لماذا وإلى أين ؟

بيريسترويكا جديدة تنتظر حزب العدالة والتنمية

سعيد الغماز*

لا شك أن حزب العدالة والتنمية يوجد الآن في مفترق الطرق، ووضعه الحالي يتطلب منه أمرين اثنين فقط: إعطاء الإجابات الصريحة حول نتائج انتخابات 8 شتنبر وإعداد أطروحة سياسية جديدة تناسب طبيعة المرحلة وتنسجم مع الوضع الجديد للحزب.

ما وقع لحزب “البيجيدي” في الانتخابات الأخيرة ليس مرتبطا بأمور خارجية فقط كما يسير إلى ذلك العديد من قياديي الحزب، وإنما نجد أسباب نتائج هذه الانتخابات في ما هو خارجي وما هو مرتبط بالوضع الداخلي للحزب كذلك. وإذا كانت الشروط الخارجية تتطلب من قيادات الحزب أخذها بعين الاعتبار في إعداد الأطروحة السياسية الجديدة، ولا يجب تعليق مشجب تراجع الحزب عليها، فإن الوضع الداخلي للحزب هو ما يجب تشريحه للجواب عما حدث يوم 8 شتنبر.

الوضع الداخلي للحزب منقسم بين تيار عودة الأمين العام السابق ذ. عبد الإله بنكيران إلى الواجهة وإلى قيادة الحزب، وبين التيار الرافض للولاية الثالثة لهذا الأخير. لكن يجب ملاحظة ظهور تيار جديد بعد انتخابات  8 شتنبر يطالب بقيادات جديدة وظهور الحزب بوجوه جديدة ولا يتردد في المطالبة برجوع جيل التأسيس إلى الوراء وترك المجال للجيل الجديد.

وإذا كان من السابق لأوانه الحديث عن هذا التيار الجديد، لكون أطروحته لا زالت قيد الإنشاء ولا نعرف مدى تقبلها من طرف قواعد الحزب، فإن أطروحة عودة بنكيران هي التي ترتفع بها أصوات قواعد الحزب. وهو أمر طبيعي لكون الأطروحة الأخرى تجد نفسها غير قادرة على الدفاع عن نفسها بعدما اعترفت بمسؤوليتها عن النتائج الأخيرة وقدمت استقالتها في سابقة من نوعها في الممارسة الحزبية في المغرب.

لكن الخطأ الذي يمكن أن يقع فيه أصحاب عودة بنكيران، هو اعتبارهم أن الشروط التي صاحبت فترة تحمل بنكيران لقيادة الحزب والتي اتسمت بحزب قوي له شعبية كبيرة وحقق انتصارات غير مسبوقة في المحطات الانتخابية 2011 و2015 و2016 ، هي نفس الشروط التي ستحكم عودة الأمين العام السابق لقيادة الحزب من جديد. بل منهم من يربط هذه العودة بعودة الحزب إلى إشعاعه وشعبيته وانتصاراته بشكل تلقائي.

الأكيد هو أن الأستاذ بنكيران لا زال يتمتع بشعبية داخل حزبه، ولا زال لديه جمهور من المواطنين والمتعاطفين مع الحزب. لكن الشروط التي خلفتها هزيمة الحزب في الانتخابات الأخيرة غيرت قواعد اللعبة وخلقت وضعا سياسيا جديدا أصبح يطرح على حزب البيجيدي تحدي التعامل الجيد مع الوضع الجديد.

تغيير الأطروحات السياسية وحتى مراجعات الاختيارات السياسية ليس بالجديد على قيادة الحزب، فقد سبق لإخوان بنكيران أن قاموا بمراجعات كبيرة وجذرية في ثمانينيات القرن الماضي. هذه المراجعات غَيَّرَت الكثير من القناعات وساهمت في دخول التيار الاسلامي المؤسسات السياسية بشعارات جديدة من قبيل شعار “الاصلاح ما استطعت” مقابل شعار التغيير، وشعار “التدرج في الإصلاح” و”نتعاون مع الغير في الخير” و”التوافق بدل التصارع” “والتعاون بدل التنافر” “ونحن نواجه الخصوم وليس الأعداء” وغيرها من الشعارات التي تعكس تلك المراجعات.

ينصب العديد من أطر الحزب ومؤسساته في التنظير لأطروحة سياسية جديدة، لكن واقع المرحلة لا يقف عند إعداد هذه الأطروحة الجديدة، بل الأمر يتطلب مراجعة ثانية على غرار المراجعة الأولى، وربما يتطلب الأمر بيريسترويكا جديدة تُمكن الحزب من إعادة البناء وإعادة الهيكلة كما هو المعنى الذي يحمله المصطلح الروسي.

*باحث في التنمية وتكنلوجيا المعلومات والاتصال

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين وإنما عن رأي صاحبها.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x