2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]

غاب المغرب عن المشاركة، أمس الاربعاء 02 مارس الجاري، عن جلسة الجمعية العامة للأمم المتحدة الخاصة بالتصويت على مشروع قرار يدين روسيا لـ”غزوها” أوكرانيا، ويطالبها بسحب قواتها “فورا” من أراضي جارتها الشرقية، حيث أدان روسيا في هذا التصويت بما مجموعة 141، فيما امتنعت 34، فيما عارضته خمس دول فقط.
هذا الغياب بررته وزارة الشؤون الخارجية، في بيان مفصل، نشرت “آشكاين” محتواه أمس، إلا أن عدم مشاركة المغرب في هذا التصويت يحمل دلالات سياسية ودبلوماسية عديدة، دفعنا للتساؤل عن خلفياته في هذا التوقيت بالذات.
وفي هذا السياق، أوضح الخبير في العلاقات الدولية، تاج الدين الحُسَيْني، أن “التصويت ضد روسيا كان مرتفعا جدا، وجاء بشكل حاسم، حيث صوت ثلاثة أرباع الأمم المتحدة بإدانة الغزو الروسي وطالبوا بالإنسحاب الفوري للقوات الروسية، حيث صوت لمشروع القرار 141 دولة من أصل 193”.
ونبه الحسيني، في تصريح خص به “آشكاين”، إلى أنه “قد يتفاجأ البعض بعدم مشاركة المغرب في هذه العملية، إذ أنه ليس من الدول المصوتة بالقبول أو الممتنعة، ولكن في خانة محدودة من الدول التي لم تشارك في التصويت”.
ويرى محدثنا أن “المغرب له أسبابه ومبرراته في هذا الخصوص، والتصويت بحد ذاته لن يغير من واقع الأمر شيئا في جميع الأحوال، على اعتبار أن قرارات الجمعية العامة ليست قرارات قابلة للتنفيذ، بل هي مجرد توصيات ذات طابع رمزي و لا يمكن أن تؤثر في مسار تسوية النزاع”.
لكن بالمقابل، يضيف الحسيني شارحا أن “المغرب يعتمد مبادئ أساسية تم توضيحها في بيانين صادرين عن وزارة الخارجية، الأول صدر حوالي أسبوع من الآن، والثاني بالأمس، وهما يركزان على مبادئ التعامل مع هذا الموضوع”.
وتابع أن “المبدأ الأول يهم تطبيق مقتضيات الفقرة الأولى من المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة التي تمنع استخدام القوة كوسيلة لتسوية النزاعات، ما يعني أن هذه النزاعات يجب أن تسوى طبق النصوص المدرجة في المادة 33 من نفس الميثاق، والتي تطالب الأطراف في حالة وجود نزاع قد يتطور إلى نزاع مسلح أن يحاولوا تسويته بالطرق السلمية المتمثلة في الوساطة والتحكيم والمساعي الحميدة وحتى التسوية القضائية”.
وأشار إلى أنه “عندما تفشل هذه الوسائل، تبقى الوسيلة الوحيدة للتدخل هي تقديم طلب أمام مجلس الأمن، الذي يقوم بمهامه سواء من خلال مقتضيات الفصل 6 أو 7 من الميثاق، والمغرب يتشبث بهذا المبدأ و يعتبر أن كل تجاوز لهذا المبدأ مدان في السياسات الخارجية للدول”.
وشدد الخبير في العلاقات الدولية على أن “المغرب ألحَّ على مبدإٍ ثانٍ هو احترام الوحدة الترابية للدول، وهذا مبدأ جاء في الكثير من قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة بهذا الخصوص، وموقف المغرب في هذا الباب له وجهان”.
الوجه الأول، يسترسل الحُسَيني هو “أن المغرب يناضل منذ القديم من أجل وحدته الترابية في مواجهة عدد من التحديات، ويعتبر في نفس الوقت أن وحدة التراب الأوكراني مسألة لا تقبل الجدال أو النزاع، بل أكثر من هذا، فإن المغرب على المستوى العملي استجاب ضدا على ما ذهبت إليه العديد من الدول التي في نفس مستواه، (استجاب) إلى طلب الأمين العام للأمم المتحدة وخصص مبالغ مالية لدعم الجهود الإنسانية في هذه المنطقة من العالم”.
موردا أن “البعض قد يتساءل: لماذا يقوم المغرب بكل ذلك دون أن يصوت لصالح هذا القرار”، مجيبا :”المعلوم أن حقيقة الصراع الدائر هو بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، فيما يتعلق بالقطبية المرتبطة بتوازن القوى الشمولي، ولأول مرة منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية، يصرح رئيس دولة، في شخص بوتين، بأنه سيستعمل السلاح النووي”.
وأكّـد محدثنا أن “المغرب يعتبر هذه الصراعات بين القوى الكبرى لا يمكن في الظرفية الراهنة، وعلى مستوى ترتيب الأولويات في سلم الأولويات الإستراتيجية المغربية، (لا يمكن) للمغرب ان يُدين طرفا على حساب الآخر، ولكنه يتخذ موقفا يتميز بالحذر و الحكمة والتريث”.
واعتبر أن المغرب وضع استراتيجية شمولية منذ 2015-2016، عندما قام العاهل المغربي بزيارة عدة بلدان، من بينها ذات العضوية الدائمة في مجلس الأمن، وعقد معها شراكات استراتيجية، منها روسيا و الصين الشعبية، علاوة على دول صاعدة و لها أهميتها في المعترك الدولي، خاصة الهند وإثيوبيا ونيجيريا وغيرها”.
استطرد الحُسَيني قائلا إن “المغرب أخذ على نفسه ألا يضع بيضه في سلة واحدة وأن ينوع الشراكات ويحفظ العلاقات الطيبة مع كل هذه الأطراف، ولِنتصور لو أنه طـُـرِحَ قرار مجلس الأمن 2602 الذي جاء لصالح المغرب بخصوص قضية الصحراء، واستعملت روسيا حينها حق الفيتو ضد هذا القرار، فستكون النتيجة نوعا من الفشل آنذاك للدبلوماسية المغربية في التعامل مع الملف لدى الأمم المتحدة، مع أن المغرب يعتبر أن الاختصاص المخول للأمم المتحدة ومجلس الأمن هو اختصاص حصري لا يمكن أن تتدخل فيه أي منظمة أخرى، بما فيها الإتحاد الإفريقي”.
وخلص الخبير نفسه، إلى أن “كل دولة في إطار سيادتها الوطنية وحماية لمصالحها الوطنية، لها الحق في أن تضع في سلم الأولويات ما يناسبها، خاصة إذا كانت هذه الأولويات لا تمس مصالح الأطراف الحقيقية للنزاع، إذ أن عدم مشاركة المغرب في تصويت141 دولة لصالح هذا القرار، لن يغير شيئا من واقع ما يجري في الميدان، وهو مجرد تصويت رمزي في خطاب موجه من الجمعية العامة للأمم المتحدة، والمغرب في إطار حماية هذه المصالح الحيوية، كان مرتبطا في آن واحد بموقف أكثر وضوحا وهو التشبث بالمبادئ السامية وكذلك تقديم الدعم والمساندة للأوكرانيين”.