لماذا وإلى أين ؟

تساؤلات حول الهجرة

محــــــمد العــــــطلاتي*

نُشِرت في الآونة الأخيرة قصاصات إخبارية تحمل معلومات غير مؤكدة مفادها أن الحكومة المغربية امتنعت عن الإجابة بخصوص عرض كانت قد تقدمت به الحكومة الاسبانية بشأن تزويد المغرب بعدد من المركبات تبلغ قيمتها حوالي المليون و نصف المليون يورو بتمويل من الاتحاد الأروبي، من أجل مساعدة المغرب على توفير الوسائل الضرورية للقيام بالتصدي لموجات الهجرة السرية، إذ كشفت وسائل إعلام إسبانية أن الرباط رفضت هذه “الهـــــبة”.

قــــد تكــــون هذه الإفادات غير صحيحة، أو على الأقل، غير دقيقة إلى حد بعيد، لكنها، مع ذلك، تطرقت، ولو بشكل غير مباشر، لموضوع ضخم و شائك جدا اسمه “الهجرة”، وقد عرفت وكالة الهجرة الأممية المُهاجر بكونــــــه ” أي شخص ينتقل أو انتقل عبر حدود دولية أو داخل دولة بعيدا عن مكان إقامته المعتاد، بغض النظر عن الوضع القانوني للشخص، و ما إذا كانت الحركة طوعية أو غير طوعية، و ما هي أسباب الحركة، أو ما هي مدة الإقـــــــامة”.

و رغــــم اختلاف و تنوع دوافع الهجرة من موطن لآخــــر، إلا أن الثابت هو اعتبارها ظاهرة بشرية قديمة جدا، و قد يصعبُ العلم بالتاريخ الحقيقي لبدايتها كسلوك بشري معتاد. إلا أن موضوع الهجرة أصبح في السنوات الأخيرة، يحتل مجالا واسعا ضمن انشغالات السياسات الحكومية للبلدان التي تُعْتَبر وِجْهةً مُفضلة بالنسبة للمهاجرين.

خلال حملته الانتخابية، التي سبقت نيله المنصب، تحدث الرئيس الأمريكي الأسبق دونالد ترامب عن نيته في بناء جدار عازل بين الولايات المتحدة و جارته الجنوبية المكسيك، بغـــــرض منع المهاجرين القادمين من دول أمريكا اللاتينية من دخول، كما اتخذت فرنسا، في الأيام القليلة الماضية، قرارا يقضي بخفض عدد التأشيرات المسلمة لأشخاص ينتمون للدول المغاربية إلى النصف.

في الحالتين معا، أمريكا و فرنسا، ورغم اختلاف التكتيك المعتمد من قبل الدولتين، فإن الهدف، المعلن صراحة من قبل أمريكا، و المضمر بالنسبة لفرنسا، يستهدف في الأساس حرية تنقل المهاجرين الذي يوصف سلوكهم بكونه غير “شرعي”، و هو ما يبعث على طرح تساؤلات حول طبيعة السلوك الذي تعتمده حكومات الدول “المتقدمة” إزاء رعايا الدول “المتخلفة”.  لاعتبارات تتعلق بقواعد الجغرافيا وبأحكام الجغرافيا، سيكون هذا الحديث مقتصرا على القارة العجوز دون غيرها من الأمم، وعلى الدولة الفرنسية، كقوة استعمارية سابقة لمنطقة المغرب الكبير، على سبيل التحديد و التعيين.

لقد قررت فرنسا تبني سياسية، قالت إنها جديدة في مجال الهجرة، سياسة تتمثل في فرض حصص من المهاجرين وفق احتياجات بعض القطاعات الاقتصادية التي تفتقر إلى عمالة أو كفاءة كافية.

وعطفا على ذلك، أكدت فرنسا أنها “ستتخذ إجراءات مشددة للحد من الهجرة غير الشرعية”، كما شددت على أن “فرنسا لا تريد أن تعطي إشارات خاطئة لتشجيع قدوم المهاجرين إليها، وأنها ستقوم بتحجيم الدعم والرعاية الصحية الممنوحة للمهاجرين”.

الخطاب الفرنسي، بهذا المعنى، ليس في حاجة لأي توضيح، فهو، قد أعلن صراحة، أن فرنسا ترفض استقبال المزيد من المهاجرين، إلا حينما تفتقد لخدماتهم، أي حين يتعلق الأمر بحاجتها إلى اليد العاملة المستوردة وأن تكون بالمؤهلات والمواصفات التي تريدها هي.

والمعنى الواضح من ذلك أن فرنسا تعبر بحق عن أنانيتها الانتهازية و سلوكها المصلحي إزاء المهاجرين، وهو سلوك ليس جديدا على السياسة الفرنسية، بل هو متأصل إلى حد بعيد.

وقائع التاريخ المعاصر، تثبت أن فرنسا، خلال فترة احتلالها للمغرب الكبير، قامت بتجنيد الأهالي لخوض حروبها الاستعمارية في الهند الصينية، وبعد استقلال هذه البلدان عنها أواسط الخمسينات و بداية الستينات، كانت فرنسا منهكة بفعل تبعات الحرب العالمية الثانية، ولم تجد اليد العاملة الكافية في كل القطاعات من أجل بناء اقتصادها، فالتفتت مرة أخرى نحو مستعمراتها السابقة لتستورد منها حاجتها من اليد العاملة “الرخيصة”، وطيلة عقود من الزمن اشتغل المهاجرون المغاربيون دون كلل أو تعب، و مقابل أجور هزيلة، واستطاعوا  إعادة بناء فرنسا بقوة سواعدهم، فاشتد عود اقتصاد الدولة بإنهاك سواعد العمال المستوردين.

الآن، بعد أن نالت فرنسا أوتارها و قضت مصالحها، أعلنت للعموم أنها لا ترغب في دخول المهاجرين إليها إلا إذا كانت لديهم تلك الكفاءات والمهارات التي تحتاجها، أما غيرهم فغير مرحب بهم.

التوجه الفرنسي إزاء موضوع الهجرة، فضلا عن كونه موقفا في منتهى الأنانية ونكران الجميل، يعبر بوضوح بالغ عن نظرة التشييء التي تعلنها فرنسا إزاء واحدة من أقدم القضايا في تاريخ الجنس البشري، وهي، للتذكير والتأكيد، نظرة موغلة في الانتهازية السياسوية لحكومة البلد الذي يرفع شعارات الحرية والعدالة و الأخوة، حتى حين يتعلق الأمر بقضية ذات طبيعة إنسانية في المقام الأول و موضوعها هو الإنسان.

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين و إنما تعبر عن رأي صاحبها حصرا

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x