لماذا وإلى أين ؟

جـرائمُ البوليساريو في تَـجْنيد الأطفال

الحسين بكار السباعي*

احتلت قضية حماية الأطفال في النزاعات المسلحة، بشقيها الدولي و غير الدولي، رأس جدول أعمال السياسة الدولية، حيث شكل مجلس الأمن مجموعة عمل خاصة، تتولى الإهتمام كل عام بأخطر الإنتهاكات لحقوق الأطفال في النزاعات المسلحة، مثل تجنيد الأطفال، و قتلهم و العنف الجنسي.
و مقالنا من زاويتيه القانونية و الحقوقية، يهدف الى تسليط الضوء على أهم الإتفاقيات التي تضمنها القانون الدولي الإنساني بالتركيز على اتفاقية جنيف الرابعة 1949، و البرتوكولين التكميلين الأول و الثاني لعام 1977، بالإضافة إلى القانون الدولي لحقوق الإنسان من خلال التركيز كذلك على اتفاقية حقوق الطفل 1989، و البروتكول الإختياري لاتفاقية الطفل.

و حظيت معاناة الأطفال أثناء النزاعات المسلحة الدولية، باهتمام كبير ثم تُرجم في شكل برتوكولات و اتفاقيات دولية، بعضها قديم ينتمي إلى القانون الدولي الإنساني في مقدمته اتفاقية جنيف الرابعة، والبعض الآخر جديد ينتمي إلى القانون الدولي لحقوق الإنسان و هنا تُمْــكِنُ الإشارةُ بصفة خاصة إلى اتفاقية حقوق الطفل.

انطلاقا مما سبق يمكن القول بأن غالبية الدول سعت للحد من ظاهرة قتل و تجنيد الأطفال و محاولة القضاء عليها، ولعل هذا ما يدفعنا إلى التساؤل حول: إلى أي مدى يمكن القول بأن مبادئ القانون الدولي ممثلة أساسا في مواد القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، قد ساهمت في حماية الأطفال أثناء النزاعات المسلحة الدولة و غير الدولية؟

لا شك أن الأثر المدمر لأوضاع النزاع المسلح يكون شديد الوطأة على الأطفال بصفة خاصة، فتشتت الأسر و تيتم الأطفال، و تجنيدهم في الحرب، وتعريضهم للموت أو الإصابة، ويشكل الأطفال أكثر الفئات تضررا من ويلات الحرب، نظرا لعجزهم عن حماية أنفسهم و اعتمادهم في إعالتهم على غيرهم ومن الصعب تقدير ما يمكن أن تحدثه الحرب من آثار على التطور النفسي و البدني اللاحق للأطفال الذين عاشوا أوضاع النزاع المسلح، ومن هنا يتطلب الأطفال دوما حماية و معاملة خاصتين في أوضاع النزاع المسلح ،وقبل التطرق إلى حماية الأطفال أثناء النزاعات المسلحة لابد أولا من التطرق إلى الويلات التي تعانيها هذه الفئة خلال النزاعات.

كانت اتفاقية جنيف الرابعة الصك الدولي الأول بعد الحرب العالمية الثانية الذي ينص صراحة على حماية الأطفال أثناء النزاعات المسلحة باعتبارهم مدنيين محميين و معاملين معاملة إنسانية تشمل احترام حياتهم و سلامتهم البدنية و كرامتهم، وفي حالات النزاع المسلح غير الدولي يمنح الأطفال حق المعاملة الإنسانية باعتبارهم أشخاصا لا يقومون بدور إيجابي في الأعمال العدائية .حيث نصت المادة 24 من الاتفاقية :” يجب على الدول الأطراف ان تتخذ التدابير اللازمة لضمان تمتع الأطفال دون 15 سنة من العمر، الذين تيتموا أو انفصلوا عن أسرهم نتيجة الحرب، بالموارد الخاصة”، و يجب تسهيل استقبال هؤلاء الأطفال

بكار السباعي

في بلد محايد لمدة الصراع”. وعلاوة على ذلك الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 12 سنة ينبغي أن:” تحدد عن طريق حمل لوحة الهوية”، ويمكن الاطلاع على نص مماثل في المادة 50 بشأن الأطفال في الأراضي المحتلة، مع حظر صريح لتغيير حالة الطفل الشخصية أو الاستعانة بهم في مؤسسات سلطة الاحتلال، أثناء الإعتقال و الأسر، وخاصة الآباء والأمهات و الأطفال يجب البقاء في نفس المكان. وتنص المادة 89 من الاتفاقية:” الأمهات والمرضعات والحوامل والأطفال دون 15 من العمر، يجب أن تعطى أغذية اضافية”.

