لماذا وإلى أين ؟

على ضوء إقصاء المنتخب الجزائري من البطولة الإفريقية: لماذا الحرص “الأعمى” على تغيير سيكولوجية الشعبين الشقيقين؟

 طارق ليساوي

كان في نيتي أن أستكمل النقاش الذي بدأته بمناسبة الاتفاقية التي تم توقيعها بين المغرب و الصين في إطار مبادرة الحزام و الطريق، لكن ليسمح لي القراء الكرام بتأجيل هذا الموضوع مؤقتا، و التوقف عند إقصاء المنتخب الجزائري من البطولة الإفريقية، لن أحلل المباراة تقنيا أو فنيا، فلست من أهل الإختصاص، لكن من واجبي أن أنبه إلى بعض المخاطر و المثالب التي أراها تتجاوز حدود المنطق و التنافس الكروي، لقد تابعت المقابلة بين المنتخب الجزائري و منتخب ساحل العاج بالصدفة، و لم أكن أعرف أصلا أن الفريق الجزائري سيلعب، و إن كنت أرغب في إستمراره في البطولة لأنه ينتمي إلى بلد جار و شعب شقيق نحبه و نجله كمغاربة، و هذه حقائق التاريخ و الجغرافية و لا يمكن بأي حال من الأحوال نزع هذا الحب و التعاطف بين الشعبين….لذلك هزيمة الجزائريين يمكن تداركها  ونأمل حقا التوفيق للاعبين و للمدرب بلماضي الذي أعجبني  تفانيه و قتاليته و أسلوبه الراقي في التعامل مع وسائل الإعلام و عدم الانجرار لسياسات الشحن العاطفي و الاستغلال الرخيص للكرة لتحقيق مكاسب “سياسوية” و تسجيل انتصارات زائفة، فالفوز أو الهزيمة في الكرة لا يحقق تنمية اقتصادية أو ديموقراطية أو يوسع خيارات الشعوب، فالكرة مجرد “قميص عثمان” يتم توظيفها لتحقيق مآرب أخرى تحت ذريعة الوطنية و القميص الوطني..

تحية لمنتخب الجزائر وللشعب الشقيق و نأسف حقا على عدم مرور هذا المنتخب للدور الثاني رغم أنه بدل مجهودا جبارا و ظل للدقائق الأخيرة يحاول تحقيق الانتصار، لكن الكرة بالنهاية ” جلد داخله ريح”…
لكن ما آثار إهتمامي حقا هو كيف أن أغلبية المغاربة الذين رأيتهم يتابعون المباراة عبروا عن دعهم للفريق الخصم ، و كان المقهى يهتز عندما يسجل منتخب ساحل العاج، و قد دار نقاش بيني و بين أحد الزملاء حول هذا الموضوع ووصفني ساخرا ” بالخائن” لأني كنت حقا أود فوز منتخب الجزائر، و لما لا نرى بين المنتخبين المغربي و الجزائري  في النهائيات كما حدث قبل أيام في بطولة كأس العرب، فقد تمتعنا بمباراة مشوقة و بروح رياضية عالية، بل حتى المغاربة و بالأحرى من رأيتهم يتابعون المباراة لم يكونوا عدوانيين في متابعتهم لفريقهم الوطني.. فلماذا تغير سلوك الجمهور المغربي خلال أيام …؟

و لعلكم تذكرون مقالي بجريدة رأي اليوم اللندية ”  على خلفية مباراة كرة القدم بين المغرب والجزائر: الكرة نجحت فيما فشل فيه الإقتصاد والسياسة..” و الذي قلت فيه بالحرف ” رغم أني لست من هواة متابعة مباريات كرة القدم، لكن حرصت مساء السبت 11 ديسمبر 2021 على متابعة مباراة كرة القدم بين المنتخبين المغربي والجزائري بمناسبة بطولة كأس العرب ، بل و تابعتها وسط الجمهور على المقهى، و أعجبني الأداء الرائع لكلا الفريقين و التنافس الحميد و الأخوي بينهما، لكن مع ذلك، فإن  متابعتي للمباراة و وجهة نظري طغى عليها الحس السياسي و الأكاديمي…و ما أعطى لهذه المباراة الكروية أهمية خاصة، هو أجواء التوتر السياسي وحرب التصريحات و حالة المقاطعة الدبلوماسية بين البلدين المتنافسين…و المباراة بشهادة المختصين كانت درسا كرويا كبيرا  إن على مستوى التقنيات الكروية التي أبدع فيها اللاعبون من كلا الجانبين، أو على مستوى الأخلاق العالية التي ميزت لاعبي الفريقين، و كذلك أخلاق كلا الجمهورين المغربي و الجزائري…و الأجواء السابقة و اللاحقة للمباراة تؤكد على أن الفرقة بين الشعبين هي مصطنعة و الخلافات السياسوية تهم النخب الحاكمة  و لا تعبر عن إرادة كلا الشعبين …

