لماذا وإلى أين ؟

أقصبي يرصد التناقضات الاقتصادية في التصريح الحكومي لأخنوش  

بسط رئيس الحكومة؛ عزيز أخنوش، أمس الإثنين 11 أكتوبر الجاري، الخطوط العريضة للبرنامج الحكومي، يرمي تحقيقه خلال الولاية الحكومية الحالية، التي تضم 24 وزيرا فقط، واضعا خلال تصريحه الحكومي خمسة مبادئ وعشرة التزامات كبرى طيلة هذه الولاية.

وتحدث  أخنوش خلال عرض البرنامج الحكومي أمام البرلمان، عن التزامات الحكومة ووعودها المتقاطعة مع النموذج التنموي الجديد، علاوة على إنجاز الاوراش الاستراتيجية الكبرى وأجرأة النموذج التنموي الجديد، ومأسسة ألية تتبع وتقييم أداء السياسة العمومية والاصلاحات، إضافة إلى حديثه عن الوعود الاقتصادية بما فيها تحقيق وتير النمو، وخلق مليون منصب شغل في أفق نهاية هذه الولاية.

خطاب لم نسمع مثله حتى في حكومة اليوسفي

وفي هذا السياق، أكد الخبير الاقتصادي، نجيب أقصبي، أن “التصريح الحكومي يتضمن خطابا لا يمكن لأي متتبع ألا يلاحظ أنه خطاب جديد، إذ يجب الإقرار بأن هذا الخطاب يعبر، على الأقل بالنسبة للنوايا، على توجه الذي يمكن أن نقول أننا لم نسمع به لدى الحكومات السابقة، بما فيها حكومة اليوسفي”.

واوضح أقصبي، في تصريحه لـ”آشكاين”، أن جِدة هذا الخطاب تتمثل في كونه “لأول مرة نجد حديثا عن الدولة الاجتماعية، كلام عن رأس المال في صلب السياسات العمومية، والكلام عن كرامة المواطنين”.

ولفت الخبير الاقتصادي الانتباه إلى أن “هذه الأمور نادى بها منذ سنوات، حيث تحدث (أقصبي) سنة 2013 عن دخل الكرامة”، مضيفا “فلن تكون لدي أي مصداقية إذا لم أقر أننا أمام خطاب من صنف جديد، لديه توجه جديد، مقارنة بما عرفناه في السنوات والحكومات الماضية، إذ من الوهلة الأولى يظهر لنا أننا أمام خطاب متقدم ويعبر عن اهتمامات لم تكن في اهتمامات الدولة إلى يومنا هذا”.

أسئلة اقتصادية عريضة على تصريح أخنوش

وأوضح أقصبي، أنه “بعد تحية هذه النوايا، وتحية ما يجب تحيته، تبقى هناك أسئلة عريضة وكبيرة منذ الوهلة الأولى، وهي التي تضع في المحك وعلى الميزان مصداقية هذه النوايا”.

“أول سؤال يفرض نفسه بقوة”، يورد المتحدث نفسه “أمام هذه الالتزامات، التي تتطلب كلها نفقات ونفقات مهمة جدا: ماهي إمكانيات والتمويل؟”، مضيفا أنه “يمكن أن تضع لي جنة فوق السحاب، ولكن إذا لم توفر لي الإمكانيات للتمويل وبصفة عقلانية يفهمها الجميع وتكون واقعية، فإن هذا سيكون مجرد كلام في كلام فقط، علما أنه لا وجود فيه لكلمة واحدة عن التمويل”، متسائلا: “من أين ستمول كل هذا؟”،

موردا أنه “لا وجود لمجال للمعجزات في مجال التمويل، ولا نملك مئات موارد التمويل، فإما أن تبدأ سياسة إصلاح جبائي ضريبي حقيقي، الذي يتوجه في اتجاه إخضاع المداخيل العليا والثروات الكبرى بصفة تصاعدية، حيث أن هذا الإصلاح يمكن أن يوفر للحكومة موارد وبصفة أكثر إنصاف وعدالة”.

حديث محتشم عن الإصلاح الضريبي

واعتبر محدثنا أن “تحدث أخنوش بصفة جد محتشمة عن الإصلاح الضريبي بشكل سريع وربطه بميثاق الاستثمار، أمر غير بريء، ما يعني أن توجه الإصلاح الضريبي الذي ذكرنا معروف سلفا، ولكننا سننتظر”، مستبعدا أن “تقوم حكومة أخنوش بإصلاح ضريبي من شأنه أن  يفرز الإمكانيات الضرورية بصفة أكثر عدالة”.