كما تناولت اتفاقية جنيف الرابعة موضوع إجلاء الأطفال أثناء النزاعات المسلحة كضمانة أساسية لحماية الأطفال من أخطار الحرب، فنصت على أن:” يعمل أطراف النزاع على إقرار ترتيبات محلية لنقل الجرحى و المرضى و العجزة و المسنين و الأطفال…، من المناطق المحاصرة أو المطوقة….” و تجدر الإشارة إلى أن أحكام حماية الطفل في اتفاقية جنيف الرابعة لا تنطبق إلا في نزاع دولي مسلح، وتنص المادة 02 على أن” تسري الاتفاقية على جميع حالات الحرب المعلنة و أي اشتباك مسلح ينشب بين طرفين أو أكثر”، على الرغم من أن المادة 03 تحوي بعض الأحكام الأساسية للنزاع المسلح غير الدولي، إلا أنها لا تتوفر على أية أحكام لحماية الطفل.

تعتبر مبادئ باريس أيضا وثيقة مهمة لحماية الأطفال في الصراعات المسلحة، ففي الفصل الأول يمكن اعتباره توسيعا للقانون الدولي الإنساني، الفصل السادس يمنع التجنيد غير القانوني أو استخدام الأطفال، الفصل السابع إطلاق سراح و إعادة دمج الأطفال الجنود الذين شاركوا في النزاع المسلح، تم اعتماد الوثيقة في مؤتمر عقد في باريس عام 2007، و اعتبارا من سبتمبر 2010 تم اقرارها من قبل 95 دولة.

إذ تم النص على حقوق الإنسان في مختلف العهود و الاتفاقيات الدولية الملزمة والمطبقة على جميع الدول، تحتوي بعضها أحكاماً عامة حول حق الطفل في الحماية، فعلى سبيل المثال المادة 24 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، و المادة 10 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية، لكن معنى هذه المواد أنها قدمت اهتماما ضئيلاً جدا بتنفيذ هذه الأحكام المتعلقة بحقوق الإنسان. هذا الاهتمام الضئيل بالطفل تغير جوهريا مع اعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة اتفاقية حقوق الطفل عام 1989، واعتبارا من يونيو 2011 صادقت 193 دولة على هذه الإتفاقية و محتواها، و يمكن أن تعتبر كقانون عرفي دولي.

لا يستطيع الطفل أن يدافع عن حقوقه لأنه لا يفهمها فهما دقيقا، ولا توجد لديه وسيلة أو قدرة تمكنه من المحافظة عليها بشكل قويم، ما أدى إلى اعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة بالإجماع اتفاقية حقوق الطفل بموجب القرار رقم25/44، المؤرخ في 20 نوفمبر1989، تتضمن الإتفاقية 54 مادة وملحقين اختياريين. توضح الاتفاقية بطريقة لا لبس فيها حقوق الإنسان الأساس التي يجب أن يتمتع بها الأطفال في أي مكان و دون تمييز، ومن أهم هذه الحقوق: الحق في الحياة و الأمان، الحق في البقاء و النمو، الحق في الإسم والجنسية، الحق في التعبير عن رأيه، …

يمكن اعتبار اتفاقية حقوق الطفل اللبنة الأساسية للإطار الدولي لحماية جميع الأطفال المتأثرين بالنزاعات المسلحة، الإرتباط المباشر بهذه الحماية يمكن إيجادها أو العثور عليها في المادة 38 من اتفاقية حقوق الطفل، والتي تنص على:

تتعهد الدول الأطراف بأن تحترم قواعد القانون الدولي الإنساني المنطبقة عليها في النزاعات المسلحة، وذات الصلة بالطفل، وأن تضمن احترام هذه القواعد.
تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير الممكنة عمليا، لكي تضمن ألا يشترك الأشخاص الذين لم تبلغ سنهم 15 سنة اشتراكا مباشرا في الحرب.
تمتنع الدول الأطراف عن تجنيد أي شخص لم يبلغ سنه 15 سنة في قواتها المسلحة، وعند التجنيد من بين الأشخاص الذين بلغت 15، ولكنها لم تبلغ 18 سنة، يجب على الدول الأطراف أن تسعى لإعطاء الأولوية لمن هم أكبر سنا.

و بالمقابل فاتفاقية حقوق الطفل هي أكثر بكثير من مجرد حقوق إنسان، هي اتفاقية لحماية الأطفال، وينعكس الإعتراف بالطفل باعتباره صاحب حق إنساني على الأقاليم التي تمنح الأطفال الحق في ممارسة حقوقهم وفقا لقدراتهم المتصورة”، وذلك طبقا للمادة 05. و علاوة على ذلك وفقا للمادة 12″تكفل الدول الأطراف للطفل القادر على تكوين آرائه بحرية في جميع المسائل التي تمس الطفل، وجهات نظر الطفل تمنح بناءا على السن ونضج الطفل”.

