لماذا وإلى أين ؟

في المغرب: إصلاح القضاء أولى من محاربة الفساد

أمين بوشعيب*
أوردت إحدى الصحف المغربية أن ثمة مشروعَ حملةٍ تطهيرية كبيرة، قد وُضع مؤخرا، على سطح مكتب محمد السادس، لا ينتظر سوى الضوء الأخضر من هذا الأخير، ليشرع المجلس الأعلى للحسابات الذي تترأسه الوالية زينب العدوي، في تنفيذه قبل إجراء الانتخابات التشريعية المزمع إجراؤها في شهر سبتمبر القادم. وكشفت ذات الجريدة التي أوردت الخبر في ركن “سري”، أن هذا المشروع الذي يحمل عنوان “الأيادي النظيفة” يُعدُّ من أبرز المشاريع التي ستمكّن من تفعيل المسائلة بشكل آني في وجه عدد من المنتخبين والمسؤولين على حد سواء.

والحقيقة أن المغرب عرف –منذ بداية استقلاله- عدة حملات تطهير ضد الفساد والمفسدين، لكنها كانت مناسباتية، ولم تبلغ الأهداف المنشودة منها، بل على العكس من ذلك، نلاحظ أنه كل عام تزداد رقعة الفساد ويزداد عدد الفاسدين، حتى أصبحت ملفات الفساد والجرائم المالية تُعرض نهارا جهارا على مرأى ومسمع من الجميع، دون أن تطول يد القضاء المتورطين الكبار، إذ غالبا ما تقتصر المتابعات والأحكام القضائية في ملفات الفساد الكبرى ونهب المال العام على بعض الموظفين الصغاروبعض المنتخبين والمقاولين وتقديمهم ك«أكباش» فداء، وهو ما يعتبره كبار المفسدين ضوءا أخضر يشجعهم على التمادي في الفساد. ونكتفي في هذه العجالة بالإشارة فقط إلى أبرز قضايا الاختلاس المالي والفساد منها قضية الفساد والاختلال المالي التي سجلت مطلع الثمانينيات في ملف شركة دار النشر المغربية «إيديما» التابعة لحزب.الاتحاد الاشتراكي على عهد القيادي الاتحادي محمد اليازغي، ومنها أيضا قضية صندوق الضمان الاجتماعي وتبذير 115 مليار درهم على عهد النقابي الكونفدرالي محماد الفراع، و قضية البنك الشعبي في العاصمة الفرنسية باريس، إذ فاقت الأموال المختلسة 30 مليون درهم، ومنها قضية القرض العقاري والسياحي الشهيرة، حيث تمّ نهب 15 مليار درهم على عهد القيادي الاتحادي خالد عليوة، ومنها قضية المكتب الوطني للمطارات على عهد عبد الحنين بنعلو ومدير ديوانه ومسؤولين سابقين اتُّهموا بارتكاب خروقات وتجاوزات مالية كبيرة جدا وصل عدد المتابعين فيها إلى 25 متهما.ومنها كذلك قضبة مجازر البيضاء الكبرى..إلى غير ذلك من القضايا وهي كثيرة جدا.

وكان كلما تفجرت قضية استبشر المغاربة خيرا في أن القضاء سيأخذ مجراه الطبيعي، لكن شيئا من ذلك لم يتم، ويعود اللصوص الكبار إلى قواعدهم وثرواتهم التي نهبوها سالمين. والغريب في الأمر أن أغلب هؤلاء اللصوص أو كلهم ينتمون لأحزاب ونقابات ترفع شعارات تخليق الحياة السياسة.

يذهب بعض المحللين إلى أن استفحال الفساد في المغرب، يعود بالأساس إلى عدم استقلالية القضاء، وإلى التدخل السافر للسلطة التنفيذية في الجهاز القضائي، حتى إن القاضي أصبح يُصدر أحكامه طبقا للتعليمات التي تُملى عليه، وليس طبقا لما يتضمنه القانون المغربي من عقوبات في حق المتورطين في قضايا المال والاختلاس أو من أسمّيهم اللصوص الكبار.

