لماذا وإلى أين ؟

هشام رحيل: روابط الثقافة أساس علاقة بناءة بين المغرب وأوروبا

إن تناول العلاقات المغربية – الأوروبية بالدرس والتحليل، يعطي انطباعا مبدئيا أن ثمة سمة تُميز طبيعة هذه العلاقة، وهي كونها تنبني على أسس اقتصادية بحتة، وليس على أسس ثقافية أو اجتماعية، ما يُبين أنها بُنيت من أساس لخدمة قطاعي التجارة والاقتصاد، مع إغفال العنصرين الثقافي والاجتماعي، الذين فقدا بريقهما مع الزمن إلى درجة التلاشي، كما ثبُت مع الزمن، أن معظم القمم الدولية التي تجمع القوى العظمى، تعطي الأولوية لمعالجة القضايا الاقتصادية فقط، في غياب رؤية مستنيرة وحكيمة للمشاكل الثقافية والاجتماعية والسياسية، من خلال تأثيرها المباشر على صعود الحركات ذات الخلفية المتطرفة، يؤكد هشام رحيلي، القيادي في حزب الحركة الشعبية.

ويستطرد رحيلي، أنه لا يمكن لأحد أن يجادل بخصوص المسودات الأخيرة المؤطرة لحقوق الإنسان حول العالم، ولا سيما في بنودها التي تتناول الحقوق الثقافية للشعوب ، التي تُشكل اليوم مصدرًا للتوترات الإقليمية، والتي تؤثر بشكل مباشر على استقرار المبادلات التجارية بين الدول، وتجعل حركة الاستثمارات ورؤوس الأموال عرضة للخطر، خاصة في منطقتي أفريقيا والشرق الأوسط، ما يفرض الطرح القائل بأن أي إهمال أو لامبالاة أو عدم فهم لهذه التطلعات الثقافية، يمكنه أن يؤدي حتما إلى صعود التيارات الداعية إلى الكراهية والعنف، من بين الثقافات والأديان المختلفة، والتي تنبت في بيئة الدين الواحد أحياناً، لذلك بات حريّاً التفكير بشكل مختلف، بهدف صياغة نهج شامل ومتكامل يؤطر العلاقات بين الشعوب والدول، وهو نهج يهدف إلى إيلاء مزيد من الأهمية للعامل الثقافي.

ويقول رحيلي، إن التطرف اصبح للأسف ثقافة سائدة في البلدان التي لا يتمتع فيها الناس بهامش كبير من حرية التعبير والديمقراطية، هذه الآفات التي تُسهم بشكل مباشر في إثارة الكراهية والدعوة إلى الإرهاب، وتنمو في فضاءات لا توجد فيها خطط حقيقية للتنمية الاقتصادية والازدهار الثقافي والسياسي، ليُصبح المواطنون المضطهدون بمثابة خزانٍ لتجنيد الإرهابيين.

من جهة أخرى، يُشير رحيلي إلى أن المغرب اليوم، بات يُشكل على الساحة الدولية نموذجًا لبلد يعيش بشكل كامل تنوعه الثقافي والحضاري، وبيئة تعايُشٍ للمسلمين والمسيحيين واليهود، وكذا للأمازيغ والأندلسيين والعرب، ليظل نموذجًا وتجربة ديمقراطية تجمع بين الخصائص المحلية، التي ليست سوى امتداداً لتاريخ الحضارة المغربية المتنوعة والغنية، التي تُساكن المعايير العالمية للديمقراطية وحقوق الإنسان. وبالنظر إلى الموقع الجغرافي للمغرب، ولعلاقاته التاريخية مع دول ضفتي البحر الأبيض المتوسط ​​، فقد أبان المغرب عن بُعد نظرٍ من خلال اعتبار أمن أوروبا جزءاً لا يتجزأ من أمنه، لذا لم يدخر جهداً في تقديم المشورة المناسبة، وكذا المساعدة اللازمة للدول الأوروبية عند الضرورة، ودون طلبٍ منها في أغلب الاحوال، ليبقى دافعه الوحيد إلى تبنّيه لهذه المقاربة، هو التمسك بالمُثل الأعلى للعيش المشترك، واحترام قواعد حسن الجوار، دون تعمّده ربط تبادل خبراته مع هذه الدول بمصالح محددة.

كما أكد قيادي حزب الحركة الشعبية، أن الأحداث الإرهابية التي شهدتها دول أوروبية مختلفة خلال السنوات الأخيرة، والتي يُدينها الضمير الانساني بشدة، لا ينبغي لها بأي حال من الأحوال أن تجعل الشعوب تقع في فخ الخوف والكراهية، بل على العكس من ذلك، فهي كانت بمثابة فُرصة تدفع المواطن منّا لمراجعة روابط الثقة المتزايدة لديه للحفاظ لاحترام الحقوق الثقافية للآخر، وتعزيز هذه الحقوق ليس خيارًا، بل هو ضرورة حيوية لتطوير العلاقة بين دول الشمال ودول الجنوب.

ولمواجهة تلك المخاطر، والمتمثلة في الإرهاب الثقافي أو الديني،  يُضيف رحيل، أطلق المغرب خططا جديدة تروم إطلاق الحريات، و تكريس السياسات العامة للتنمية البشرية، كانت أبرز تجلياتها إطلاق الملك محمد السادس للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، التي استهدفت الفئات الهشة من المجتمع،  التي تُعتبر الخزان الرئيس للعلل المجتمعية التي تُنتج الأفكار الراديكالية والدّعاة إلى الإرهاب، هذا من جهة، من جهة أخرى، أعطى المغرب مثالا لبلد متسامح ومنفتح، من خلال تطويره لبرامج تدريبية للأئمة في المغرب وأوروبا وافريقيا، بًغية نشر رسالة الإسلام المستنير للنموذج المغربي، الهادف إلى تكريس أسس الاعتدال والسلام والتسامح والأخوة.

كما حذر ذات المتحدث، من النزاع الإقليمي الدائر في الصحراء المغربية، مؤكدا أنه على أوروبا أن تتحمل مسؤوليتها أمام قضيتنا الوطنية العادلة، التي يُمكنها أن تتطور مع الزمن لتتولّد عنها مشاكل أمنية خطيرة، علماً أن منطقة الساحل وجنوب الصحراء معروفة بأنشطة التهريب والإرهاب، وأن أي شراكة اقتصادية بين أوروبا والمغرب أو دول الجنوب، لا تأخذ في الاعتبار الأمن والحقوق الثقافية المتبادلة، ستكون لها عواقب وخيمة على أمن جميع الأطراف، كون القضية الأمنية ليست عمل دولة واحدة أو قارة واحدة، بل هي التزام ممنهج  وعمل حثيث من طرف الدول، الأحزاب السياسية، هيئات المجتمع المدني ووسائل الإعلام، ما يستدعي الدعوة إلى إبرام ميثاق متعدد الأطراف ضد الإرهاب يكون عادلا ومنصفا لكل الدول بلا استثناء.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x