وأبرز الخبير الاقتصادي نفسه، أنه “إذا لم يكن هناك إصلاح ضريبي، فسيتبقى أمامك السياسة النقدية للبلاد، وهي التي تدخل في إطار المحرمات، حيث أن والي بنك المغرب طالما يردد أنه لا مجال حاليا للقيام بسياسة نقدية جديدة لتحضير إمكانيات مالية”.

“ما يعني أن الخيار المتبقي هو المديونية” يسترسل أقصبي ” إلا أنه ما دام المغرب استعمل المديونية بشكل مفرط، حيث اقتربت المديونية إلى 100 بالمائة من الناتج الداخلي الخام، وهو حدٌ صعب تداركه، ما يعني أن هوامش  التحرك في هذا المجال لم تعد كبيرة”.

مشكل التمويل ومصداقية البرنامج الحكومي

وتابع أن “التغطية الشاملة، ودخل الكرامة، وإن كان للمسنين فقط، وتعميم التقاعد، وتعميم التعويضات العائلية، كل هذا جميل، ولكن كيف سيتم تمويله؟”.

ونبه إلى أن “هناك مشكلا ثانيا يطرح مصداقية تركيبة البرنامج الحكومي، هو أن رئيس الحكومة وعد بخلق مليون منصب شغل، علما أن الجميع يدرك أن هناك علاقة بين خلق هذه المناصب ووتيرة النمو”.

وشدد أقصبي على أن “البرنامج الحكومي المكتوب المكون من 79 صفحة، يتضمن في صفحته الــ21 عشرة التزامات مكتوبة، لم يتحدث أخنوش على 3 التزامات منها، أولها(الالتزام الثالث) الرفع من وتيرة النمو إلى معدل 4 بالمائة خلال 5 سنوات المقبلة، النقطة الثانية (الالتزام الخامس): إخراج مليون أسرة من الفقر والهشاشة، ثالث ا(الالتزام السابع) هو تقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية إلى أقل من 39 بالمائة عوض 46.4 بالمائة حسب مؤشر ‘جيني’ “.

ويرى المتحدث أنه “حتى تمويل نفقات البرنامج الحكومي مرتبط بالنمو، فإذا نسي أو تناسى رئيس الحكومة الحديث عن وتيرة النمو، هذا يعني أن هناك إشكالا، ما يطرح التساؤل حول التزام رئيس الحكومة من عدمه”.

مستوى غير طموح

كما اعتبر أقصبي أن “وضع الحكومة لهدف 4 بالمائة في وتيرة النمو، هو مستوى غير طموح بالبت والمطلق، لأنه بالرجوع إلى الحكومات السابقة، نجد أن حكومة بنكيران تطلعت إلى 7 بالمائة، ولم تحققها، حكومة العثماني كذلك طمحت بلوغ 5.5 بالمائة من وتيرة النمو، ولم تحققها كذلك، ولكن على الأقل أي حكومة تأتي يجب أن يكون لديها طموح، ومسألة تحقيقه من عدمه يمكنها أن توضح الأسباب وتفسرها إن لم تنجح”.

حكم بالإعدام وبقاء في التخلف إلى ما لا نهاية

واستغرب المتحدث من كون حكومة أخنوش “تطلعت فقط إلى تحقيق نسبة 4 بالمائة فقط من وتيرة النمو”، مؤكدا على أن “هذا أمر خطير، نظرا لأن التقارير الدولية الاقتصادية تقول أنه إذا أردنا أن نصل إلى مستوى الدول  الناشئة على مدى20 سنة، يجب أن نحقق 8 في المائة كل سنة على مدى هذه الـ20 كي نصل إلى المستوى الذي نتحدث عنه مثل  الشيلي وتركيا وماليزيا أو غيرها”.

وذهب المحلل الاقتصادي نفسه بقوله أن “الطموح إلى 4 بالمائة من وتيرة النمو الاقتصادي يعني أن هذا بمثابة حكم بالإعدام، ما يعني أننا سنبقى في وضع التخلف إلى ما لا نهاية، كما أن  هذا سيخلق مشكل عدم الانسجام مع وعد التشغيل، لأن السؤال العريض الذي يجب أن يطرح على رئيس الحكومة، هو كيف ستستطيع  من خلال 4 بالمائة من وتيرة النمو خلق مليون منصب شغل؟”.

