2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]

في تطور لافت للعلاقات الألمانية المغربية، التي مرت من مخاض عسير لا يقل صعوبة عن توتر العلاقات مع إسبانيا، وجه رئيس جمهورية ألمانيا الاتحادية فرانك فالتر شتاينماير، أمس الأربعاء 5 يناير الجاري، رسالة إلى الملك محمد السادس، بمناسبة السنة الجديدة، أكد فيها أن “المغرب قام بإصلاحات واسعة”، مذكرا بـ”دعم ألمانيا المستمر و القوي للتطور الرائع للمغرب”، معتبرة مبادرة الحكم الذاتي كــ”أساس جيد” لتسوية قضية الصحراء المغربية.
وحملت هذه الرسالة من رأس هرم السلطة الألمانية، الكثير من المؤشرات على طي صفحة الخلاف بين البلدين، والتي ظهرت بوادرها من خلال ما تضمنته الرسالة من إشارات مباشرة لنية ألمانيا في بداية صفحة جديدة من العلاقات الدبلوماسية مع المغرب.
الرسالة لم تكن مفاجئة
ويرى الخبير في العلاقات الدولية، تاج الدين الحُسَيْني، أن “هذه الرسالة لم تكن مفاجئة للكثير من الملاحظين، لأنها جاءت مباشرة بعد البيان الذي أصدرته خارجية حكومة ألمانيا، حيث أشاد بالعلاقات بين الطرفين واعتبرت فيه ألمانيا أن المغرب فاعل إقليمي وصلة وصل بين الشمال والجنوب، وغيرها من الإشادات”.
وأضاف الحُسَيْني، في حديثه لـ”آشكاين”، أن “الخارجية المغربية، ولو أنها تأخرت بعض الوقت، إلا أنها بادرت فيما بعد بما يؤكد أن المغرب لا يرى مانعا في أن تعود هذه العلاقات إلى طبيعتها، على أساس أن تكون قائمة على أساس المصالح المتبادلة وعلى مبدأ المعاملة بالمثل والوضوح والشفافية”.
موردا أن “البيان الذي جاء من طرف وزارة الخارجية المغربية جاء ليؤتي أكله بين الطرفين، و لاحظنا كيف أن رسالة الرئيس الألماني جاءت معبرة عن هذا التطور جد الإيجابي”، معتبرا أنها “بمثابة تطور جد نوعي في العلاقات بين دولتين متعاونتين”.

ولفت الخبير في العلاقات الدولية نفسه، الانتباه إلى أن “العلاقات المغربية الألمانية لا تقتصر فقط على التعاون الثقافي الذي تقوم به عدة معاهد ومؤسسات ألمانية متخصصة، ولا تقتصر فقط على الجانب السياحي، بحيث إن الألمان الذين يزورون المغرب يشكلون مجموع 6 بالمائة من مجموع السياح الأجانب، ولكن هذه العلاقات ترتبط بالعنصر الإقتصادي بشكل كبير”.
وأوضح محدثنا أن “ألمانيا تصدر إلى المغرب ما يقارب مليارين و200 مليون يورو سنويا، من المنتجات والخدمات، والمغرب بدوره يصدر إلى ألمانيا عدة منتجات ومواد تصل إلى مليار و400 مليون يورو، وتوجد في المغرب 300 شركة ألمانية كبرى تقوم بعمليات الإستثمار، وتتمركز أساسا في الدار البيضاء وطنجة”.
مؤشرات على قرب اعتراف ألمانيا بمغربية الصحراء
وشدد على أن “المغرب يُعَوّل على هذه العناصر الاقتصادية ليلعب دورا أكثر أهمية في الدفع بألمانيا إلى التماهي مع الأطروحة المغربية بخصوص الوضعية في الصحراء، لأن المغرب يعول على نوع من الاعتراف المباشر بسيادته على الإقليم، لتسير في نفس الاتجاه الذي ذهبت إليه الولايات المتحدة”.
وأبرز الحُسَيْني أن “الإشارات الأولى بهذا الاعتراف بدأت تظهر من خلال رسالة الرئيس الألماني إلى الملك محمد السادس، بحيث إنها تشيد بمبادرة الحكم الذاتي وتعتبرها حلا نموذجيا في إطار تسوية النزاع في إطار السيادة المغربية، وفي إطار الواقعية والجدية التي أشاد بها مجلس الأمن، وتعتبر(الرسالة) أن النزاع يجب أن يصل إلى حل سياسي، وبذلك هي تؤيد ما يقوم به دي ميستورا من جهود بوصفه المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة”.
اتفاقيات مستقبلية أكثر عمقا
ونبه الحسيني إلى أن “الرسالة تضمنت دعوة مهمة، وهي أن يقوم العاهل المغربي بزيارة دولة إلى ألمانيا، وهو في حد ذاته تطور مهم في العلاقات، لأن زيارة دولة هي أعلى قمة التعاون الدبلوماسي بين الدول، وكلمة “زيارة دولة” لها مفهومها الخاص في المصطلحات الدبلوماسية، بحيث تكون دائما محفوفة بتوقيع اتفاقيات تعاون أكثر عمقا و بتطور أكثر جدية في العلاقات بين الطرفين”.
موردا أنه “في السنة الماضية خصصت ألمانيا للمغرب حوالي مليار و300 مليون يورو، كمساعدات لم تتم الاستفادة منها، والتي ستعود إلى الواجهة، كما أن مشروع الطاقة الخضراء الذي كان المغرب سيدشنه مع ألمانيا باستثمار يفوق 300 مليون يورو سيعود كذلك عنصرا أساسيا للتعاون بين الطرفين”.
وتابع أن “ألمانيا لن ترضى أن تقوم بريطانيا بالاستفادة من الكهرباء الناتجة عن الطاقة المتجددة من المغرب، وهي بعيدة (بريطانيا) بأكثر من 3 آلاف كيلومتر، بينما ألمانيا جد قريبة، مع أنها كانت أول من حرك الملف الخاص بالإستفادة من الطاقة الشمسية عن طريق نقل الكهرباء إلى دول أوروبا، وكانت قد أعدت خطة متكاملة بهذا الخصوص”.
فتح مجالات التعاون على مصراعيها
وخلص إلى أن “مجالات التعاون ستكون مفتوحة على مصراعيها، خاصة في تصنيع السيارات الكهربائية، إذ أن ألمانيا ترى أن عدة دول تستثمر في قطاع السيارات ولاقد يصل الإنتاج سنويا إلى مليون سيارة، ويتمكن المغرب من تقديم قيمة مضافة إلى هذا الإنتاج تتجاوز 60 بالمائة، ولها عدة امتيازات لا تتوفر في قلب أوروبا، إذ أن المغرب أصبح الآن منافسا حتى للصين في عملية تصنيع السيارات”.
وأردف أن ألمانيا “تلاحظ أن المغرب الذي يتمتع بالإستقرار و بإمكانيات هائلة، ليس فقط في تصنيع السيارات، بل حتى في تصنيع الطائرات، وبالتالي سيكون المستقبل جد مهم خاصة في مجال السيارات الكهربائية، نظرا لتوفر المغرب على المواد الأساسية لهذه الصناعة، من كوبالت ونيكل وتيريليوم، وغيرها من المواد الأساسية، كما يتوفر على يد عاملة كفؤة وذات مهارة، وتكوين المهندسين في المغرب أصبح يصل لأعداد جد متطورة، وهو ميدان مهم كذلك للتعاون بين الطرفين”.