لماذا وإلى أين ؟

التحرش يقتحم أسوار الجامعة المغربية

اسماعيل الحلوتي

من المؤسف أن يقتحم شبح الفساد مؤسساتنا الجامعية في السنوات الأخيرة، ويثير موجة من القلق والهلع في أوساط الكثير من الأسر المغربية. وليس المقصود هنا الفساد الإداري ولا حتى الفساد المالي، بل المقصود هو الفساد الأخلاقي من حيث الابتزاز والتحرش الجنسي، إذ يأبى بعض منعدمي الضمير ممن سقطوا سهوا على مهنة التدريس بالجامعات والكليات ببلادنا، إلا أن يدنسوا فضاأتها التربوية برعونتهم والبحث عن إشباع غرائزهم الحيوانية، متناسين أن الدور الأساسي لتلك المؤسسات ينحصر في التعليم والبحث العلمي وخدمة المجتمع، من خلال ما تتناولهمن مواد تعليمية ذات ارتباط وثيق بالتطور المعرفي وتطوير أساليب اقتصاد المجتمع…
والفساد الأخلاقي هو من أشد أنواع الفساد خطورة، باعتباره الأصل الذي تتفرع عنه باقي مظاهر الفساد الأخرى، خاصة أننا أصبحنا نلاحظ مدى استشراء حالة الانفلات الأخلاقي في المجتمع بصورة لافتة ومرعبة. ولا يقتصر فقط على أفعال الزنا وتعاطي الخمور والمخدرات والتعامل السيء مع الآخرين، بل تعداه إلى مساومة الأساتذة لتلامذتهم وطلبتهم في المؤسسات التعليمية والجامعية بشكل خاص، في ظل انعدام الضمير المهني وغياب الوازع الأخلاقي، سواء كان دينيا أو تربويا أو قيميا وغيره.
فالتحرش من الأفعال ذات الطابع الجنسي المذمومة والمرفوضة في كافة المجتمعات، وقد يكون كما بات معروفا لدى الجميع إما من النوع النفسي أو الجنسي أو اللفظي أو الجسدي، ويشمل مجموعة من الممارسات التي تنتهك جسد أو خصوصية أو مشاعر شخص ما، وتجعله يشعر بالضيق وعدم الارتياح والأمان أو بالترويع، والحط من كرامته بشتى الأساليب المسيئة والمستفزة.
من هنا يمكن أن نتفهم تجاوزا وعلى مضض الإطاحة ببعض الأشخاص من أعوان سلطة أو رجال الأمن أو رؤساء جماعات أو قضاةوغيرهم في قضايا تتعلق بشبهة فساد من قبيل الرشوة أو الابتزاز واستغلال النفوذ من أجل تحقيق مكاسب خاصة، وأن تصدر في حقهم قرارات تأديبية أو عقوبات حبسية وغرامات مالية، لكننا نرفض بقوة أن يطال الفساد قلاع مؤسساتنا التعليمية والجامعية لما تشكله من قدسية، على خلفية ملفات اغتصاب وغيره أو ما بات يعرف اليوم في المشهد الإعلاميب”الجنس مقابل النقط”.
ذلك أنه وحتى قبل أن يتبخر صدى الاحتجاجات على مواقع التواصل الاجتماعي وخارجها، جراألفضيحة الأخلاقية التي أثارها منذ بضعة أسابيع تحرش أساتذة جامعيين بطالباتهم وابتزازهن بكلية العلوم القانونية والسياسية التابعة لجامعة الحسن الأول في مدينة سطات، حتى تفجرت من جديد فضيحة أخرى بالمدرسة الوطنية للتجارة والتسيير في مدينة وجدة حول تعرض طالبة جامعية لنفس الممارسات السالفة الذكر، كما هو واضح من خلال انتشار “شريط صوتي” يوثق لمحادثة أجريت بينها و الأستاذ المتهم، يتضمن عبارات تحرش واضحة وفاضحة، مما أثار حفيظة زملائها من الطلبة واستياءهم، وجعلهم يخرجون صباح يوم الثلاثاء 28 دجنبر 2021 بأعداد غفيرة للتنديد بمثل هذا السلوك اللاأخلاقي الأرعن، مطالبين إدارة المؤسسة بالتدخل العاجل وفتح تحقيق في الموضوع. إذ كيف يعقل أن تتحول النقطة إلى وسيلة دنيئة بيد الأستاذ، يمارس من خلالها سطوته وجبروته؟ !