وعند متابعتي لمباراة يوم 20 يناير2022 بين المنتخبين الجزائري والإيفواري، أصبت بحالة من الدهشة، كيف أن الجمهور المغربي أصبح متعاطفا و مشجعا لمنتخب بعيد جغرافيا و ثقافيا و حضاريا، على حساب منتخب بلد جار و شقيق ، و الغريب أن ذات الجمهور هو من خرج في مناسبات مماثلة للشوارع فرحا و احتفالا بفوز المنتخب الجزائري ، و أذكر في إقصائيات كأس العالم بروسيا كنت من المداومين على متابعة المنتخب الجزائري و كذلك غالبية المغاربة..و قد كتبت في حينه سلسلة من المقالات ذات الصلة بملف موركو 2026، و لعل تصويت الجزائر لصالح الملف المغربي ، جعل الشعب المغربي يقدر هذا الموقف الرجولي و الأخوي من الجزائر شعبا و حكومة …فمن المسؤول عن هذا التحول الراديكالي في سلوك الجمهور المغربي أو بدقة بعض شبابه في الغالب، من المؤكد أن السياسة و الدعاية السوداء لها حظها الأكبر في تحقيق هذا التحول..

لكن و أنا أتابع المقابلة إستفزني حقا أسلوب المعلق و تحيزه ضد المغرب ، كم كنت أود لو أنه أشار للمغرب و للمنتخب الذي تأهل و لازال مستمرا، لكنه تفادى هذه المسألة تماما، نحن ندرك كإعلاميين أن ذهنية وسيكولوجية الشعوب من السهل التأثير فيها ، ربما لو أن المعلق كان محايدا و ليس السيد الدراجي تحديدا و تعليقاته المجانبة للصواب، لكان الموقف مغايرا لما رأينا.. أريد أن أقول للسيد الدراجي أرجوك أن تستوعب أننا لسنا بصدد معركة حربية، فالمسألة بالنهاية مباراة كروية تدخل في باب الترفيه و التسلية…لكن أن نؤثر سلبا على سيكولوجية كلا الشعبين فذلك هو الخطر و التهديد الحقيقي ، لست مهتما للقرارات السياسية و التصريحات الرسمية التي يتم اتخاذها من قبل حكام كلا البلدين و خاصة تلك التي تشعل نار الفتنة و تزكي القطيعة، لأني مدرك أن كلا النظامين المغربي أو الجزائري لا يخدم بالضرورة أجندة وطنية، فمصلحة كلا البلدين مهما كانت الخلافات في وجهات النظر تقتضي حتما الوحدة و التكتل ، و البحث عن قواسم مشتركة و تغليب المشترك و تهميش نقاط الخلاف و لو بشكل مؤقت…

و قد أشرت سابقا و سأعيد التأكيد أن الجزائر، بمناسبة التصويت على ملف موركو 2026 وقفت بجانب المغرب، و كذلك باقي البلدان المغاربية و هذا المعطى لا ينبغي تجاهله ، وقد صرح في حينه السيد “محمد حطاب” وزير الشباب والرياضة الجزائري، ب “أن بلاده تدرس الترشح بملف مشترك مع المغرب وتونس لاستضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم”.فكل موقف أو توجه سياسي يدعم الوحدة بين بلدان الجوار المغاربي، يستحق منا التنويه و التأييد ، و كلامنا هذا لا ينطلق من أساس عاطفي، بل المؤشرات الكمية و النوعية، والتجارب الدولية، تؤكد فعالية التكتلات الإقليمية، ودورها في التنمية الإقتصادية، وايجاد مناطق أمنة وجاذبة للاستثمارات و للكفاءات..

