لماذا وإلى أين ؟

رسائل الطفل ريان شهيد الإنسانية

سعيد الغماز
من كان يتصور أن طفلا لم يتجاوز ربيعه الخامس له من القدرة والاستطاعة على خلق حدث أجمع عليه العالم ووحَّده حول حدث واحد في زمن الفرقة والصراعات والحروب. نقول أولا رحم الله ريان رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته. ونقول ثانيا شكرا لك ريان على ما تركته للإنسانية من رسائل رغم صغر سنك ورحيلك عن عالمنا هذا في وقت جد مبكر.

رسالة ريان الأولى هي إنسانية بامتياز. ففي عالم طغت عليه الفرقة بدل الاتحاد، واتجه نحو إذكاء الحروب بدل السلام، واختار طريق الصراع بدل التعاون والتآزر، أبرز لنا الطفل ريان أن هناك في عالمنا أمور يمكن أن نجتمع ونتوحد حولها. فالمجتمعات والدول كيفما كانت، غنية أو فقيرة، قوية أو ضعيفة، لا يمكنها أن تتجرد من إنسانيتها، وإلا فكيف يمكننا أن نفسر هذا الإجماع غير المسبوق حول طفل يقبع في جب البئر في منطقة نائية، وأصبح العالم بمختلف لغاته ولهجاته ينطق اسم ريان.

رسالة ريان الثانية تتعلق بحماية أطفال العالم. هي رسالة مسؤولية الاهتمام بالأطفال وتقدير براءتهم بحمايتهم من كل شيء يمكن أن يغتصب تلك البراءة. إن أول ضحية للصراعات والحروب التي يشهدها العالم هم الأطفال، وأول ما يجب أن يهتم به المسؤولون على تدبير الشأن العام هم الأطفال. لذلك وجب من الآن الأخذ بعين الاعتبار حماية براءة الأطفال من كل ما يشهده العالم من حروب وصراعات، وأن يكون الطفل في جوهر كل قرارات تدبير الشأن العام. وما الاهتمام الأخير بردم وتحصين فوهات الآبار إلا أحد تجليات رسالة ريان. ونتمنى أن يتبعه اهتمام مماثل بالأطفال في بقاع العالم التي تشهد حروبا وصراعات داخلية.

رسالة ريان الثالثة هي قدرة الله فوق قدرة البشر. العالم بشساعته ورحابته كان يُمني النفس بأن يخرج ريان من قاع الجب حيا يرزق. خمسة أيام من الجهد المتواصل الذي واصل الليل بالنهار، جهد لم يدخر أي إمكانيات لتسريع عملية الإنقاذ في ظل محيط جغرافي يتسم بالخطورة والتعقيد. مجهودات تتم تحت أنظار المآت من المتعاطفين مع الطفل،والذين حجوا إلى المكان لمؤازرة عائلة ريان في محنتها وجهود الإنقاذ. ومن موقع الحدث ينقلون تلك المجهودات للعالم بأسره لتكون المؤازرة من الأركان الأربعة للعالم الذي نعيش فيه. كانت تلك أمنية كل من تعاطف مع قضية ريان، لكن الأقدار الإلهية شاءت غير ذلك، حيث انتقل الطفل إلى دار البقاء ليترك رسائله للإنسانية جمعاء. فرسائل صاحب قضية تكون قوية وهو في دار البقاء، على رسائله وهو على قيد الحياة.

رسالة ريان الرابعة هي رسالة المستقبل. فما عشناه من اهتمام العالم وتعاطفه مع قضية ريان، جعلنا نشعر بأن بناء علاقات جديدة في عالمنا أمر ممكن. علاقات من شأنها بناء عالم أفضل تسوده قيم التعاون والسلام بدل قيم الخلافات والحروب. لقد شهدنا وتتبعنا كيف تعاطف العالم بمختلف أطيافه مع قضية الطفل ريان، وكيف كان الكل يصلي ويدعو ويتمنى إنقاذ ريان. وسائل العالم بأسره تحدثت عن قضية ريان، رؤساء العديد من الدول اهتموا بهذه القضية، بابا الفاتكان يُعرب عن حزنه بوفاة الطفل ريان ويشيد بتشبث المغاربة بعضهم ببعض لإنقاذه، العالم المنقسم إلى شرق وغرب توحَّد في التعاطف مع الطفل ريان، أطفال فلسطين يقيمون صلاة الغائب على وفاة شهيد الإنسانية، مباراة نهائي كأس إفريقيا لم تنطلق إلا بعد دقيقة صمت على روح ريان الطاهرة، السياسي والفنان والديبلوماسي والرياضي ورجال الدين، الكل عبر بطريقته عن تعاطفه مع قضية ريان.إنها رسالة المستقبل يلقننا إياها شهيد الإنسانية مفادها أن هناك بالتأكيد قضايا يمكن أن تجتمع عليها الإنسانية عبر العصور وليس في عصرانا فقط.

رسالة ريان الخامسة تقول إن تدبير الكوارث لا ينتهي بحدوثها بل يتعداه إلى الوقاية من تبعاتها المحتملة. فسقوط طفل يبلغ بالكاد خمسة سنين في بئر بعمق ثلاثين مترا هو كارثة بكل المقاييس. وطيلة خمسة أيام والعالم بأسره يشد أنفاسه ويؤازر جهود الإنقاذ. وبعد الإعلان عن وفاته، تلقت عائلته التعازي من أرجاء العالم، والكثير تضامن مع أبويه بمساعدتهما كل بطريقته حسب استطاعته. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل تعداه إلى تدابير إجرائية لحماية الأطفال من أي ثقب قد يتسببلهم في كارثة، والحيلولة دون تكرار مأساة الطفل ريان.الكوارث يجب أن تنتقل من مأساة إلى تدابير للوقاية من تكرارها أو التقليص من أضرارها في أضعف الحالات.

الرسالة السادسة لشهيد الإنسانية هي السمو والطيبوبة التي يتحلى بها الشعب المغربي. فهذا الاهتمام الكبير من قبل المغاربة بقضية الطفل ريان، وهذا التعاطف الكبير من قبل الشارع المغربي الذي سخر وسائل التواصل الاجتماعي لنقل قضية ريان إلى أرجاء العالم وجعلها قضية عالمية بامتياز. وقبل هذا وذاك المجهودات الجبارة التي بُذِلتِ طيلة خمسة أيام بنهارها ولياليها من أجل إنقاذ الطفل البريء، كلها عنوان السمو والتآزر والتعاون التي يتحلى بها رجال ونساء المملكة المغربية.

تلك هي أهم رسائل الطفل ريان رحمه الله رحمة واسعة.

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين وإنما عن رأي صاحبها.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x