لماذا وإلى أين ؟

مستقبل أبنائنا ومواقع “الانفصال” الاجتماعي

عبدالفتاح المنطري
 لشيء إذا زاد عن حده،انقلب إلى ضده..هكذا علمنا أساتذتنا الأجلاء ونحن في الصغر،ونحن اليوم نقف وأبناؤنا على هذه الحقيقة أمام الاكتساح الذهني لوسائط ما يمكن أن نصفها تجاوزا ب”الانفصال” الاجتماعي من تطبيقات الواتساب والانستقرام والسناب شات والفايسبوك وما يرتبط بها من منصات ومواقع اليوتيوب ذات المستوى الهابط ثقافيا وفكريا واجتماعيا وما يسمى بـ “المؤثرين” الذين ينشر معظمهم الطاقات السلبية والمحتويات ذات الأبعاد التافهة أوالساقطة أو المثيرة لعواطف الشباب من أجل الرفع من منسوب “الآدسنس” عندهم وملء جيوبهم وحساباتهم البنكية على ظهور هؤلاء الشباب الهيامى بتلك المواقع المحفزة سلبيا لغرائزهم الطبيعية و المدغدغة لمشاعرهم البريئة.

“رسالة من أستاذ” إلى الآباء والأمهات

هذه “رسالة من أستاذ” إلى الآباء والأمهات نشرها موقع الصحيفة الإلكترونية “العمق المغربي” يقول فيها بلهجة قوية وبأحاسيس عنيفة إلى حد ما: أيها الأولياء ، اتقو الله في أولادكم، فهم يأتون إلى المدارس نائمون من كثرة السهر على هواتفهم الذكية التي أرجعتهم أغبياء عنيفين وقحين غير مهتمين لا مبالين بالدراسة. ألعاب يسهرون عليها حتى الصباح فوي فاير وبابجي وغيرها. نحن لا ندرس تلاميذ بل جثث عقولهم فارغة قلوبهم ميتة. أولادكم يأتون ليقوموا بكل شيء إلا الدراسة؛ يلعبون ،يتراقصون يتفوهون بالكلام البذيء وبأعلى أصواتهم .ينسون أدواتهم وواجباتهم. أيها الأب أيتها الأم، أولادكم أمانة عندكم قبل أن يكونوا أمانة عندي. والله أبكي لحالهم لأنهم تائهون وأنتم لم تنيروا طريقهم بل أنتم تشاركون في جريمة هدم الأجيال. أنقذوا أولادكم ..أنقذوا تلاميذنا

ما الأرحم والأحن بشباب الأنترنيت؟

الإدمان على القراءة والبحث عن  القصص المفيدة والمسلية وممارسة الكتابة  والتعلق بالكتاب المطبوع وتعلم اللغات الحية والتواصل الشفهي والمكتوب بها أم الاستغراق في “الويفي” إلى مطلع الفجر؟ إنه سؤال فطري عن تسونامي مهول قد يأكل الأخضر واليابس كما قد يهلك الحرث والنسل ، سؤال يدق ناقوس الخطر ربما يراود مخيلة أي مدمن ومدمنة من شباب اليوم على مواقع التواصل الاجتماعي كلما اختلى بنفسه أو اختلت بنفسها في غرفة بيت أو زاوية بمقهى أو على عتبة أو شرفة أو سطح منزل ، وهذه مشكلة اكتساح العولمة الرقمية للأفكار والعقول والسلوكيات حتى أضحى الشباب اليوم أشبه بكائنات فضائية روبوتية تتحرك وفق مرامي وأهداف الشركات المصنعة لتكنولوجيا خدمات التواصل الذكي والفوري وشبه المجاني مقابل أرباح هائلة تجنيها من وراء البيع ومابعد البيع وأصناف الإشهارات المرافقة لذلك شعرنا بها أم لم نشعر، لكنها تجد طريقها ممهدا لتستقر في لا وعينا الفردي والجماعي.