و قد قلت بالحرف في مقال “من دروس “موركو 2026″ :انتهى زمن الهزل، وحان وقت الجد…”: ” درس موركو 2026، ولد خيبة أمل لدى عموم الشعب المغربي، و القيادة الرشيدة والحكم الرشيد ينبغي ان يتجاوب مع تطلعات الشعب، ويصلح ما أفسده الفساد و تغليب الولاء على الكفاءة، هذا الفشل يقتضي استقالة كل من له صلة بملف الترشيح…

كما ينبغي الاستفادة من إيجابيات التصويت، ونرى أن أفضل إنجاز تم تحقيقه هو الدعم المغاربي للملف المغربي، وفي المقدمة الجزائر التي عبرت منذ البداية عن دعمها الكامل للحلم المغربي، بل وافقت على طلب المغرب بتعيين اللاعب الجزائري السابق لخضر بلومي سفيرا لملف موروكو 2026،وما صاحب ذلك من رسائل سياسية مرحبة بدعم الأشقاء المغاربة…

و الواقع أني أرى أنه حان الوقت للتوجه شرقا باتجاه الجزائر، و تصفية الأجواء مع هذا البلد الجار..و الموقف الجزائري تجاه المغرب فرصة لرأب الصدع، ولن أخجل في القول بأن مصلحة المغرب تقتضي تسوية الخلافات مع بلدان الجوار، بدل الارتماء في الحضن السعودي و الإماراتي الذي إحتقر الشعب المغربي واستباح عرض شعبه..”

و أعيد التكرار مجددا أن مصلحة المغرب و الجزائر في العمل سويا من أجل بناء فضاء مغاربي مشترك، و التنافس من أجل الوحدة و البناء ، فتكتل المغرب العربي أو المغرب الكبير، هو حلم راود الرعيل الأول من رجال المقاومة و التحرير، فهذه البلدان وهي تحت الإحتلال الفرنسي، تشكلت نواة مقاومة شملت بلدان المغرب و الجزائر وتونس، فمعركة الاستقلال والتحرر كانت معركة مغاربية، توحدت فيها جهود المقاومين قادة و شعوبا، غير أن جيل الاستقلال سلك منهجا مغايرا، إذ تم تبني سياسات ذات نزعة وطنية ضيقة الأفق، بل  شهدت حروبا و نزاعات حدودية بين المغرب و الجزائر وبلغ النزاع ذروته، ليصبح حربا ساخنة في فترة “حرب الرمال” و انتقل إلى حرب باردة أو بالوكالة بعد 1975، بفعل انفجار قضية الصحراء..

وطيلة الفترة من الاستقلال إلى 1989، شهدت بلدان الإقليم محاولات للوحدة، فكانت الوحدة بين ليبيا وتونس، و ليبيا و المغرب ، لكن هذه المبادرات كانت غير واقعية، وخاضعة للمزاج السياسي، لكن في 1989 بمدينة مراكش أعلن قادة خمس بلدان مغاربية:(المغرب+الجزائر+تونس+ليبيا+موريتانيا) عن ميلاد اتحاد المغرب العربي، غير أن هذه الخطوة ظلت حبرا على ورق و لم تعقبها خطوات فعلية في المجال السياسي و الاقتصادي …

ففشل اتحاد المغربي لم يكن نتاج لعدم فعالية الفكرة، وإنما لعدم وجود إرادة سياسية توافقية، تغلب منطق العام على الخاص، و الإقليمي علي الوطني، و الاقتصادي على السياسي، و التنموي على الأمني…لكن فكرة الوحدة المغاربية ناجحة و ذات جدوى من الناحية التقنية و السياسية و الأمنية، و من دلائل هذه الفعالية:

أولا – الوحدة بين بلدان الاقليم ستفرز فضاء إقليمي له إمكانات بشرية  في غاية الأهمية:  فعلى المستوى البشري سوق استهلاكي يتجاوز 100 مليون نسمة، ورأسمال بشري متنوع من حيث الثقافة، ومن حيث الكفاءات البشرية ومن حيث  الاحتياجات.

ثانيا-إقتصاديا ناتج قومي إجمالي يقترب من عتبة 300مليار دولار سنويا، وفي حالة الوحدة من المرجح ان تقترب لتريليون.

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين و إنما تعبر عن رأي صاحبها حصرا.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x