فالتقييم البيداغوجي يعتمد كما هو معلوم على عدة معايير محددة سلفا، يرتكزبالأساس على مراقبة المعارف بواسطة اختبارات نهائية، تشمل دروس وأعمال تطبيقية وموجهة، وكذلك عن طريق عروض وأسئلة كتابية، يوضع لها سلم تنقيط من أجل تحقيق مبدأ المساواة والإنصاف وتكافؤ الفرص بين الطلبة ذكورا وإناثا، بعيدا عن المجاملات والمحسوبية. إلا أن بعض ضعاف النفوس صارت لهم أساليب أخرى منافية للأخلاق، حيث يجعلون من النقط طعما لاصطياد ضحاياهم، وهو ما بات يشكل خرقا سافرا للقوانين المعمول بها وانتهاكا صارخا لحرمة المؤسسات الجامعية وضربا لنبل الرسالة التربوية…
وبالنظر إلى فظاعة الجرم المرتكب، وفي تفاعل مع احتجاجات طلبة المدرسة الوطنية للتجارة والتسيير بوجدة، سارعت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار إلى إيفاد لجنة تفتيش يوم الأربعاء 29 دجنبر 2021، التي فتحت تحقيقا في القضية من خلال الاستماع إلى الأستاذ موضوع الشكاية، وجمع عدد من الشهادات المختلفة، بغرض التأكد من صحة الشكايات الواردة على الوزارة وما يتم تداوله حول الفضيحة على منصات التواصل الاجتماعي. وبناء على ما انتهت إليه المفتشية العامة من خلاصات في تقريرها، أصدر عبد اللطيف ميراوي الوزير الوصي على القطاع عدة قرارات: الدفع بمدير المؤسسة إلى تقديم استقالته، التوقيف الفوري للأستاذ المعني بالتحرش، والتعجيل بتفعيل المسطرة التأديبية في حقه وفق ما نسب إليه من تهم خطيرة، إعفاء نائبة المدير من مهامها مع استفسارها عن خلفيات رفضها تسلم الشكايات المرتبطة بالموضوع وإعفاء الكاتب العام بمبرر عدم أهليته لتحمل المسؤولية المنوطة به. فضلا عن الدعوة إلى فتح تحقيق آخر حول ما نسب لمجموعة من الأساتذة المشتبه في تورطهم والواردة أسماؤهم في التقرير.
إننا إذ نستنكر ظاهرة ابتزاز الطالبات واستغلالهن جنسيا التي بدأت تتسل إلى مؤسسات التعليم ببلادنا، وندين بشدة مثل هذه الأفعال الدنيئة التي لا تمس فقط بكرامة الطالبة الجامعية وتنتهك حقوقها في مواصلة دراستها بشكل آمن وسليم، بل تسيء أيضا إلى سمعة جامعاتنا وتقوض الثقة في شهاداتها، ندعو وبإصرار إلى ضرورة فرض عقوبات رادعة على كل من تسول لهم أنفسهم اقتراف هذه الجرائم الأخلاقية وكل من ثبت تورطهم في التستر عليهم، وتيسير سبل الولوج إلى العدالة أمام الضحايا.

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين و إنما تعبر عن رأي صاحبها.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

1 تعليق
الأكثر تصويتا
أحدث أقدم
Inline Feedbacks
View all comments
محمد
المعلق(ة)
6 يناير 2022 10:33

شكرا السيد العلوي على غيرتك ونضيف ان التحرش والفساد الأخلاقي منتشرة في كل القطاعات ابتزاز المرأة الموظفة في كل الإدارات الحكومية التزامها من اجل التغيب والترقي وتسلم المهام ابتزاز المرأة الوالجة المحاكم قصد اصدار حكم لصالحها خاصة ضد زوجها وربما تعود اليه ابتزاز المرأة عند توظيفها في الجماعات والإدارات والشركات وزد ولا تحصى الابتزازات ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

1
0
أضف تعليقكx
()
x