إنها سياسة التدليس والغبن والخديعة ، تمارسها تلكم الشركات العملاقة لتغوص بشباب اليوم والمستقبل في أعماق بحرالإدمان تماما مثلما تفعله شركات إنتاج وتسويق التبغ والخمور والقمار وألعاب الحظ وعصابات ترويج المخدرات من أفاعيل لتجني المزيد من الأرباح المتواصلة وتفقد الشباب هويته وكينونته وكرامته وفطرته التي خلقه الله عليها، فينسلخ من أي ارتباط واقعي بالمجتمع ليسبح في عالم
افتراضي ظاهره فيه الرحمة وباطنه من قبله العذاب

ليس ذلك إذن إلا قارورة من عسل غير مصفى وضعت فيها بليل قطرات من سم الإدمان القاتل أو تلكم الشجرة المثمرة اليانعة الوارفة الظلال التي تخفي خلفها غابة مليئة بالوحوش و الثعابين والأفاعي والعقارب والتماسيح وعفاريت من الإنس والجن فقد تحول شباب اليوم بفعل هذا الإدمان الرقمي الخطير إلى قناديل متحركة في الظلام في رحلة بحث غير آمنة عن المجهول داخل عالم” الويفي” الذي يظهر ويختفي كثعلب الأديب المرحوم محمد زفزاف، والمضحك المبكي هنا أن تجد زوجة شابة غضبت من زوجها وذهبت إلى منزل أهلها، فلم تقدر على المكوث هناك طويلا ، لأنهم لا يملكون “الويفي” فعادت من فورها إلى بيت الزوجية  دون أن يسترضيها زوجها، لأن ببيته ” الويفي”.

هذا ما قررته في حقنا شركات التواصل الرقمي العالمية المنطلقة أساسا من بلاد العام سام ، أمريكا وما أدراك ما أمريكا ، أن تسلب منا كرامتنا و انتماءنا العائلي و ارتباطاتنا الاجتماعية بما تحويه من دفء وحنان وتواد وتعاون وحوار وتواصل ومؤانسة من الكتاب والقصة وحكايات شعبية مشوقة من الجدات والآباء قبل النوم.

إدمان الإنترنت وآثاره الجسدية والنفسية

الحديث في هذا الموضوع المهم ذو شجون ومتشعب تشعب شبكة الويب نفسها ،ويحتاج إلى كثير من المدارسة والحلول لرفع الضيق عن شبابنا المدمن على الإبحار في الشبكة دون قيود معقلنة وساعات محددة في اليوم والأسبوع، وإخراجهم من مأزق عنق الزجاجة الذي أمسك بهم بدهاء ، ومن حالة الاستيلاب الثقافي والمعلوماتي ،ومن شبقية الولوج إلى المواقع المحظورة ، لكن يمكن الاستئناس بدراسة قيمة جديرة بالمتابعة ،وهي تحت عنوان : “إدمان الإنترنت وآثاره الجسدية والنفسية” على رابط مـنتـدى فـانـتــازيـا

وتحيل على أول من وضع مصطلح ” إدمان الإنترنت ،وهي عالمة النفس الأميركية “كيمبرلي يونغ” التي تعد من أولى أطباء النفس الذين عكفوا على دراسة هذه الظاهرة في الولايات المتحدة منذ عام 1994، حيث تعرف يونغ : ” إدمان الإنترنت “بأنه استخدام الإنترنت أكثر من 38 ساعة أسبوعياً.

وتشمل أعراض حالة إدمان الإنترنت – حسب الدراسة – عناصر نفسية واجتماعية وجسدية، تؤثر على الحياة الإجتماعية والأسرية للفرد مثل الوحدة، والإحباط، والإكتئاب، والقلق، والتأخر عن العمل، وحدوث مشكلات زوجية وفقدان للعلاقات الأسرية الإجتماعية، كقضاء وقت كاف مع الأسرة والأصدقاء والأعراض الجسدية التي تظهر في التعب والخمول والأرق، والحرمان من النوم، وآلام الظهر والرقبة، والتهاب العينين، هذا بالإضافة لمخاطر الإشعاعات الصادرة عن شاشات أجهزة الإتصال الحديثة، وأيضاً تأثير المجالات المغناطيسية على الدماغ والأعصاب والصادرة عن الدوائر الالكترونية والكهربائية