وفي انكار كل مقتضيات القانون الدولي و حقوق الإنسان  والمعاهدات والإتفاقيات الدولية و بمباركة و مشاركة جزائرية، نهجت البوليساريو اسلوبا رخيصا ومسارا خسيسا باستغلالها لأطفال مخيمات تندوف القصر و انتزاعهم من أسرهم بالقوة و الزج بهم في تداريب عسكرية و حمل عتاد و أسلحة لا تناسب بنيتهم الجسمية مما يؤثر على سلامتهم البدنية و يزيد من معاناتهم النفسية وسرعان ما اكتشفت جريمتها الشنعاء في حق طفولة مغتصبة أمام المنتظم الدولي من خلال ما تروجه نفسها عبر إعلامها الرخيص المبني على بروبكندا التحريض على الكراهية والعنف، لمجموعة من الأشرطة المرئية التي  توثق لتجنيد الأطفال و دفعهم إلى حمل السلاح ، وهو ما يعتبر جريمة دولية و خرقا للقانون الدولي الذي يحظر إشراك الأطفال في النزاعات المسلحة بموجب الفقرة الثانية من المادة 77 من برتوكول جنيف لعام 1977، والمادة 38 من اتفاقية حقوق الطفل لعام 1989، و البروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل بشأن إشراك الأطفال في النزاعات المسلحة لعام 2000 الذي يحظر إشراك الأطفال الذين لم يبلغوا بعد سن الثامنة عشر في الأعمال العدائية.

بل ان جريمتها استمرت دون احترام للقانون الدولي و حقوق الانسان حينما عمدت ان يكون ممن يستقبلون المبعوث الأممي دي ميستورا في زيارته لمخيمات المحتجزين بتندوف اطفال ابرياء بلباس عسكري و يحملون بنادق كلاشنكوف روسية الصنع، أطفال مكانهم الطبيعي المدرسة.

وضع يحتم على المنظمات الحقوقية الوطنية و الدولية إثارة انتباه لجنة الأمم المتحدة لحقوق الطفل إلى الوضعية المأساوية للأطفال المحتجزين في مخيمات تندوف، في خرق سافر لكل الأعراف والقوانين، كما أن الجزائر يجب أن تتحمل كامل المسؤولية أمام المجتمع الدولي، و تتعين مُساءلتها لأن استغلال هؤلاء الأطفال يتم فوق التراب الجزائري.

و تقوم الجبهة الإنفصالية بتدريب الأطفال القاصرين على استخدام السلاح وإ دراجهم في مناورات عسكرية، ضاربة بعرض الحائط المعاهدات الدولية و المنظمات الحقوقية والإنسانية التي تطالب برعاية الأطفال و استثنائهم من التجنيد العسكري أو دفعهم إلى المشاركة في الحروب.
وليس ببعيد، وفي ذات السياق، حينما أشرف زعيم جبهة “البوليساريو” الإنفصالية على تخرج دفعة جديدة من أطفال عسكريين بمخيمات تندوف. و ترحيلهم إلى كوبا للتدريب العسكري و التكوين الإيديولوجي، من أجل استخدامهم في ارتكاب أعمال إرهابية وشن هجمات انتحارية و أعمال التجسس وزرع المتفجرات ضد المملكة المغربية وطنهم الأم.

فضلا على أن العديد من التقارير تشير، إلى أن الجبهة الإنفصالية لم تقتصر على تجنيد الأطفال الصحراويين، بل تقوم قياداتها بالزج بهم في أعمال شاقة و بإجبارهم على خوض مناورات عسكرية و فصلهم عن أهاليهم و تربيتهم على التحريض و العنف و ثقافة الكره.
على الجزائر أن تتحمل كامل المسؤولية أمام المجتمع الدولي، و تتعين مساءلتها لأن استغلال هؤلاء الأطفال يتم فوق ترابها و بأقدم مخيم للمحتجزين في التاريخ، لا يمكن وصفه الا بسجن كبير تُرْتَــكَبُ فيه أبشع الجرائم ضد الإنسانية.

محام وباحث في الإعلام والهجرة وحقوق الإنسان.

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين وإنما عن رأي صاحبها.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

1 تعليق
الأكثر تصويتا
أحدث أقدم
Inline Feedbacks
View all comments
Samira
المعلق(ة)
13 مارس 2022 04:06

البوليساريو ليست مسؤولة على هذه الجرائم التجنيد الأطفال وليس هناك شيء إسمه البوليساريو. بل إنهم 4 أشخاص خونة للوطن كونو عصابة إجرامية ستغلتهم الجزائر وتجندهم ضد الوحدة الترابية للوطن الجزائر هي من تجند الأطفال في تندوف كل ما يعيش الشعب المغربي من مشاكل الصحراء المغربية سببها الجزائر فقط.ولكن الله لا يحب الضالمين شحال تعدا علينا القذافي في هذا الملف في الأخير رأيتم ما وقع له.حذاري ثم حذاري ياعصابة الجنيرالات

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

1
0
أضف تعليقكx
()
x