عمليا لا يمكن خلق مليون منصب شغل

“فلا من الناحية النظرية أو العملية التجريبية، فتجربة المغرب خلال السنوات الماضية”، يستطرد أقصبي “تحيلنا على دراسة لوزارة المالية على مدى 20 سنة، تبين أن كل نقطة نمو، حسب مراحل ولكن بتلخيص، (كل نقطة) تخلق ما بين 20 و25 ألف منصب شغل في أحسن الظروف، فإذا قال رئيس الحكومة أن طموح النمو هو 4 بالمائة فهذا يعني أن أقصى حد لمناصب الشغل الممكن تحقيقها هي 100 ألف منصب شغل كل سنة، بمعنى 500 ألف خلال خمس سنوات”.

وأردف أنه “عمليا عندما تقول أنك تطمع إلى 4 بالمائة من النمو، وفي نفس الوقت تريد خلق مليون منصب شغل فأنت بذلك تكذب علي، أي أنك لن تستطيع تحقيق سوى نصف تلك المناصب، ولكنك تعدني حاليا بأنك ستخلق مليون منصب شغل، وهذا عبث”.

واقترح أقصبي أن “يطرح هذا الموضوع للنقاش العمومي وعلى الحكومة أن تجيبنا حول هذه التساؤلات، نظرا لان ما ذكرناه جاء بناء على دراسة لوزارة المالية  بين سنة 2000 و2017، وليس تخمينا شخصيا، علما أن وتيرة النمو خلال هذه السنوات بلغت أقل من واحد بالمائة، ما يعني أن حتى هذا العدد من المناصب  المحتملة سيتقلص”.

بناء الثقة في الاقتصاد

وتساءل أقصبي أن “بداية التصريح الحكومي تخلله كلام جميل حول الحريات وبلد الديموقراطية وحقوق الإنسان، ولم نجد كلمة واحدة على واقع حقوق الإنسان حاليا، ولا كلمة على شباب الريف اللذين مازالوا في السجون، لا كلمة على المناضلين والمثقفين والصحفيين”.

معتبرا أن “طرح هذا الأمر ليس من الجانب السياسي، لكننا نربط مشكل إعادة مصداقية الحكومة، فكيف تقول أنك تريد إعادة ثقة المواطنين بما ستفعله، وبالوعود المتعلقة بدولة الديموقراطية وحقوق الإنسان ودولة الحقو القانون، وأنت لم تذكر تلك الملفات وكأنها غير موجودة”.

“فكيف الكلام عن محاربة الفساد والرشوة”، “والهيئات الدستورية الموجودة ومجمدة، مثل مجلس المنافسة ومجلس محاربة الرشوة، ولا كلمة في الخطاب تتحدث عن تحريك أو تعزيز هذه المؤسسات”، يسترسل المتحدث.

وحسب أقصبي دائما فإن “بنود البرنامج الحكومي تنص على أنها ستقف مع الشركات التي على باب الإفلاس كي يدعموها ويمولوها، بالتالي فكيف يمكن الحديث عن هذا الأمر دون ذكر أكبر وأفظع قضية إفلاس في هذا البلاد وهي قضية شركة “لاسمير”، متسائلا “إذا لم تبدأ الحكومة بحل ملف هذه الشركة فبماذا ستبدأ؟”.

وخلص الخبير الاقتصادي نفسه، إلى أن “كل هذه الأسئلة، لا تنسينا ما قلناه في البداية أننا أمام خطاب له جانب إيجابي لا غبار عليه، إذ سيكون الواحد منا بليدا إذا لم يعتبر وجود أشياء جديدة وطموحة في هذا الخطاب، ولكن بمجرد تحليل الموضوعي بالواقعية والتساؤلات العريضة تظهر لك المشاكل”.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

4 تعليقات
الأكثر تصويتا
أحدث أقدم
Inline Feedbacks
View all comments
خو سعيد
المعلق(ة)
الرد على  عباس
13 أكتوبر 2021 14:00

استاذ وخبير اقتصادي
له حق النقد والتحليل وهو دائما يقدم الحلول لكن دعاة الإفلاس لا يأبهون.

ابو زيد
المعلق(ة)
13 أكتوبر 2021 01:30

الاستاذ اقصبي من فضلك!

مصطفى
المعلق(ة)
12 أكتوبر 2021 21:16

ديما غير تينتقد
اشنو قدمتي للبلاد.
اول مرة حضرت ليه وسمعتو في 1987 الى الآن ،هو هو
لا يفيد

عباس
المعلق(ة)
12 أكتوبر 2021 19:42

اقصبي داوي خاوي ككل مرة

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

4
0
أضف تعليقكx
()
x