمّيش: الذي كانت تقدح منه النار زمن الترحال، علاوة على اختفاء كثير من الأواني العتيقة، أو تراجع استعمالها كالمرجَن، وهو القدر الذي يطبخ فيه البدوي طعامه، وفي هذا الصدد، أقر مؤلف كتاب الشاي الصحراوي: درس التاريخ وسياقات التغير الاجتماعي، بـ” صعوبة ضبط تاريخ التطورات والتحولات التي عرفتها أواني الشاي: التطور من المائدة الخشبية إلى الطبق المعدني، من الإبريق الخزفي إلى الإبريق المعدني، من فنجان الخزف الصيني إلى الكأس الزجاجية”.
نماذج من المائدة الصحراوية يوم العيد :
الأشربة :
وبحسب بوزيد الغلى دائما، فإن “الأشربة التي يتناولها الصحراويون يوم العيد تتنوع بين أشربة ساخنة (الشاي)، وأخرى باردة مثل ‘الزريكَ’ (اللبن المخلوط بالماء) ولمْريس ( دقيق الشعير الناضج المخلوط بالماء)، و تَمبَرْما (مزج ” الكوكا كولا ” بالحليب المصنّع /حليب الرطلة).
دون أن ننسى، يقول الدكتور الغلى مشروب “بيْصام، والذي يعتبر مشروب ذو أصل إفريقي معروف في موريتانيا باسم بيصام ،نسبة إلى الشجرة التي تعطي أوراقاً بلون أحمر قاني حسب ما ذكر في كتاب :الأغذية والأشربة بالصحراء، و لا تخلو موائد الصحراويين يوم العيد من هذه الأشربة، وذلك حسب القدرة الشرائية للأسر”.
المأكولات الشعبية الصحراوية:
أما المأكولات التي يتناولها أهل الصحراء نهار العيد يوق مصدرنا أنها “تتنوع حسب المتوافر لدى الأسر، و يمكن أن نذكر علاوة على الكسكس، التبيخة التي تحضر بطهو لحم الإبل مع الماء والملح والسمن، بدون توابل، تيدكَيت (طهو لحم الابل المجفف و المملح مع قليل من الودك، و أحسب أن هذه الأكلة عناها صاحب “المسالك والممالك”، إذ قال: ” و طعامهم صفيف اللحم الجاف، مطحونا يصب عليه الشحم المذاب أو السمن”.
كما ذكر الباحث في التراث اللامادي في تصريحه لـ”آشكاين”، أكلة “مارو: أي الأرز، والتي تعد سواء مع اللحم أو السمك، وقد ذكر الباحث الموريتاني أحمد ولد حبيب الله أن أصول هذه الأكلة ولفية سنغالية (جيب جين أي الأرز و الحوت)، لكن البيضان استحسنوها و استلذّوها”.
أحمد الهيبة صمداني – آشكاين
الحلقات السابقة: من هـــنـــا.