لكني أضيف إلى ذلك سببا آخر له وجاهته وهو أن بعض القضاة أصبحوا جزءا من منظومة الفساد، يشاركون بدورهم في نهب المال العام، والتغطية على المفسدين وحمايتهم بالمقابل. بل وتثبيثهم في أماكن الزعامة والقيادة ضدا على القانون (حالة محمد ساجد الذي انتهت ولايته، ومع ذلك رسّخه القضاء بتواطؤ مع وزارة الداخلية، أمينا عاما لحزب الاتحاد الدستوري رغم أنف القانون ورغم أنف الدستوريات والدستوريين)

إن اللافت للنظر، ونحن نتحدث عن هذه القضية التي أرّقت المغاربة، أن المسؤولين الكبار في المغرب طبّعوا مع الفساد حتى أصبح شيئا طبيعيا، ( كما طبع رئيس الحكومة المغربية سعد الدين العثماني مع إسرائيل فأصبحت دولة شقيقة،) وعملوا كذلك على توسيع القاعدة الاجتماعية المدافعة عن الريع والفساد. فصار بذلك أسلوبا للتدبير في غياب واضح لدولة الحق والقانون.

فلاش: في 29 من يونيو من سنة 2013، أمر قاضي التحقيق بمحكمة الاستئناف للدار البيضاء باعتقال خالد عليوة بناء على تحقيقات للشرطة القضائية، على خلفية اتهامات وجهت للقيادي الاتحادي جاء بها تقرير للمجلس الأعلى للحسابات» تهم « تسخيره لموارد الفنادق التابعة لمؤسسة القرض العقاري والسياحي الذي كان على رأسه، لفائدة عائلته ومقربيه، إذ كشف التقرير أنه استفاد من أجنحة ملكية كاملة الخدمات لنفسه، وسخر بعض خدمات الفنادق التابعة للبنك لأقاربه ومعارفه بشكل مجاني.

المغاربة حينذاك استبشروا خيرا بهذا الخبر، لقد زُجّ بخالد عليوة في السجن بعد أن تقررت متابعته في حالة اعتقال، قبل أن تصدر تعليمات ملكية تمكنه من حضور جنازة والدته التي توفيت وهو في السجن، لتتقرر متابعته في حالة سراح، نعم لقد تمتع بسراح مؤقت في قضية لا تبدو نهايتها وشيكة على الأقل في المدى المنظور.
*كاتب مغربي مقيم في روما

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين وإنما عن رأي صاحبها.

 

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

5 تعليقات
الأكثر تصويتا
أحدث أقدم
Inline Feedbacks
View all comments
Bentahar Mostafa
المعلق(ة)
11 يوليو 2021 10:23

وكيف يمكن إصلاح القضاء!؟

محمد
المعلق(ة)
11 يوليو 2021 05:27

تخليل هادف لكن لماذا اقتصر صاخبه على انثلة الفساد من اباخزاب التي تدعي انها وطنية وهو الونيد النذكور اين الفاسدون من احزاب اخرى ومنها احزاب الكتلة الوطنية او ما يسنى باحزاب ابادارة وغيرها وهم كثر ناهيك عن النسؤولين من الولاة والعمال النساندون والذين لا يمكن ان يفسد فاسد الا بالتواطئ معهم والذين خرقوا واخلوا بالقانون بكل انواعه ومنه قانون التعمير باستعمالهم الاستثناء في الاستيلاء على املاك الدولة او الخواص

Okok
المعلق(ة)
11 يوليو 2021 04:35

القضاء
الصحة
التعليم
بدون هذا الثلاثي
سنبقى امة متخلفة
إلى الأبد

علي
المعلق(ة)
11 يوليو 2021 00:44

جميع المشاكل تنتهي عند القضاء، وهنا تبرز اهميته القصوى،

ابو زيد
المعلق(ة)
11 يوليو 2021 00:36

العنوان يلخص و يوجز….
بعده مجرد انشاء

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

5
0
أضف تعليقكx
()
x