لماذا وإلى أين ؟

من يحكم “البيجيدي”؛ مؤسساته أم شيخه؟

كما كان متوقعا، صوت فريق العدالة والتنمية بمجلس النواب بالرفض على مشروع القانون رقم 13.21 المتعلق بالاستعمالات المشروعة للقنب الهندي، في حين صوتت باقي الفرق عليه بالموافقة، وجاءت نتيجة التصويت كالتالي 119 مع المشروع مقابل معارضة 48 نائبا عن فريق حزب العدالة والتنمية.

تصويت الفريق النيابي لحزب “البيجيدي” بالرفض على هذا المشروع يعتبر من الحالات الشاذة في الممارسة السياسية ويسائل مصداقية الخطاب السياسي لذات الحزب، ويوسع هوة الثقة بين المواطن والفاعل السياسي بالمغرب.

حلاوة الحكومة وثمار المعارضة

تصويت البيجيدي بالرفض على مشروع ” المتعلق بالاستعمالات المشروعة للقنب الهندي”، يحطه في موقع الحزب الراغب في حلاوة السلطة من خلال تشبته بترؤس الحكومة، والراغب في استثمار ثمار المعارضة لملفات تمس الوازع الديني أو الأخلاقي للمغاربة.

فالمشروع المذكور قدمته الحكومة التي يترأسها سعد الدين العثماني الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، ويشارك فيها 7 وزراء من الحزب نفسه، مما يعني أن الحكومة تعتمد على أغلبيتها البرلمانية في تمرير مشروع هذا القانون، والتي يشكلون فيها حوالي نصف النواب، لكن العكس هو الذي حدث، حيث تحول نواب “البيجيدي” إلى أكبر فريق نيابي معارض للحكومة التي يترأسها حزبهم.

ما قام به نواب “البيجيدي”، برره رئيسهم بمجلس النواب مصطفى ابراهيمي، بكونه نابع من “استقلالية قرار الفريق”، والتي تدعمها “ديمقراطية رئيس الحكومة مع فريقه النيابي”، وأنه “عندما قرر الفريق التصويت بلا، لم يفرض عليه قرارا آخر، لأن حزب العدالة والتنمية ليس حزب تعليمات”.

الابراهيمي وجه في مداخلة قدمها بالجلسة العامة التي عقدها مجلس النواب، الأربعاء (26 ماي)، اتهامات لسياسيين بـ”توظيف أموال المخدرات في الانتخابات”، وأن “هناك من سيوظف هذا القانون في هذا الاتجاه”، وهو اتهام في حد ذاته لرئيسه في الحزب والحكومة، سعد الدين العثماني، بمساعدة هؤلاء في ما يقومون به من توظيف لأمور غير مشروعة من أجل الكسب الانتخابي.

كلام الإبراهيمي يظهر “البيجيدي” بمثابة الحريص الأمين على مصلحة المواطن والرافض لأي توظيف غير مشروع للأمور من أجل الحصول على أصوات الناخبين، لكن نفس الحزب، أي “البيجيدي” سيحسب له أنه في عهد الحكومة التي ترأسها تم تقنين زراعة الكيف، وإخراج مئات الآلاف من المزارعين الصغار من دائرة اللاقانون إلى دائرة ممارسة نشاط فلاحي قانوني، وحمايتهم من استغلال مافيا الاتجار في المخدرات، وتمكين المغرب من مورد مالي مهم لخزينته العامة يساعد في التوازنات المالية.

فهل أساء البيجيدي إلى الممارسة السياسية الحزبية في المغرب وعمق هوة عدم ثقة المواطن في الفاعل السياسي أم كرس منطق استقلالية القرار داخل الهياكل الحزبية؟

من يحكم البيجيدي؟

“بصفتي عضو في المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية أعلن أنه في حالة ما وافقت الأمانة العامة للحزب على تبني القانون المتعلق بالقنب الهندي (الكيف) المعروض على الحكومة فإنني أجمد عضوتي في الحزب المذكور، وفي حالة إذا ما صادق ممثلو الحزب في البرلمان على القانون المذكور فسأنسحب من هذا الحزب نهائيا”، بهذه الكلمات الحاسمة خاطب الأمين العام السابق لحزب العدالة والتنمية، عبد الإله بنكيران، قيادة حزبه قبل ثلاثة أشهر من الآن، وبالفعل، تحقق له ما يريد، ولم تتبنى الأمانة العامة مشروق القانون المذكور، حيت وجدت تخريجة بحيث لم تقل لا ولم تقل نعم لهذا المشروع، ولم يصوت الفريق النيابي للمصباح على “تحليل زراعة الكيف”. الأمر الذي يدفع إلى التساؤل: من يحكم في البيجيدي، مؤسساته التقريرية أم شيوخه؟

استجابة الفريق النيابي للبيجيدي لطلب بنكيران مقابل الوقوف في وجه مشروع قانون قدمته الحكومة التي يترأسها الأمين العام الحالي لحزبهم ينسف كل شعارات الحزب بكونه “حزب مؤسسات ولا يتخذ القرارات وفق أهوائه الشخصية وإنما وفق ما تقرره أجهزته التقريرية”.

واقعة قانون “الكيف” هي بذرة انشقاق ستكبر يوما بعد يوم على أن تنسف الحزب، وذلك من خلال فتح باب إرضاء الأهواء الشخصية لقيادات على حساب أجهزة الحزب وهياكله، مما يجعل الحزب أداة في يد شخص بدل آلية للممارسة السياسية  التي توحد رؤى مختلف المنتسبين إليها.

“واقعة الكيف” تحتم، منطقيا، أن يستقيل العثماني من رئاسة الحكومة، أو أن يعزل من الأمانة العامة للحزب. وجب عليه الاستقالة من الحكومة لأنه هي من جاءت بهذا القانون، وعدم تصويت فريقه عليه يعني عدم ثقتهم فيما تقدمه الحكومة من مشاريع قوانين، وبه وجب عليه الالتزام بوجهة نظر إخوانه في البرلمان، وهم الأغلبية.

أما ضرورة عزله من الأمانة العامة للحزب، فلكونه لم ينضبط لخط وخطة هذا الأخير في الممارسة السياسية، وجاء بقانون يتناقض ومبادئ الحزب، وهو ما يجعله في موضع الخارق لما اتفق عليه الإخوة في الهيئة السياسية التي تجمعهم، أي أنه لم يعد مؤهلا لقيادتهم.

فماذا لو هدد غدا أو بعد غد المصطفى الرميد أو محمد يتيم أو لحسن الداودي أو غيرهم من شيوخ الحزب المريدين بالاستقالة منه إن تم التصويت على مشروع قانون لم يرضي أهواءهم الشخصية ومنطقهم في فهم الأشياء؟

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x