2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]
وجّه العاهلُ الإسباني الملك فيليبي السادس، يوم الإثنين 17 يناير الجاري، دعوة إلى المغرب من أجل تجاوز الأزمة مع بلاده، مُُبرزا، في خطاب رسمي ألقاه في نفس اليوم، أهمية إعادة تحديد العلاقة القائمة مع المغرب على “أٌسس أكثر قوة ومتانة”
وشدّد العاهل الإسباني، على أن “حكومتي البلدين اتّفقتا على القيام سويّا بإعادة تجديد علاقة القرن الحادي والعشرين، بناء على أسس أكثر قوة ومتانة”، وذلك خلال استقبال خصّ به 130 فردا من السلك الدبلوماسي المُعتمد في إسبانيا، في غياب سفيرة المغرب بمدريد، كريمة بنيعيش، وهو يطرح علاماتِ استفهامٍ كبيرة عمّا إن كانت دعوةُ العاهل الإسباني كافيةً لتطوي صفحة الأزمة الدبلوماسية بين الجانبين، وعن الخطوات التي يمكن أن تلي هذه الدعوة.
وفي هذا الإطار، يرى الخبيرُ في العلاقات الدولية و أستاذُ العُلوم السياسية بجامعة محمد الأول بوجدة، خالد الشيات، أن “هناك جوانب موضوعية أكبر من أي دعوة أو إجراء شكلي كيفما كان نوعه بين المغرب وإسبانيا”.
وأوضح الشيات، في تصريحه لـ”آشكاين”، أن “كُــلّاً من المغرب وإسبانيا يريدان أن تبقى علاقاتهما مع بعضهما البعض في مستوى طبيعي وعادي، وأن لا تَصِل إلى مستويات من الأزمة كما حدث في ما يسمى بأزمة “بن بطوش”؛ والتي تنم عن عدم الإحترام للقيم التي تجمع البلدين، بعيدا عن المواقف الإسبانية أو مطالبتها بموقف حازم فيما يتعلق بقضية الصحراء”.
وتابع أن “إسبانيا تتحمل مسؤولية تاريخية وإنسانية أيضا فيما يحدث في قضية الصحراء؛ ويبقى دخولها إلى الأقاليم الجنوبية للمغرب وسيطرتها بعد ذلك على المنطقة في مرحلة تاريخية عرفت ترهُّل وانكماش القوة المغربية المركزية يتوازى و يتماشى مع المرحلة الإستعمارية”.
وشدد على أن “كل هذا يبقى مُحمِّلا إسبانيا هذه المسؤولية التاريخية التي لا تريد الإعتراف بها؛ و هنا لا نتحدث عن المسؤولية الإستعمارية؛ وإنما مسؤولية تقسيم المغرب، ومسؤولية التقسيم الذي كان سيحدث في شمال المغرب لولا أن الاخير تدارك الأمر”، مشيرا إلى أن “خلق الدويلات داخل المغرب كان استراتيجية إسبانية، وتقسيم وتقزيم المغرب كان أيضا ضمن استراتيجيات إسبانيا”.
لافتا الانتباه إلى أن “التذكير بهذا الجانب التاريخي هو من باب تحميل إسبانيا لمسؤولياتها؛ والمغرب اليوم دولة قوية ومستقلة وصاعدة اقتصاديا ومسيطرة على معظم الأراضي في الأقاليم الجنوبية، وتركت المجال للأمم المتحدة فيما يسمى بالمناطق العازلة؛ وهو ما يحتاج إلى نوع من العقلانية والموضوعية والواقعية بالنسبة لإسبانيا في علاقتها بالمغرب في هذا المستوى”.
واستبعد الشيات أن “يكون قول إسبانيا بكون علاقات استراتيجية تجمعها مع المغرب، (استبعد) أن تُبنى هذه الإستراتيجية بعيدا عن إعادة تفكيك العلاقة على مستويات متعددة؛ وعلى أول أسسها وهو احترام الوحدة الترابية للمغرب”، مُبرزا أنه “لا يمكن للعلاقات المغربية الإسبانية ان تستمر في مستوى من الاستقرار بعيدا عن هذه الآلية وهذا الشرط الأساسي”.

“ورغم أن هناك دعوة لتثمين التعاون الإستراتيجي”؛ يسترسل الشيات، فإن “ما ذكرناه يدخل في محددات الجوار والحتمية الجغرافية التي تجمع البلدين، وأشياء كثيرة لا يمكن تجاوزها”.
ونبّه الخبير في العلاقات الدولية نفسه، إلى أن “المغرب دخل مرحلة جديدة الآن في علاقاته الدولية تنطبع أساسا بتراجع مركزية الدول الأوروبية القارية، بما فيها الإتحاد الأوروبي ودول هذا الإتحاد، وذلك على حساب صعود الدول التقليدية القوية، من بينها بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية ودول مؤثرة كالصين و روسيا والهند ما يعني أن إعادة تمركز العلاقات الدولية لم تعد متمحورة حول أوروبا القارية”.
وأضاف أن “هذه المُعطيات تساهم في تحديد مفهوم التعاون الإستراتيجي في منظومتين حضاريتين متناقضتين تاريخيا تريدان أن تكونا متعاونتين في مستويات من الندية والتعاون الحقيقي، بعيدا عن هذا التعالي الأوربي الذي هو موروث من المرحلة الاستعمارية، وهذا شرط أساسي في هذا التعاون الإستراتيجي وهذه الدعوات التي تبنى على المستوى الشكلي، و مخرجات حقيقية على مستويات متعددة؛ أهمهما استقرار المغرب كدولة”.
مفيدا أنه “على الإسبان وغير الإسبان الإقتناع بأنه لا يُمكن للمغرب ان يتراجع، لا على المستوى الإستراتيجي أو الجغرافي، أو على أي مستوى آخر لكي يُرضي ظمأ هذه الدول التي تنتمي إلى المنظومة الإستعمارية”.
وأردف أن “الأمور حسمت في ما يتعلق بقضية الصحراء المغربية، من مشاكل قانونية على مستوى الأمم المتحدة أو المنظمات الدولية، حيث لم يعد لذلك أثر، لأن التوازنات على مستوى العلاقات الدولية أصبحت لصالح المغرب وقرارات مجلس الأمن تعكس هذا الأمر”.
وخلُص الشيات إلى أن “هناك علاقات أخرى على المستوى الإقتصادي وتحديات على مستوى الجوار، في ما يتعلق بجزر الكناري أو غيرها، والثروات الموجودة في المنطقة التابعة للمغرب على مستوى المحيط الأطلسي، واستمرار احتلال مناطق سبتة و مليلية وباقي المناطق المحتلة من طرف إسبانيا، وإن كانت مسألة أساسية وحيوية بالنسبة للمغرب، ولكنها ستبقى في نسق هذه العلاقات وتؤثر فيها”.