The social dilemma | أخطبوط وسائل التواصل الاجتماعي –  الفيلم الوثائقي: المعضلة الاجتماعية

ويشرح هذا الرابط القصير كواليس خفية مستقاة من عمق الفيلم الوثائقي: المعضلة الاجتماعية المنتج من طرف نيتفليكس
الكتاب خير جليس وأنيس، ومن المفارقات العجيبة هنا، أن عملاق مايكروسوفت “بيل غيتس” كان لا يسمح لابنته باستعمال الكمبيوتر لأكثر من ساعتين في اليوم ، ولا يملك جهاز تلفاز ببيته على حد علمي به سابقا ، كما أنه من المفاجئ  أيضا أن نعلم أن الراحل “ستيف جوبز” الذي كان خلف اختراع الايفون والتابلت والايباد والرئيس التنفيذي لشركة “أبل” سابقا، لم يكن يسمح هو أيضا لأبنائه باقتناء أهمّ منتجات شركته أي الآي فون والآي باد وآي بود.أمر غريب فعلا

لنعد إذن إلى صحوتنا يا شباب اليوم ورجال الغد ، ونصاحب خير مؤنس وهو الكتاب والقصة والحكاية ،لا ضرر فيها ولا ضرار، ونعد بإحكام وتعقل ساعات النظر والحملقة والبحث في شاشات الهواتف الذكية والجلاكسي والحواسيب المحمولة واللوحية ونملأ الفراغات القاتلة في القاعات الرياضية وتفجير المواهب بدار الشباب والجمعيات الثقافية والأندية التواصلية وزيارة الأحباب والأصدقاء والأهل والأقارب والجلوس عند شط البحر أو على سفح جبل للتأمل في عظمة الخالق عز وجل حتى لا نفقد يوما ما أبصارنا وعقولنا وحريتنا الإنسانية ،وما أروع القول المأثور عن الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه : متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا.

اغتنم خمسا قبل خمس

ويقول موقع “إسلام ويب” في ذات الموضوع :اغتنم شبابك قبل هرمك، الشباب هو زمن العمل، لأنه فترة قوة بين ضعفين، ضعف الطفولة وضعف الشيخوخة، فمن ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك” (رواه الحاكم وصححه)، قال الإمام أحمد: ” ما شبهتُ الشباب إلا بشيء كان في كُمِّي فسقط”
إن الشباب هو وقت القدرة على الطاعة، وهو ضيف سريع الرحيل فإن لم يغتنمه العاقل تقطعت نفسه بعدُ حسرات

ما قلت للشباب: “في كنف الله .. .. ولا حِفْظِه” غــداةَ استقلاّ

ضيف زارنا أقام عندنا قليلا .. .. سوّد الصحف بالذنوب وولى

فمن ثم يسأل الله عز وجل كل عبد من عباده عن نعمة الشباب كيف صرّفه، وبم أبلاه، قال صلى الله عليه وسلم: ” لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة من عند ربه، حتى يُسأل عن خمس: عن عمره فيم أفناه؟ وعن شبابه فيم أبلاه؟ وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه؟ وماذا عمل فيما علم؟”.(رواه الترمذي وصححه الألباني)

وعدّ صلى الله عليه وسلم في السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: ” شابا نشأ في عبادة الله”

ليت الشباب يعود يوما

ألا ليت الشباب يعود يوما / أبو العتاهية

بَكيتُ عَلى الشَبابِ بِدَمعِ عَيني+++ فَلَم يُغنِ البُكاءُ وَلا النَحيبُ

فَيا أَسَفا أَسِفتُ عَلى شَبابِ ++++نَعاهُ الشَيبُ وَالرَأسُ الخَضيبُ

عَريتُ مِنَ الشَبابِ وَكانَ غَضّاً++++ كَما يَعرى مِنَ الوَرَقِ القَضيبُ

فَيا لَيتَ الشَبابَ يَعودُ يَوماً++++ فَأُخبِرُهُ بِما صَنَعَ المَشيبُ

 
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين و إنما تعبر عن رأي صاحبها.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x