لماذا وإلى أين ؟

عن الذباب و النحل و الخطاب السياسي

وجب التأكيد بدءا، على أنه لا النحل و لا الذباب يمارسان السياسة، فالسياسة فعل يقتصر على الإنسان وحده ، فسقراط، كما كل من تلاه حتى حنا أرندت، أقروا بذلك.

أما هذا المثال الرائج و القادم من أعماق الخابية الثقافية المغربية فهو للتدليل على قيام “التفاضل بين الجودة و الكم”.
و هي الفكرة نفسها التي تستحمل الكثير مما يقال و ليس مختصره أنه : لا توجد بالضرورة جودة جيدة أيّما وُجِدت النذرة و القلة و لا توجد جودة سيئة أيّما وُجدت الكثرة، إنه قول مجانب للصواب، لأن قياس الجودة يخضع دائما لمعايير محددة مسبقا، متجددة باستمرار، في كل المجالات و هو اليوم فرع من فروع العلم و التقنية له أدواته و معارفه المتنوعة و أهل اختصاص.

و في السياسة، ليس في العلم و الفكر، العبرة و القوة ليست بجودة العناصر أو نبل الفكرة فقط، بل بمدى قدرة المشروع السياسي على إقناع أكبر عدد من الناس،مهما تنوعت اهتماماتهم. الأمر الذي نجده طبيعيا ما دام هذا المشروع يستهدف مجتمعا برمته و هذا المجتمع ليس أقلية نوعية، بل هو أكثرية متباينة النشأة و المعارف و الذكاءات ،خاصة إذا استحضرنا شكل اللعبة الديمقراطية التي أبهرت و ألهمت هذا النوع من اليسار اليوم، المرتبطة أساسا بالتدرج في تغيير الواقع و توسيع قاعدة المقتنعين بالمشروع ليصير مع الزمن مشروع الأغلبية بلا حرب و لا ديكتاتورية متجاوزا في نظره أطروحات سابقة.

يليه أمر صار يلفت الانتباه مع بعض القادة السياسيين، الذين أبانوا عن علو كعب في استغلال الوسائل الجديدة للتواصل للقيام بتسويق إعلامي كبير للمشروع المنتمين له و لشخصهم هم ، بالظهورالمتكرر و بجرأة و تحدي لمشهد مصبوغ بوحدة النموذج المتداول و الممل و الرداءة و الخوف من قول المواقف الصريحة كما ركزوا على الصورة بدل الكتابة و الشعارات المختصرة و تكرارها بدل التحليل. الأمر الذي لا يمكن أن ينكره أحد و بدوره، دون الأحذ في أسبابه و آثاره.
المثير أيضا هو عدد “الزلگات”و الهفوات التي يسقطون فيها، ما نجده أمرا غير معاب بالمرة، فكل إنسان ممارس قد يخطئ، رغم خطورة الزلگات ما دامت أمام إعلام بمعايير جديدة، يرفع و يخفض أسهم الإنسان في أيام.

الكل يتذكر العدد القياسي للهجمات، الكلامية، ضد اليمين و الشمال و الخلف و الأمام ضد الأصدقاء و الأعداء، التي يقوم بها البعض من القادة، الأمر الذي لا يمكن اعتباره جرأة، بل يدخل في نطاق ممارسة الهواية السياسية. فخوض الحروب ضد الكل ضد القريب و البعيد ضد الصغار و الكبار، هو في الحقيقة يشبه قصص و أفلام البطولات و لا شيئ فيه من الممارسة السياسة الرزينة و العقلانية، التي تستدعي النطق بالقول و ممارسة الفعل في زمانه و مكانه المناسبين. هذا دون ذكر الأخطاء السياسية التي تؤدي جماعاتهم السياسية ثمنها كم مرة مع أمام الحلفاءه و الخصوم. ثم الأخطاء المعرفية الأبجدية فتكرراها يفصح عن المكنونات و التحاليل المترهلة للواقع الساقطون فيها كذا، تؤكد على أشياء عدة مما يطبع الساحة السياسية المغربية و بذلك يكونون هم أيضا صمن دوامتها و لا يخرجون، الأمر الذي يستدعي منا التمييز اليوم بين أنواع من القادة السياسيين:

1. القائد السياسي الناقل لخطاب و مواقف جماعته السياسية المتفق عليها بأمانة، باجتهاد لفظي أحيانا و دونه أحيانا أخرى.
2. القائد الموجه و المؤطر لأعضاء جماعته باجتهاداته و تحليلاته النظرية و العملية في السياسة كما الاقتصاد و الاجتماع و قوة خطابه الحجاجي المقنع و المجمع للعناصر المتفرقة.
3. القائد المحرض الذي يستلهم من خطاب الشعب و الذي يكون هدفه التجييش و تحفيز الناس لأن تنتفض ضد واقعها أو لفت الأنظار له و/أو لجماعته.
يتمنى المرئ منا، لو تجتمع هذه الخاصيات كلها في شخص واحد، كأولائك الذين ألهموا الشعوب و الثورات و طبعوا أذهان الناس، لكن ليس كل ما يتمناه المرئ يدركه.
هؤلاء لم ينجحوا ربما في أن يتوفروا على صفات القائد رقم 2، رغم ما يبدوا عليهم من محاولات لذلك في خرجاتهم الإعلامية و الجيد أن يحاولوا كثيرا و يلحوا فالله يحب العبد الملحاح، لكن في رأينا، يبقى دورهم موشوما في مرحلة ما بعد 20 فبراير و الظواهر التي رافقت المشهد السياسي المغربي و الاستقطاب الاعلامي الكبير للمغاربة نحو متابعة التصريحات، خصوصا أن هذه الفترة كانت منطلق مواقع التواصل الاجتماعي و بقوة في اكتساح حياة الناس و هو الأمر الذي لا يصلح دائما و إن خرج عن زمانه قد يصير عبئا إضافيا على حاملي ذلك المشروع الممثلين له، فلكل زمان رجاله و نسائه.

يبقى هذا رأيا قابلا للجدال حوله بعيدا عن كل حرب و لا تجريح شخصي.

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين و إنما تعبر عن رأي صاحبها حصرا

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

1 تعليق
الأكثر تصويتا
أحدث أقدم
Inline Feedbacks
View all comments
ابو زيد
المعلق(ة)
19 سبتمبر 2021 23:58

كل هذا لذاك….
اصبحنا نعرف الفحوى و الخاتمة من الحروف الاولى…
و نستغني عن قراءة الكل ،لان روح التشويق التي تدفع الى ذلك …كما ان الاختلاف اصبح من المحرمات!
كنا نخاف ان تنتقل إلينا عدوى دول الانقلابات …
كما اننا عهدنا لغة القطاع البصري، و فراغ محتواها، لكننا لم نكن نظن ان الكل سبنصاع تحت مبررات و مفردات دخيلة!!
من علمنا كيف نوظف مفرد الاسلام السياسي؟!
هل هناك بند في الدستور يفرق بين المغاربة و لم نطلع عليه؟!
فشل هؤلاء لا يعني نجاح الآخرين بمجرد الفوز ب…..
تدرج على تسيير الشأن السياسي في بلدنا مختلف الاطياف وتقاسموا الشئ نفسه، الفشل!!
نحن نرحب باي كان، كان انتماؤه حتى ….شرط ان يكون هدف وصوله خدمة الوطن و المواطن!

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

1
0
أضف تعليقكx
()
x