لماذا وإلى أين ؟

من في المغرب لا يستغرب

كثيراً ما أسمع المغربي يردد هذه القولة الشهيرة “إوا من في المغرب لا يستغرب” في جميع حالات خيبة الأمل “الحُكْرة” كان شاهدا أو مظلوما، مثل مواطن أمام الإدارات، أو القبض عليه بشكل خاطئ، أو حرمانه من حقوقه أمام الأغنياء أو الشخصيات البارزة، أو ببساطة بسبب البؤس والفقر وعدم المساواة الاجتماعية والفساد والدعارة أو الأطفال المتخلى عنهم أو حالة مستشفياتنا.
في نفس الحين أجد في هذه القولة نوع من التحذير مثل: “هذا لن يدوم طويلًا ، فسوف يفاجئك المغرب بشكل آخر لما تدق الساعة”.
سواء الخيبة بالأمل أو التحذير، كلاهما يخيفني لأنهما نوايا عاطفية خطيرة على المجتمع والبلاد.

إذن، كيف يمكننا تحليل الحالة النفسية للمغاربة من خلال هذه القولة؟

1- الاستسلام المدمر
المغربي ليس واعياً بدوره كمواطن في تغيير وضعه وبلده، بل بالنسبة له، لا يمكن أن يأتي التغيير إلا من الحكومة. وبالتالي ينتهي به الأمر إلى الاستسلام ويتحول بدوره إلى طاغية تجاه من أضعف منه حسب قاعدة الغابة “الأقوى يسحق الأضعف”.

2- العجز القاهر
هذا الشعور الحادّ يوقد عند الضحية غريزة القتل. ولكن الأخطر من ذلك، أن الضحية يُسقط غريزة القتل على كل شخص يُذَكِّره بطاغيه وهذا ما يفسر لنا تزايد الجرائم والاغتصاب الجماعي والانتحار في مجتمعنا.

3- “حالة ضحية”
في غياب أي تغيير ينتهي الضحية بتطوير “منطق الضحايا” ويدخل في “حالة ضحية” ويفقد كل وسائله الدفاعية وحتى غريزة القتل ويسعى فقط إلى الاعتراف به كَ “ضحية” وتقديم المساعدة له. وفي تقديري، يوجد معظم المغاربة في هذه المرحلة “حالة ضحية”.

4- فقدان الإيمان
بالطبع، الطاغي لا يعترف بالضحية وبالتالي لا ينقذها. وهكذا يفقد المغربي الثقة في كل شيء وحتى في نفسه ويدخل في حالة “سبات عصبية” يتفاعل مع أقل إثارة للبقاء على العيش. وهذا ما يفسر ردود الفعل الفوري والعنيف والمفرط عند المغاربة أمام كل إثارة في الوسط العائلي وفي الشوارع والأسواق ومع زملاء العمل والجيران مثلا.

5- فقدان الكرامة وحب الذاتبعد هذه المراحل، يشعر المغربي بفقدان كرامته ثم يفقد من بعدئذ حبه لذاته وبطبيعة الحال يفقد بعد ذلك حب أسرته وجيرانه ومجتمعه وبلده. مرة أخرى، في تقديري، فإن غالبية المغاربة قد وصلوا إلى هذه المرحلة، ولهذا السبب تزداد وتزدهر تجارة السعادة (كوتش، التنمية الذاتية، البرامج الإذاعية والتلفزية …) في مجتمعنا على نطاق كبير.

6- التفكك وإعادة الاندماج
مع غياب أي تغيير وتقدم مجتمعي، يتفكك المغربي في النهاية عن نفسه وأسرته ومجتمعه وبلده ويشعر فجأة بالانتماء إلى لا شيء!
لكن الإنسان يحتاج إلى الانتماء إلى المجموعة، لذا، يسعى المغربي إلى إعادة انتمائه إلى بلد آخر بأي ثمن والحصول على جنسية جديدة، أو إلى جماعات مختلفة، دينية أو متطرفة أو مرتزقة أو غيرهم.

*طبيب نفساني، باحث وخبير في التحليل النفسي للمجتمع المغربي والعربي

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين و إنما تعبر عن رأي صاحبها.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

4 تعليقات
الأكثر تصويتا
أحدث أقدم
Inline Feedbacks
View all comments
عروبي من المغرب
المعلق(ة)
1 نوفمبر 2021 13:55

استاذي شكرا
واقدم لكم مثالا
انني اعيش اجوف من الداخل لم يعد الا فراغا تدوره الرياح وتنثر رماذ ماتبقي من كينونتي في كل الاتجاهات اصبحت ايامي داوية بلا معنى لقد انتهيت من كره الاخرين
وما أكره الان الا نفسي
اما الوطن وابناء وطني هم مني وانا منهم ولو لم اعد ارجو الخير من اي كان.
يقول احد مغنيي الراي الموت رحمة

متامل للمقال
المعلق(ة)
الرد على  علي
1 نوفمبر 2021 11:07

كلام جميل وصحيح، وعلى كل قارىء أن يتامله.
لقد بدأ جل المغاربة يفقدون وطنيتهم! أمر خطير!
ترى من هو منبع الظلم في هذا الوطن؟ !!!!!!!

علي
المعلق(ة)
1 نوفمبر 2021 09:10

المغرب بلدي ولن يجعلني أحد اكرهها. الإنسان هو من يخطأ لا الأرض.

محمد
المعلق(ة)
1 نوفمبر 2021 02:39

شكرا على هذا المقال الذي لامست فيه ما يعانيه المغاربة من كل الجوانب السياسات اللا شعبية وتسلط الإدارة بكل اختصاصاتها وشططها اللامتناهي في كل ما يقدم عليه مرتفقوها وشططها حتى على القانون الذي وجب عليها ان تحميه اننا نعيش في بلاد الغاب من قهر هذا المؤسسات خاصة الداخلية

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

4
0
أضف تعليقكx
()
x